[email protected] أغلب برامج الطبخ ترفع شعار للأغنياء فقط ولو ضمنيا، فهي لا تنادي بذلك علانية، لكن مقادير الوصفات والأطباق التي تعد تقول ذلك، وما على الفقير إلا أن يملي نظره برؤية أشهى وأغلى الأطباق على الشاشة ويحلم بها لأنه بمجرد استيقاظه من الحلم سيجد «الخبز والشاي» في انتظاره على الفطور، والبيصارة أو العدس على الغذاء وفي أحسن الأحوال «المرقة»، وهي وجبات لا يحتاج إعدادها إلى برامج تلفزية. فأغلب الأطباق التي تقدم في هذه البرامج غير مناسبة للظروف الاقتصادية لشريحة كبيرة من المواطنين، إذ تخاطب فئات اجتماعية بعينها وتضع الفقراء في أدنى اهتماماتها، وليست هذه البرامج وحدها هي من يستثني هؤلاء من حساباته، بل أيضا السياسة العامة للإعلام التي تبيع الأحلام والأوهام ولا تضع يدها على احتياجات هؤلاء، وتتباهى بتقديم أطباق لا تمت إلى الواقع بصلة، أطباق تعتمد في تحضيرها على اللحوم والأسماك بأنواعها المختلفة والتي لا يسمع عن بعضها أغلب مشاهدي هذه البرامج. وحتى لو صودف أحيانا أن تكون مقادير بعض الوصفات في المستطاع، فالأواني التي تستعمل لتحضيرها لا تكون بحوزة أغلب ربات البيوت، كالروبوات والخلاطات الكهربائية والأفران العصرية وغيرها. ولا يقف الأمر عند الأطباق بل حتى المكان الذي تهيأ فيه هذه الأخيرة، أي المطبخ، بعيد كل البعد عن مطابخ أغلب الأسر، وهو ما أصبح يؤثر بشكل كبير على الديكور الداخلي للمنازل، وأصبح العديد من الناس حاليا يطالبون بمطبخ واسع ومفتوح على غرفة الجلوس كشرط أساسي لشراء بيت جديد، والسبب يرجع إلى مطبخ «شميشة»، فالكل يريد أن يحضر الأطباق التي تقدمها في مطبخ يضاهي في جماله مطبخها، مجهز بأحدث التقنيات والأجهزة وملون بألوان جميلة جذابة، فلم يعد المطبخ مجرد جزء خفي من البيت تغلق أبوابه عند استقبال الضيوف كي لا يروا «رْوِينَته» وفوضويته، فقد تحول في عهد هذه البرامج إلى جزء من البيت، يمكن استعراضه والتباهي به واستقبال الضيوف فيه، وأصبح بذلك في أهمية «الصّالة» أو غرفة الاستقبال في البيت، لكن ذلك ليس في مقدور العديد من الأسر التي ما يزال الكثير منها يسكن في غرفة يختلط فيها كل شيء، فهي تصلح كغرفة للجلوس والنوم والاستقبال، وركن منها مخصص أيضا للطبخ بديكور وتصميم لا علاقة له، لا من قريب ولا من بعيد، بمطبخ «شميشة»، لأن هاته الأسر المكوية بنار غلاء الأسعار وارتفاعها الصاروخي لا تنتظر من هذه البرامج أن تعطيها طريقة تحضير الكتف معمر أو الكبد مشرمل... بل تحتاج إلى أكثر من ذلك، تحتاج إلى من يحمي خبزها اليومي وتحتاج إلى من يقف بجانبها لمواجهة هذه الموجة التي جعلته يعاني من شظف العيش وقسوة الحياة وتحتاج إلى أن تستقر أسعار المواد الأساسية التي لا يمكنها الاستغناء عنها، لأن اللحم والكبد وغيرهما من الشهيوات تبقى مجرد حلم بعيد المنال.