[email protected] تحتاج الصحافة إلى قدر كبير من الحرية، والهامش الموجود من حرية التعبير اليوم في المغرب لا يكفي لجريدة واحدة، مهما كانت معتدلة و«رصينة» وتحسب المسافة الرابطة بين الديمقراطية والطريق إليها. هذا الأسبوع كانت «المساء» وسط العاصفة. مجرمون، مازالت دوافعهم غامضة، اعتدوا على الزميل رشيد نيني، وقاضيان في مدينة القصر الكبير رفعا دعوتين قضائيتين ضد الجريدة ويطالبان معا ب500 مليون سنتيم، ثم دعوى ثالثة من قبل الدرك الملكي في بني ملال عن قضية تعود إلى 8 أشهر، رغم أن قانون الصحافة يعتبر قضايا القذف –إن كان هناك قذف- تتقادم بمرور 6 أشهر... سنرجع إلى مناقشة موضوعات هذه القضايا فيما بعد وإظهار خلفياتها القانونية والسياسية. وقبل حملة «السكاكين البيضاء» والدعاوى القضائية ومئات الملايين من الغرامة، توصلت «المساء» بعدة تهديدات من عدة جهات نافذة في السلطة تتوعد «المساء» بالرد، هذا قبل أن تتطوع جهات أخرى لإسداء «النصيحة» ل«المساء» بضرورة «تبريد» خطها التحريري الذي تقدر الجهات إياها أنه «ساخن» أو بالأحرى غير متحكم فيه، خاصة وأن الجريدة مؤثرة في الأحداث وأن قراءها بمئات الآلاف (معدل قراءة نسخة واحدة من أي جريدة في المغرب ما بين 6 إلى 10 أشخاص)، وأنه لابد من مراعاة ظروف البلد وطبيعة الأزمة الراهنة... لقد كان ردنا على «النصائح» كما «التهديدات»، المباشرة كما المبطنة، ما يلي: إن الصحافة الحرة والمهنية قيمة مضافة في أي بلد، وخاصة إذا كان هذا البلد في طور انتقال فعلي، والصحافة المستقلة ليست قنبلة موقوتة وعود ثقاب –كما قال الزميل بنشمسي عن «المساء»- يهدد بإحراق البلاد بمن فيها. إن مصداقية الصحافة ومصداقية السياسة تعرض على المحك كل يوم، من خلال نوع المسافة التي تبقيها مع «الحقيقة»، حتى ولو كانت هذه الأخيرة نسبية بطبيعتها. إن الجريدة التي لا تفتح عينها على ما يجري، ولا تنقل بأمانة ما تراه، ولا تعبر عن تحولات المجتمع، ولا تعكس تعدديته وحيوية تياراته، ولا تقترب من الخطوط الحمراء التي وضعتها السلطة سياجا يحمي تسلطها وفساد أعوانها وتجاوزات موظفيها.. إن صحافة لا تحمل شمعة وسط الظلام تتحول إلى بوم «يبشر» بالموت القادم. لقد تعودت السلطة على الاشتغال بآليات الضبط في كل مجال، في السياسة كما في الاقتصاد، في الإعلام كما في العلاقة مع النقابات، والصحافة المستقلة، و«المساء» واحدة منها، كسرت هذه الحلقة المفرغة التي كانت ولاتزال تحد من حركية تطور المجتمع ومن حرية الفاعلين وسطه. ولهذا، تم إطلاق النار على بعضها (دومان)، والتضييق على أخرى (لوجورنال) وجر أخرى إلى القضاء (تيل كيل، الأيام، الوطن الآن)، والآن جاء الدور على «المساء» التي حققت قفزة نوعية في الإعلام الحر ببلادنا. نحن مستعدون لدفع الثمن الذي تحدده جهات في السلطة أو لوبيات فساد لكن بشرط واحد أن تنزع الأقنعة التي يختبئ هؤلاء خلفها في هذه المعركة، والتي تأخذ صور دعوى قضائية هنا، أو طعنة سكين هناك.. بيان حريات فردية هنا، أوتهجم إعلامي هناك... إذا لم تنزعوا القناع سننزعه نحن... فهذا جزء من عملنا...