اهتمت كبريات الصحف الأجنبية في العالم بأسره بما حدث وما يحدث في غزة. واختلفوا في تأويلهم لما حدث، فمنهم من يرى في فلسطينيي غزة ملائكة وضحايا لسياسة إسرائيل البربرية وغير المسؤولة، بينما يرى البعض الآخر في حركة حماس الشيطان الأكبر ويهدد بإجهاض عملية السلام الهشة في الشرق الأوسط. رهائن نبدأ الجولة مع الصحف الأمريكية وبالضبط مع صحيفة «النيويورك تايمز» التي حذرت من احتمال انهيار عملية سلام أنابوليس من الداخل ما لم يتم فعل شيء على جناح السرعة للتصدي لمحنة أهالي غزة. ووصفت الصحيفة ما يتعرض له فلسطينيو قطاع غزة بأنه «عار وفعل يشكل خطورة بالغة» فهم يمثلون رهائن في الصراع الدائر بين حركتي حماس وفتح وإسرائيل. وحملت «نيويورك تايمز» حماس مسؤولية ما جرى، مضيفة أنها لم تعر اهتماما لمحنة أهالي غزة برفضها الدخول في مفاوضات أو قبول حق إسرائيل في الوجود. وقالت الصحيفة إن رد إسرائيل على قذائف القسام بقطع الكهرباء ووقف الإمدادات الأساسية الأخرى يمثل عقابا جماعيا «يؤجج الغضب ولا يغذي سوى التطرف». وطالبت الصحيفة الدول العربية باستخدام نفوذها للضغط على قادة حماس من أجل وقف إطلاق الصواريخ على إسرائيل ونبذ الإرهاب والاصطفاف مع فتح في سبيل التوصل إلى اتفاق سلام. أما صحيفة «الواشنطن بوسط» فقالت في افتتاحيتها إن حركة حماس برهنت على قدرتها على عرقلة أي تحرك نحو السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وأضافت الصحيفة أن الحكومة المصرية قابلت ما وصفته بأنه «غزو غير مشروع» لأراضيها باستسلام سريع مثلما توقعت حماس فعلا، مشيرة إلى أن الرئيس المصري حسني مبارك يدرك تماما أنه ما من أحد يتضور جوعا في غزة. وتابعت الصحيفة في افتتاحيتها أن حماس انتهزت فرصة إطباق الحصار على غزة لإعداد الترتيبات لأجهزة الإعلام العربية للقيام بتوثيق الأزمة الإنسانية هناك، ثم إرغام مصر على استخدام القوة ضد المدنيين الفلسطينيين لإظهارهم كضحايا لإسرائيل. وأكدت الصحيفة الأمريكية أن هدف حماس الأساسي هو إجبار مصر على فتح حدودها بصفة دائمة وذلك بالتعاون معها مما سيحد كثيرا من قدرة إسرائيل على الرد على الهجمات الصاروخية في شكل عقوبات اقتصادية. الحل ومن الصحف الأمريكية إلى الصحف الألمانية، حيث قالت صحيفة «فتزلارر نويه تسايتونج» Wetzlarer Neue Zeitung الألمانية أن سياسة المقاطعة ساهمت في تدهور الأوضاع على جانبي الحدود بين القطاع وإسرائيل، حيث تعاني غزة من نفاد المواد الغذائية والأدوية والوقود، وفي المقابل تتساقط على إسرائيل صواريخ القسام المصنوعة بدائيا. وتضيف الصحيفة: «ماذا عن حماس؟ إنها لا تزال تحكم القطاع من دون أن تتأثر بكل ذلك. إسرائيل تحتاج إلى إستراتيجية جديدة في ما يتعلق بتعاملها مع حماس». وتتابع «الفتزلارر» أنه يمكن لمثل هذه الإستراتيجية أن تبدأ في الضفة الغربية من خلال تعاون إسرائيل مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس من أجل تحسين الأوضاع المعيشية لسكان المنطقة، بالإضافة إلى وقف سياسة الاستيطان فيها». وحسب الصحيفة فإن مثل هذه الخطوات والإجراءات ستساهم لا محالة في إضعاف نفوذ حماس من جانب وتعزز مواقع «الرئيس المعتدل عباس». أما صحيفة «فولكس شتمه» Volksstimme، فاعتبرت أن حصار غزة من طرف إسرائيل انتهاك للقانون الدولي، حيث تقول: «سمحت إسرائيل بدخول بعض الشحنات الخاصة من الوقود والأودية إلى قطاع غزة المحاصر، ولكن ليس بملء إرادتها، فحصار المناطق الفلسطينية أدى إلى تعرض إسرائيل لضغط دولي كبير». وترى الصحيفة أن إسرائيل تفرض بذلك عقوبة جماعية على 1.5 مليون من سكان القطاع الذين أضحوا، على حد تعبيرها، «أسرى حركة حماس الإسلامية المتشددة وكما أصبحت حياتهم لا تطاق». حوار صحيفة «الديلي تلغراف» البريطانية ترى في افتتاحيتها أن التوصل إلى اتفاق مع حماس بات ضروريا حتى يستطيع كل من الفلسطينيين والإسرائيليين العيش بسلام. وانتقدت الصحيفة الحصار المفروض على قطاع غزة، معتبرة إياه دليلا على تخبط حكومة أولمرت، وضعفها، لكون الحصار، على حد تعبيرها: «يلعب في صالح المتطرفين». وفي المقابل، تطالب «الديلي تلغراف» حماس بالتوقف عن إطلاق القذائف نحو إسرائيل، كما تطلب من مصر تشديد رقابتها على الحدود المشتركة مع القطاع. كما تطالب الصحيفة البريطانية الحكومة الإسرائيلية بأن تختبر إمكانية إجراء حوار سياسي مع حماس لكون الحصار والعمليات العسكرية لم تأت بأي نتيجة، ولأن تسوية بشأن القطاع جزء من عملية السلام، ولأن حماس كطرف في المعادلة لم يعد من الممكن تجاهلها، على حد تعبير «الديلي تلغراف». أما «الإندبندنت» فتحت عنوان: «الحرية لغزة (ولكن ليوم واحد)»، فتقول إن الجانب المصري من رفح لم يشهد مثل هذا الإقبال من قبل، فمنذ الصباح الباكر كانت المحال قد فرغت عن آخرها من السلع والبضائع. ويرى المراسل أن إسرائيل قد تعتبر الثغرة في معبر رفح نقطة ضعف أمنية خطيرة، وأن حماس قد تكون هي المسؤولة عمليا عن تفجير الجدار الحدودي، لكن الجماهير التي أنهكها حصار يستمر منذ يونيو الماضي هي التي اخترقت الحدود، بحثا عن الضروريات من طعام ودواء. الأمن والحاجة تحت عنوان «ضربة ناجحة لحماس هدفها استعادة دورها من جديد» قالت صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية إن نجاح حركة حماس الفلسطينية في جعل مشكل الحصار الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة يعبر الحدود إلى مصر هو في الواقع «ضربة ناجحة». وأضافت أن حركة حماس استغلت الحصار الإسرائيلي لاستعادة دورها كلاعب أساسي يستحيل تجاهله، مشيرة إلى كون مسلسل السلام الذي بدأ باجتماع أنابوليس ومؤتمر المانحين كان يستهدف دعم موقف الرئيس الفلسطيني محمود عباس ومحاصرة حماس بطوق من البلدان العربية «المعتدلة». ووصفت الصحيفة إستراتيجية العقاب الجماعي التي قررت إسرائيل فرضها على غزة ردا على الصواريخ التي تطلق عليها من هناك ب»الفاشلة»، مضيفة أنه حتى وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس أجبرت على الاعتراف بأن أمن إسرائيل يجب ألا يكون على حساب الحاجات الإنسانية للفلسطينيين. أما صحيفة «لوموند» فنشرت روبورتاجا لمراسلها الخاص في رفح المصرية بعنوان: «الهروب الكبير للفلسطينيين من غزة إلى مصر»، حيث يصف حالة التدفق على رفح المصرية حيث أثمنة الأغذية والسجائر منخفضة جدا وحيث طعم الحرية بعد أشهر من الحصار. ونقلت الصحيفة شهادات العديد من الغزاويين الذين عبروا عن فرحتهم ، لكن أبو صالح عبر للصحيفة عن امتعاضه لارتفاع الأسعار بعد ساعات فقط من فتح الحدود بسبب الطلب الكبير مقارنة مع العرض، حيث قال: «العالم بأسره ضدنا. فالإسرائيليون يسرقون حريتنا والمصريون يفرغون جيوبنا». عصر الأتراك صحيفة «إلموندو» الإسبانية فضلت التحدث عن جانب آخر من الحصار الإسرائيلي، وهو الجانب البيئي حيث نقلت عن ميكانيكي فلسطيني قوله إن السيارات في غزة أضحت صديقة للبيئة لا اختيارا عن طيب خاطر لكن بقوة الأشياء. وتتابع الصحيفة أن البعض فضل سيارة بالغاز على الطريقة الكوبية، والآخر فضل الحمير، ف«الحيوانات أضحت ملوكا» يقول الميكانيكي ساخرا، حيث تحول إلى تجارة الحمير بعدما انهارت تجارة نقل الأجرة، وأصبح يدفع 400 دينار أردني مقابل كل حمار، أي ضعف سعره العادي، بعد منع استيراده من الضفة وإسرائيل. عادت غزة، حسب الصحيفة، إلى عصر الأتراك تستضيء بالشموع وتسافر على الحمير. أما صحيفة «لافانغاردي» فقالت في مقال بعنوان «فلنتحدث عن إسرائيل» إن جنوب إسرائيل يعيش يوميا على وقع صواريخ غزة التي تطلقها حماس، وهي حركة «تعلم ثقافة الكراهية من المدرسة والتلفزيون». وترى الصحيفة أن أولمرت، الذي في حاجة إلى إظهار أنه قائد قوي بعد أخطاء حرب لبنان، يتخذ قرارات تفتقر إلى المنطق الديمقراطي، فلا يمكن، حسب الصحيفة، بأي شكل من الأشكال تبرير عزل سكان مدنيين حتى إذا كانوا متورطين في المضايقات الدائمة لإسرائيل.