وثائق التاريخ السياسي لحزب المهدي بن بركة وعبد الرحيم بوعبيد وعبد الرحمان اليوسفي تحولت، في عهد اليازغي ولشگر وولعلو، إلى أوراق بدون معنى يلف فيها باعة «الزريعة» و«الكاوكاو» و«الحمص» منتوجاتهم المملحة للمواطنين في وسط العاصمة الإدارية، وثائق رسمية للمكتب السياسي تحمل الختم الرسمي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وربما حتى إمضاءات الزعماء التاريخيين، وثائق كان ينبغي الاحتفاظ بها في أرشيف «حزب العمال والفلاحين والطلبة» قبل أن يقرر «الاشتراكيون الجدد» رميها في أقرب «مزابل التاريخ»، أو بالأحرى عند أقرب بقال، ربما «لكونها لم تعد تجيب عن رهانات المرحلة السياسية»، كما علق أحد الزملاء الصحفيين ساخرا. الوثيقة التي عثرت عليها «المساء»، بالصدفة، لف فيها «مول الزريعة» درهمين من «الكاوكاو»، دون أن ينتبه إلى أن تلك الورقة، التي بدأت تفقد لونها من أثر الزمن عليها، تحمل الختم الرسمي لشيء اسمه «المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية»، الذي يصنف في خانة الأحزاب المغربية التاريخية الكبرى، ودون أن ينتبه أيضا إلى أن تلك الورقة المنكمشة بين يديه تحمل إمضاء اسم الوزير الأول السابق الاتحادي عبد الرحمان اليوسفي. الوثيقة التي عثرت عليها «المساء» هي عبارة عن دعوة تعود إلى تاريخ 18 يناير 1992، وجهها المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، تحت إمضاء الكاتب الأول للحزب آنذاك عبد الرحمان اليوسفي، إلى جون دانييل مدير المجلة اليسارية الفرنسية «لونوفيل أوبسيرفاتور» لحضور أربعينية المرحوم عبد الرحيم بوعبيد. وجاء في الدعوة المكتوبة بالفرنسية والمرقونة بخط إلكتروني قديم أن «المناضلين الاتحاديين يعبرون عن مدى تأثرهم بالحرص والمواساة اللذين عبر عنهما أصدقاء الحزب في العالم لرحيل الأخ الكبير عبد الرحيم بوعبيد». بعد عبارة الشكر في الدعوة، التي كان يحتفظ بها «مول الزريعة» في حانوته، يخبر عبد الرحمان اليوسفي رفيقه جون دانييل بأن «المكتب السياسي قرر تنظيم الاحتفال التقليدي بأربعينية بوعبيد يوم 16 فبراير 1992 بالدار البيضاء»، ويضيف اليوسفي: «نتمنى أن تتمكنوا، بهذه المناسبة، من تخصيص شهادة قصيرة في مجلتكم في ذكرى رحيل الفقيد عبد الرحيم بوعبيد». ولا ينسى اليوسفي تذكير مدير جريدة «لونوفيل أوبسيرفاتور» بأنه بمجرد «تسلم ردكم، الذي نتمنى أن يكون إيجابيا، ستتكلف اللجنة الوطنية للحزب، المكلفة بتنظيم الذكرى الأربعينية، بالاتصال بكم من أجل ترتيب إجراءات السفر والإقامة». إمضاء عبد الرحمان اليوسفي، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إلى جانب الختم الرسمي للمكتب السياسي باللون الأزرق، وفي أسفل الصفحة عنوان مقر الحزب، الذي لازال هو نفسه (17، شارع وادي سوس أكدال، الرباط، المغرب). يشار إلى أن جون دانييل بن سعيد هو من أصل جزائري ومن أكبر أصدقاء الزعيم الاتحادي عبد الرحيم بوعبيد، كما أنه أنجز العديد من الحوارات مع الحسن الثاني، وكان من بين الصحفيين الأوائل الذين استقبلهم الملك محمد السادس مباشرة بعد اعتلائه عرش المملكة. جون دانييل أيضا كان من بين الذين انتقدوا بشدة وفضحوا مذابح الاستعمار الفرنسي في الجزائر، ويعتبر اليوم من العارفين بالتاريخ السياسي للمغرب الحديث، منذ منفى محمد الخامس، وعبر صداقته لعبد الرحيم بوعبيد، وحواراته مع الحسن الثاني وآخر لقاءاته بالملك محمد السادس.