انطلقت الحملة الانتخابية في إسبانيا قبل أوانها أو تاريخها الرسمي، وكل المؤشرات تؤكد أنها ستكون ساخنة وحامية الوطيس، خصوصا وأن كل استطلاعات الرأي تتفق أن الفارق بين الحزب الاشتراكي الحاكم والحزب اليميني المعارض لا يتعدى نقطتين أو ثلاث لصالح الأول. كان من المنتظر أن تدور رحى الحرب الانتخابية بين الحزبين المتنافسين حول أهم القضايا التي تشغل بال الناخب الإسباني، ومن بينها قضية الإرهاب ومبادرة الحزب الاشتراكي بالحوار مع منظمة إيطا الانفصالية، التي قررت بموجبها هذه الأخيرة الإعلان عن هدنة لامحدودة انتهت بخرقها في يناير من سنة 2007 بتفجيرات في مطار العاصمة، خلفت خسائر مادية فادحة وقتيلين مهاجرين من دولة إكوادور. تفجيرات مدريد كانت بمثابة الإعلان عن نهاية الهدنة ونهاية مواجهة عنيفة قادها الحزب الشعبي قصد استنزاف الحزب الاشتراكي وتقديمه للناخب الإسباني كحزب ضعيف يتحاور مع عصابات الإرهاب ويتنازل أمام تهديداتها. الآن وفي غضون شهر قبل موعد الانتخابات استبدل الحزب الاشتراكي استراتيجية الحوار مع المنظمة الباسكية باستراتيجية المواجهة ومطاردة ساعدها السياسي عبر حل حزبها واعتقال قياداته وحرمانه من المشاركة في انتخابات 9 مارس المقبل. استراتيجية الحزب الاشتراكي الجديدة جعلت من موضوع الإرهاب يأخذ موقعا ثانويا في الحملة الانتخابية، بعد أن استمر في الصدارة لما يزيد عن السنتين. وكما كان منتظرا، قفزت بوادر الأزمة الاقتصادية لتأخذ موقع الصدارة إلى جانب موضوع الهجرة الذي قفز إلى الصدارة بمبادرة محسوبة من طرف الحزب الشعبي المعارض، حين أعلن زعيمه في مؤتمر الحزب الذي قدم فيه برنامجه الانتخابي عن مقترحات الحزب في موضوع الهجرة والسياسة التي ينوي نهجها في حالة ما إذا انتصر في الانتخابات المقبلة. نزلت مقترحات الحزب الشعبي في مجال الهجرة نزول الصاعقة على الرأي العام الإسباني والمهاجرين، وخلفت، كما هو طبيعي، ردود فعل متباينة، اختلفت بين مساند ومعارض، وحوَّلت الأنظار، كما كان مبرمجا من طرف حزب أثنار، نحو الهجرة وتهديداتها لمصالح إسبانيا واستقرارها. مقترحات الحزب اليميني تستهدف الناخب الإسباني من الطبقات المتوسطة، وبالخصوص في الأحياء التي يقطنها عدد كبير من المهاجرين، كما تستهدف بالدرجة الأولى الهجرة المغربية والمُسلمة التي غالبا ما يربطها الإسبان بتفجيرات مدريد التي توافق ذكراها تاريخ الانتخابات المقبلة. من هذه المقترحات وأكثرها جدلا، اقتراح تعديل قانون الهجرة ليفرض على المهاجرين الجدد أو أثناء تجديد رخصة الإقامة توقيع عقد مع الدولة الإسبانية مواز لعقد العمل، يلتزم بموجبه المهاجر أن يتعلم اللغة الإسبانية خلال سنة من الإقامة، وأن يحترم التقاليد والأعراف الإسبانية وألا يمارس تقاليد وأعراف بلده الأصلي التي تتعارض مع التقاليد الإسبانية، كما يلتزم في نفس العقد باحترام القوانين الإسبانية وأداء الضرائب والرسومات مقابل أن يتمتع بكل الحقوق التي يتمتع بها المواطنون الإسبان. خرق هذا العقد يعني مغادرة التراب الإسباني وفقدان الحق سواء في الإقامة أو الزيارة. مقترح آخر مثير للجدل يتعلق بإصدار قانون يحظر الحجاب في المؤسسات العمومية، وهو ما يؤكد أن الهجرة المستهدفة هي الهجرة المسلمة بحثا عن أصوات العنصرية والكراهية والإسلاموفوبيا التي يُرَوِّج لها اليمين المسيحي في إسبانيا. يبدو واضحا من مقترحات الحزب الشعبي أنها تهدف إلى وضع الهجرة في عِداد أخطر التحديات التي تهدد أمن واستقرار إسبانيا بعد أن فقد هذه الورقة في موضوع الإرهاب والحركة الانفصالية الباسكية، كما أن المقترحات تستهدف تأجيج شعور العنصرية والكراهية لدى الإسبان تجاه الهجرة المسلمة وتصويرها بالمُهدِّدة للهوية القومية الإسبانية. المفارقة أن مثل هذه الإجراءات تتعارض مع الدستور الإسباني ومع دولة يسري فيها القانون على الجميع ودون حاجة لأي عقد إضافي. أما في ما يتعلق بالأعراف والتقاليد، فليس هناك قانون في العالم يُلزم الأشخاص على تطبيقها أو الالتزام بها باستثناء واجب احترامها، بما فيها التي تخص المهاجر والسائح أو المقيم، وربما المرجع الوحيد الذي قد يكون مصدر مقترح الحزب الشعبي هو قوانين التمسيح ومحاربة أعداء الكنيسة في القرن الخامس عشر بعد طرد المسلمين من الأندلس. ولم يستغرب العديد من الملاحظين وممثلي المنظمات غير الحكومية استعمال الحزب الشعبي لموضوع الهجرة في حملته الانتخابية وتبرير مقترحاته بارتفاع معدل الجريمة في إسبانيا التي ربطها بالهجرة غير المنظمة، وتزايد عدد المهاجرين الذين حملهم مسؤولية مشاكل الخدمات الصحية والاجتماعية وارتفاع البطالة. لاشك أن الحزب الشعبي قد حقق من مقترحاته هذه هدف وضع الهجرة في طليعة القضايا موضوع الحملة الانتخابية، كما أن مواقف شعبوية مثل التي طرحها حزب اليمين قد تجلب أصوات اليمين المتطرف وبعض الفئات الشعبية، التي نظرا لفقرها وأزمتها، غالبا ما تُصدق أطروحة العنصريين التي تربط كل الأزمات بالمهاجرين، إضافة إلى تحريك اللاوعي الجمعي المسيحي ضد خطر عودة «المسلمين الغزاة» وغير ذلك من الأشباح. لكن الطبيعي أن مثل هذا الخطاب يضع الحزب في مواقع متطرفة تبعده عن أصوات الوسط من اليمين المعتدل، كما تحفز ناخبي اليسار ووسط اليسار على المزيد من الانخراط في الحملة الانتخابية لمواجهة تطرف حزب المعارضة الأول، هذا إضافة إلى اتجاه المهاجرين المُجنَّسين، رغم قلتهم، إلى الاصطفاف وراء الحزب الاشتراكي أو أحزاب أخرى يسارية أو جهوية. من جانب آخر، علق البعض أن الحزب الشعبي أراد أن ينقل النموذج الفرنسي إلى الساحة الانتخابية الإسبانية وأن السيد راخوي يريد تقديم نفسه كساركوزي إسبانيا، وهو في اعتقادي نقل سخيف لتجربة غير قابلة للتطبيق في إسبانيا لأسباب عدة، أولها أن تاريخ الهجرة في فرنسا يعود إلى ما يزيد عن نصف قرن في حين أن إسبانيا لم تتحول إلى بلد مُستقبل للهجرة إلا مع بداية التسعينيات وأن عددها في فرنسا يضاعف عدد الهجرة في إسبانيا، وأن الاقتصاد الفرنسي لم يعد يحتاج إلى اليد العاملة بالحدة التي تحتاجها أهم القطاعات الإنتاجية الإسبانية، وأن استعمال أسلوب التخويف والتهويل بموضوع الهجرة استعمله ساركوزي من موقع الوسط في مقابل حزب متطرف بقيادة لوبين ساحبا البساط عن مشروعه دون المغامرة بموقعه كحزب وسط، أما السيد راخوي، زعيم اليمين الإسباني، فلا يتوفر في يمينه على لوبين إسباني يمثل التطرف اليميني الإسباني ويضمن استمرار تمثيل الحزب الشعبي لوسط اليمين مهما استعمل شعارات ومقترحات اليمين المتطرف. والخلاصة أن حزب اليمين الإسباني يغامر، باقتراحاته المتطرفة، بموقع الوسط الذي يضمن النصر في الانتخابات الإسبانية، سواء بالنسبة إلى اليمين أو اليسار. تداعيات هذا الموضوع واحتمال أن يستمر في مقدمة المواضيع التي ستطبع هذه الانتخابات ستفرض لا محالة العودة إلى متابعته.