صرح الحسن الثاني قبل وفاته بمدة قصيرة بأن المغرب كان على وشك «السكتة القلبية». عبارة تلقتها الطبقة السياسية المغربية بصدمة كبيرة، بما في ذلك الأحزاب المحسوبة على اليسار. وقد شاع، في وقتنا الحالي، استعمال هذه العبارة حتى صارت قاسما مشتركا، والأسوأ من هذا أن الأمر أصبح حقيقة يعرفها القاصي والداني. لكن المحزن في القضية أن لا أحد كلف نفسه عناء تحديد الشخص أو الأشخاص المسؤولين عن هذه الأزمة. الكل يعلم أن أحزاب الكتلة كانت في المعارضة، وأن من كان يتقلد زمام الأمور آنذاك -كما هو في علم الأحزاب- الأحزاب المسماة بالأحزاب الإدارية. المسؤول الأول، في حقيقة الأمر، عن هذه الوضعية شبه المأساوية ليس سوى الشخص نفسه الذي قام بإطلاق عبارة «المغرب على وشك السكتة القلبية»، بسبب السياسات التي كان يتبعها هو ورجالاته الذين ينتمي معظمهم إلى فئة «التقنوقراط»، نذكر منهم: مزيان بلفقيه، أبو أيوب، بنهيمة وآخرين. هؤلاء الأشخاص، للأسف الشديد، مازالوا يتقلدون مناصب حساسة في الدولة ويشكلون النواة الصلبة للعهد الجديد، حيث يعتبر بعضهم من مستشاري الملك محمد السادس النافذين. الاستمرار في التغيير الهمة كان بالأمس القريب رجلا من رجال القصر ووزيرا للداخلية بسلطات مطلقة، إنه صديق الملك الذي ظل في السلطة لأزيد من 9 سنوات، واليوم يحدث زلزالا بالوسط السياسي، وينجح فريقه البرلماني في استقطاب الكثير من البرلمانيين إليه، حتى من دون أن يكون له أي حزب سياسي. لكن يبدو أن الرجل قرر أخيرا إنشاء هذا الحزب. فقد توالت الاجتماعات بهذا الخصوص، كما تكاثفت تجمعات العديد من الشخصيات الذين سبق لهم أن ساهموا في إنشاء أحزاب كان لها، كما نعلم، حضور وازن في الانتخابات الأخيرة. ما يثير الاهتمام الآن هو الإطار الذي يتم الحديث عنه، والذي أدرجت جريدة «المساء» بعض فقراته في عددها الصادر بتاريخ 22 يناير، والذي يقر بما يلي: - رغم الإصلاحات التي تم إجراؤها في السنين الأخيرة، لاتزال هناك العديد من الانشغالات تهم المواطنين، منها، على الخصوص: الفقر والهجرة والبطالة وعدم الاهتمام بالشأن العام والإرهاب. - نتائج اقتراع السابع من شتنبر التي تدعو إلى التفكير العميق. - حاجة المغرب إلى ديمقراطية حقيقية تأخذ بعين الاعتبار المكتسبات والاختلالات الموجودة، في إطار نظرة استراتيجية. - الدعوة إلى تعميق وتقوية الخيار الديمقراطي عن طريق القيام بإصلاحات دستورية. - دعوة المواطنين إلى المشاركة في مشاريع التنمية. - الدعوة إلى تدعيم فضاءات الحرية. - الإقرار بفشل ما كان يصطلح عليه بالانتقال الديمقراطي. لا يسعنا إلا الترحيب بهذه الأفكار الحسنة رغم استغرابنا الشديد إياها. فنحن لما جئنا في السابق بهذه الأفكار وقدمنا نفس المقترحات، تم التهجم علينا واعتبرنا هؤلاء، وعلى رأسهم الهمة نفسه، أننا أشخاص عدميون يائسون يقدحون في مؤسسات الدولة والمكتسبات التي تم إنجازها. بالإضافة إلى هذا، ظلوا يشنفون أسماعنا بترهات من قبيل: «الكل يسير على ما يرام، «العام زين»، وأننا أسأنا استعمال «حرية التعبير» التي منحونا إياها وتجاوزنا كل الحدود المسموح بها. والأدهى من هذا أنهم التفوا صفا واحدا ضدنا، ونظموا العديد من المظاهرات المناوئة لنا، وحالوا بيننا وبين وسائل الإعلام السمعية-البصرية، وعلى رأسها التلفزة المغربية والقناة الثانية، بشن حملات مناوئة للصحافة المستقلة. فما الذي يعتقده الهمة وأصدقاؤه الذين كانوا بالأمس القريب فقط مخربي ديارنا والمتسببين الرئيسيين في ما يحصل اليوم من مشاكل. هذا ما يدعونا إلى طرح التساؤل التالي: لماذا لم تدع هذه المبادرة إلى ضرورة القيام بإصلاح دستوري جذري وإعادة التوازن بين مختلف السلط، وإدانة ما تقوم به الدولة من مس سافر بحقوق الإنسان بالتجائها إلى التعذيب وغيره من الأساليب الأخرى. بالأمس كنا نتحدث عن السكتة القلبية، واليوم يبدو أن المشكلة أعمق بكثير من هذا، فالحديث منصب على الفشل الديمقراطي الذريع والفقر والفساد المستشري. لكن، في المقابل، ألا يعلم الهمة وأصدقاؤه، الذين كانوا في مراكز صناعة القرار، أنهم المسؤولون الحقيقيون عن النكبات المتلاحقة التي يعانيها المغرب اليوم والمشاكل الجمة التي يتخبط فيها؟! يبدو، على ما يظهر، أنهم يريدون منا أن نأخذ الأمر بجدية وندفعهم إلى الاعتراف بمسؤولياتهم عن الأزمة التي يعرفها المغرب، وبالتالي الخضوع للمحاسبة الدقيقة والشاملة...