قبل أن تفكر في موقع البلد الإفريقي الذي ستقصده وفي تفاصيل نشراته الجوية، وقبل أن تعد الوثائق المتعلقة بالتأشيرة، عليك أن تتوجه إلى معهد باستور من أجل التلقيح ضد أمراض وأوبئة تزدهر في القارة السمراء خاصة إذا كانت وجهتك هي دول ماوراء الصحراء الكبرى. قصد كل زملائنا في مهنة المتاعب معهد باستور، اصطفوا في طابور طويل وهم يشمرون على سواعدهم استعدادا لوخز إبرة قد تقي من شر ما خلق، تكلفة اللقاح في حدود 170 درهما، لكن أجرها كبير فهي تدفع بإذن الله البلاء وتنجي من الأمراض التي قد تجد في الأجساد غير المحصنة مرتعا، وحين ينتهي الممرض من الوخز يمنحك دفتر التلقيح الذي يؤرخ للحدث ويحيلك على وصفة طبية نمطية تدعوك للهرولة فورا نحو أقرب صيدلية لاقتناء علبة أقراص «سفارين» وهي علبة رسمت عليها صورة حشرة في حالة تأهب قصوى، مما يدل على أن الأمر جد لاهزل فيه، وقبل أن تغادر الصيدلية وتدفع نفس المبلغ الذي دفعته ثمنا للقاح، يرسم الصيدلي بضعة سطور أشبه بتعليمات تدعوك للمواظبة على ابتلاع ثلاثة أقراص في اليوم منذ خروجك من الصيدلية إلى نهاية الحبات العجيبة، وقد يمتد إدمانك على «سفارين» إلى شهر كامل فتصبح العلبة الصفراء جزءا لايتجزأ من يومياتك الغذائية. أحيانا ينتاب بعض الأشخاص الذين خضعوا للتلقيح نوع من الغثيان خاصة إذا كانت أجسادهم لا تملك المناعة الكافية ضد مختلف التلقيحات، بل إن زميلا صحفيا فضل إلغاء سفرتيه على ابتلاع الأقراص بشكل يومي. ما أن تصل إلى عمق القارة الإفريقية حتى تتأبط علبتك وتنسج معها علاقة صداقة دائمة، خاصة وأنه على امتداد سكة السفر الطويل يحدثك زملاء آخرون عن حكايا المرض الذي حول الكثيرين إلى زبناء للمصحات العمومية والخصوصية. وفي دروب مدن القارة الغارقة في الفقر تصادفك جحافل من الذباب فتسأل رفيقك عما إذا كانت من النوع الفتاك، وتستفسر عن هويتها خوفا من غارة جوية لذبابة التسي تسي التي أصبنا بالذعر منذ أن علمنا أساتذة الاجتماعيات في الفصول الإعدادية أنها إحدى أخطر الأسلحة الإفريقية الصنع والتي تصيب الدماغ بالعطل إذا لم يملك راجمات «سفارين»، بل إن حالات إصابة في صفوف زوار القارة قد جعلت الدواء والتلقيح محل تشكيك، كما حصل للحكم الدولي عبد الرحيم العرجون الذي لم يشفع له معهد باستور في تجنب الوباء فعاد إلى المغرب محمولا على سرير المرض ليحال على غرفة العناية المركزة بعد أن تبين أنه مصاب بالملاريا. في غانا يعيش إخواننا نفس التوجس والقلق يتحاشون أكل ما يعرض في الأزقة ويغطون رؤسهم بواقيات مخافة هجوم مفاجئ لذبابة من طراز تسي تسي.