[email protected] كثيرون منا يشعرون أحيانا أن لا معنى لحياتهم، أناس فقدوا البهجة والتفاعل مع الحياة وأصبحوا غير قادرين على تفسير كآبتهم وعدم استمتاعهم بأي شيء، فقدوا الأمان والشعور بالطمأنينة واجتاحهم الخوف وأصبحوا كعميان يتلمسون طريقهم في كهف مظلم. لا أنكر أنني أحيانا أكون من هؤلاء وأحس الأحاسيس ذاتها، ولا أستغرب من ذلك ما دامت الحياة مفتوحة على كل الاحتمالات وكل التوقعات، فهي يوما تلطمنا لطما وتكشر في وجوهنا، ويوما تفتح فمها بابتسامة صغيرة لا ترى بالعين المجردة، تحتاج لمكبر لتظهر على شفاهنا. فقد يحدث أن نصل أحيانا إلى أقصى لحظات الفرح قبل أن ينقض علينا فجأة ذلك الشعور الخفي بالوحشة والفقد والتلاشي، ويحدث أيضا أن نصل إلى تلك النقطة الأخيرة على آخر السطر فتختفي من أمام أعيننا فجأة السطور كلها بمعناها المجازي والحقيقي، لنشهد موت ساعات الضحك بعيوننا. نهدر كميات حزن كثيرة على أوجاعنا، فمصيبة العيش أنه تحول لرحلة طويلة من الآلام تسحقنا أيامه، تخذلنا مواعيده، تصادر سطوته جزءا كبيرا من فرحنا، عفويتنا وانطلاقتنا لتفسح المجال لألم يلازمنا على الدوام، لنسقط تماما كما تسقط المدن والعواصم العربية، ونضيع، نذل ونحزن ونصبح مجرد حكاية بلا نهاية. مناسبة هذا الكلام بريد مثقل بالحزن والألم تلقيته من إحدى القارئات تحسدني عن طعم الحياة الحلوة التي تصورت أنني أعيشها، ولا أدري من أين لها بهذا التصور، ربما لأنني أطل عليها وعليكم من هذه النافذة ظنت أن حياتي سهلة وهانئة، لأنه وكما جاء في رسالتها خاطبتني قائلة: «سعداتك راسك خاوي وهاني، وعندك الخاطر تكتبي...»، لها أقول ولكل من يعتقد نفس الشيء أن المرء يخدع كثيرا بحال من حوله فيظن أنه وحده المغبون والحزين والمظلوم، وأن حاله أسوأ بكثير من أحوال الناس، وقد يكون الأمر كذلك إلى حد ما، ولكني أكاد أجزم بأنه لا يوجد في هذه الدنيا من هو خال من الهموم التي تنغص عليه حياته وتقلقه وخصوصا من قبيلة حاملي الأقلام لأن الكتابة ما هي إلا طريقة أو وسيلة للتعبير عن الآلام والأحلام والأحزان وإثارة الأسئلة التي تؤرقنا وبالتالي تكون أحد أسباب عدم هنائنا وسعادتنا المزعومة. وهنا وحتى لا أتهم أنني أدعو للتشاؤم، أعترف أن هناك شيئا اسمه الأمل وأشياء اسمها الفرح والتفاؤل ولمن يعيش ظروفا أساسها الفرح والابتسام والتفاؤل طوال الوقت أقول له هنيئا لك ومن يعيش ظروفا أساسها الغضب والتوتر والتشاؤم أدعو له، لكن الأكيد أن الكل صار متفقا أن لاشيء أصبح: بنفس المذاق، الكل متذمر يشكو، الكل يعترف أن الزمن صار يستدرجهم إلى ركن ضيق ليمارس فيهم وعليهم المكائد، يقتنصهم في عز انشراحهم ليفضح عوراتهم المكسوة بضحكات وهمية، يدفعهم لركوب الحمق والعبور بقواربهم لضفة الفرح المتخيلة، تمر قواربهم المحملة بأحلامهم المحتضرة لكنها تغرق بمجرد أن تبلل لأنها مجرد قوارب ورقية. ينسجون غيرها وغيرها من الأحلام... لكن خبايا العتمة تلتهمها، هاته العتمة التي تحاصرهم بالكوابيس ويترجون داخلها ولو لحظة نور ربما وعلى ما يبدو هذا هو قدرنا في هذا الزمان الكئيب، زمن الألفية الثالثة التي تنشر سحريتها في الاتصالات والتقنيات والتكنولوجيا ومذاقات الطعام النادرة ورفاهية العيش الرغدة ومع ذلك تبقى أيامنا عديمة المذاق.