تضطر بعض الطالبات الجامعيات، في تغطية مصاريف دراستهن الجامعية بأنفسهن، إلى المتاجرة بأجسادهن. ويبقى الفقر سيد الأسباب الدافعة إلى ذلك، خاصة وأن المنح الدراسية لا تسمن ولا تغني من جوع، وينضاف إلى ذلك شعور الطالبة بالتحرر من الوصاية الأبوية ورغبتها في مجاراة عالم تسود فيه سلطة المظاهر، فعوض أن تأخذ حياتهن مجرى يحترم كرامتهن كطالبات جامعيات، يتجهن نحو احتراف الدعارة، مما يدفعهن إلى العيش بوجهين متناقضين، وجه يحمل معه الطموح والأمل بغد أفضل يضمنه العمل، ووجه احتياطي يتقن فن التعامل مع الواقع المعيش. برد شديد خارج وداخل الحي الجامعي بالداوديات، يحاول حسن مقاومته بالبحث عن شخص لطالما نجح في مواساته في لحظات تذمره من الحياة الطلابية البئيسة إلى حين حصوله على منحته الهزيلة. يبدو حسن عصبيا.. ربما نجح مفعول سيجارة في جعله أكثر هدوءا، الثواني المعدودات للانتظار تحولت إلى دقائق ثم إلى ساعة دون أن يظهر أثر لمن وعد بالمجيء، يقرر صديقه الخروج عن صمته: «ستأتي الفتاة أم ماذا؟» يجيبه حسن غاضبا: «إنهن لا يلجأن إلى الطلبة إلا وقت الضيق، ربما هاتفها أحدهم، وحدد معها موعدا في مكان أقرب من هذا»، يشير إلى الرصيف المقابل لشارع الطلبة، أو كما يحب الطلبة الجامعيون تسميته بشارع «شوفوني»، دلالة على المواعيد الغرامية التي لا تخلف إلا نادرا بهذا الشارع المؤدي إلى الحي الجامعي. رواد شارع «شوفوني» ليسوا فقط من الطلبة والطالبات، بل يقصده كل من يلتمس عدم إثارة الانتباه، رغم أن هذا المطلب هو آخر ما يتحقق، ولكن جو السرية واللاشرعية المخيم على المكان أصبح يدخل في حكم المألوف لدى المارين. يتجه حسن للمرة الثالثة صوب مخدع هاتفي للإلحاح على صاحبته في الحضور، ولكنه يعود مرة أخرى خائبا وقد قرر إشعال سيجارة أخرى.. يبدأ في الحديث عن الفتاة التي تركته دون تفسير أو مبرر مقنع: «لقد كانت طالبة جامعية سابقة، تقول إنها حصلت على الإجازة في القانون، وعندما لم تتمكن من الحصول على عمل اضطرت إلى الاستقرار بمراكش والعمل في...»، يشرح صديقه: «بعض الجامعيات يشتغلن في الدعارة، وهذا أمر جار به العمل في المنطقة التي أسكنها بنواحي آسفي»، ويضيف ساخرا:«الأمهات يعتقدن أن بناتهن سيعدن بالدكتوراه، المؤسف أن الطالبات لا يستطعن العودة إلى أسرهن، لأن آباءهن لا يصدقون أن مسيرة الدراسة ستتوج بالبطالة ويظنون أن بناتهن يكذبن خوفا من إثقالهن بالطلبات، فيتاجرن بأجسادهن ويقنعن أقاربهن بأنهن يمتهن عملا مشرفا». يمضي حسن في سرد قصته مع الفتاة الغائبة: «كانت تجلس في شارع «شوفوني» وتدخن بنهم، وعندما تكون ثملة تبدأ في البوح بأسرارها. الثمل يقول الحقيقة أكثر من غيره»، والقصة معروفة بعد ذلك، فقد أصبحا يتواعدان بدون التزام، فهو يفهم طبيعة عملها، خاصة وأنه لا يمل من التذمر بسبب فقره. يقود الحديث عن الطالبة الجامعية السابقة إلى طالبات أخريات، وهنا يتدخل مرة أخرى بعد أن اكتشف هذه العوالم: «أعرف العديد من الطالبات الجامعيات، وهن متحررات جنسيا في إطار علاقة واحدة، ولكن تلك العلاقة هي الخطوة الأولى نحو تعدد العلاقات، ومن تم يسهل عليهن امتهان الجنس»، يقاطعه صديقه:» أنا أرى طالبة جامعية تتردد كذلك على طالب في غرفته وتتصرف بحرية تامة أمام خمسة طلاب آخرين وكأنها وصديقها لوحديهما، أو يلجأ الطلاب والطالبات إلى فعل ذلك خلف خزانة الحي الجامعي، وفي كثير من الأحيان يتم ضبطهم متلبسين»، ويردف قائلا: «أعرف طالبة كانت تحب شابا وسيما في الجامعة وسبق لها أن ربطت معه علاقة وقالت له بدون حياء: «ولو تزوجت وأنجبت أطفالا ولمحتك مارا أمامي، فسأهرول للقائك»، ويضيف: «وأكثر من ذلك، العذرية أصبحت سبة أثناء الشجار بين بعض الطالبات»، يقول صديقه مازحا: «قالت لي إحدى بائعات الهوى يوما: «الوقت عيانة»، وعندما سألتها عن السبب أجابت: «الطالبات مزاحمينا، ما خلاو لينا فاش نترزقو». يغادر حسن بعد أن يئس من الانتظار ويفضل قضاء ليلته في شرب الخمر مع زملائه. محيط الحي الجامعي رقعة يتحرك فيها أصحاب السيارات الفارهة. وليست هذه هي النوعية الوحيدة من الزبناء، فهناك طلبة يكترون شققا و يحولونها إلى بيوت لاستقبال هؤلاء، وآخرون يلجؤون إلى طرق أخرى لعيش مغامراتهم. وفي ذلك يقول طالب رفض الكشف عن هويته: «هناك من الطلبة من يسددون ثمن الخدمات المقدمة من طرف ممتهنة للجنس ب«الكريدي». وثمة ظواهر أخرى تبين الوجه المشوه للحياة الجامعية، فهناك رجال يقطنون بأحياء المسيرة يأتون قرب الحي الجامعي ويصحبون طالبات جامعيات للخدمة في بيوتهم وممارسة الجنس معهم. وبعض الأساتذة يربطون علاقات مع الطالبات، وكأنها سوق للنخاسة»، ويضيف متأسفا: «أثناء التدخل الأمني، يهاجم رجال الأمن العمارة «أ» خاصة، حيث تتواجد الطالبات، وهناك ينشط سماسرة الأجساد الذين يستغلون الوضع، فالفتاة تجد نفسها مضطرة إلى مغادرة غرفتها ولكن الوقت متأخر وليس لديها ملجأ آخر، فتتوسل لأحدهم بأن يصطحبها معه». يقاطع صوته رنين هاتفه الخلوي، يتحدث إلى فتاة، يطلب منها المجيء، تحضر بعد ساعة من الزمن، تتحدث معه بطريقة تنم عن ارتياحها له، يواصل حديثه عن دعارة بعض الطالبات الجامعيات، فتقاطعه بانفعال: «مهما كان الحال، فطالبة جامعية لا يمكن أن تكون كعاهرة محترفة أتت إلى مراكش من أجل امتهان الجنس ويكون لديها استعداد نفسي والظروف الملائمة لذلك، الحي الجامعي يغلق على الساعة العاشرة ليلا»، تبدأ حديثها بضمير الغائب: «صحيح هناك طالبات جامعيات وأخريات سابقات أعرفهن، الدعارة هي مورد رزقهن، إنها حرفتهن «باش كياكلو طرف الخبز»، وهي لا تعزو ذلك إلى التحرر الجنسي على غرار الغرب وتعلق منفعلة: «واحد ما حاملاهش، أين هو التحرر الجنسي هنا؟ التحرر الجنسي هو ما تعيشه فتيات المدارس البالغات من العمر 15 سنة، الطالبات لا يفعلن ذلك من أجل الرغبة، فلدى أغلبهن صديق وكتخرج تقلب على الفلوس من جهة أخرى»، وتضيف: «الطالبات يمتهن الدعارة بدافع الفقر من 100 درهم إلى ما فوق، ولا يجب أن نلومهن على ذلك»، يزداد انفعالها وهي تقول:» جو الحي الجامعي خطير، فالفتاة تأتي «سادة عينيها» لتدرس فتكتشف عالما مغايرا، ويدفعها الفضول إلى تجربة السهر في علبة ليلية، وما إن تصل الخامسة مساء حتى تتحول غرفة الطالبات إلى صالون للتجميل، كل واحدة تقترض من صديقتها ملابس وأدوات للتجميل ويذهبن للبحث في فضاءات معروفة في المدينة. وتبدأ في رسم خارطة الطريق التي تسلكنها قبل التردد على أماكن المحترفات التي سبق ذكرها: «ولكن قبل ذلك تبدأ الفتاة بعلبة ليلية. تلتفت إلى الفتى الجالس بقربها وتقول له: «هل تتذكر الفتاة التي كانت تدخل بحجابها مقاهي الشيشا»، يتبادلان الضحكات، هما وحدهما يفكان شفرة كلامهما، وتحكي حادثة طريفة وقعت لها: «أردت الدخول في يوم من الأيام إلى أحد هذه الأماكن، ولكن الحراس منعوني لأنني لم أكن ألبس ثوبا أنيقا ولم أكن أضع مساحيق التجميل»، وتضحك قبل أن تعود إلى حديثها: «حتى واحد ما كيمشي لشي بلاصة وما قادش عليها، بعد اكتشاف هذه الأماكن، يمكن أن يأتي اللقاء مع رجل بوساطة من الصديقة التي لها صديق يجلب معه رفيقه، وهكذا حتى تتكرر صداقاتها بالفتيان وتصبح «عشاقة ملالة»، وتضيف: «بعد ذلك، تلهث وراء النقود، وكما سبق وقلت تموت الرغبة، فمثلا أعرف 12 طالبا يكترون شقة، يدفع كل واحد منهم خمسين درهما ويأثثونها ولكنهم يظلون في الحي الجامعي، وكلما أراد أحدهم أن «يفسد» يتوجه إليها»، وتعلق: «هو فتى ويقول «نفسد» فماذا تقول الفتاة». تنتقل في حديثها إلى ضمير المتكلم قائلة: «غادا عند صاحبك فرحانة ماشي غادا عند واحد يعطيني 300 درهم ، أمثل الحب والإحساس، كنتسلفو من عند الجيران». لا يكف جرس الهاتف عن الرنين وتعلق مازحة:» فاش كيجي الحب، كيجي مرة وحدة»، لا تطيل الحديث مع مكلمها الذي ينتظرها في مكان قريب، تواصل: «الرجال مسؤولون عن انحراف النساء، تكوني حتى دايرة النقاب، يقولون كلمات كيخرجوك على كلشي، فبالحي أعرف العديد من الطالبات اللاتي يربين أبناءهن وهن عازبات، إحداهن كانت لها علاقة بنائب برلماني»، وتستفسر: «هل الزواج بدون اللجوء إلى عدول جائز؟ فلدي صديقة وقعت ورقة مع صديقها عند المحامي على أساس أنهما زوجان». يغادر الفتى الذي كان يمنعها من الحديث بطلاقة أكثر، فتفك أسر الذكريات والمجريات التي طبعت تجربتها كطالبة جامعية: «إن هذا الميدان لا يخلو من مخاطرة، فقد هاتفتني صديقة بالحي الجامعي في أحد الأيام بعد أن ذهبت مع أحدهم وتركها قرب أحد الملاهي في ساعة متأخرة من الليل، حيث كان المكان خاليا، فطلبت من طالبة أخرى أن تهب لنجدتها لأنها تملك دراجة نارية. وتعرضت بعض الطالبات لمحاولة اغتصاب في منتصف الليل أثناء مرافقتهن لرفاقهن بعمارات حث يكترون بها شققا»، وتستطرد: «لقد تعودت أن أرى بعض المواقف المشينة ولكننا نتعايش معها، فبشارع «شوفوني»، رأيت صاحب سيارة يساوم طالبة وهو يقول لها: «سأعطيك 250 درهما إذا ذهبت معي، وهي تجيبه: «تكمل ليا 300 درهم نمشي. وفتاة أخرى سرقت لسائح أجنبي 14 مليون سنتيم»، وتعلق مازحة: «واش هادشي ما كيشجعش؟». بعيدا عن هموم الغير، تسرد تجربتها الشخصية التي حاولت إخفاءها بالاختباء وراء حكايات طالبات أخريات: «لدي صديق يشتغل بمدينة الدارالبيضاء ويشبع جميع رغباتي، لو لم أجد هذا الفتى الذي يعيلني لا أعلم كيف كنت سأتدبر حالي، لولاه لفعلت أكثر من هؤلاء الفتيات». يرن الهاتف من جديد ولكنها لا تكترث وتبرر: «ما إن أحصل على المنحة» حتى يوقف ليا الوالد ياخذ ليا النصف»، أريد معرفة شيء واحد: لماذا لا تسألني أسرتي عن مصدر أموالي، كيف أعيش خاصة وأنني أزورهم محملة بالهدايا، الأب الذي من المفروض أن يساعدك في مسيرتك يأخذ النصف من منحتك، وأخوك يطلب منك ثمن علبة السجائر، «مطلوب منك شي حوايج فوق طاقتك»، وهم يقولون المنحة تكفيك، فالأكل موجود داخل الحي، ولا يعلمون أن الدراسة تتطلب مصاريف أخرى. في آخر مرة هاتفتني أمي طلبت مني شراء «قسرية» لعجينة الخبز واضطررت إلى أن أبعث لها 1000 درهم. وحتى إن أردت العمل بشرف يتحرش بك الزبون والزميل ورب العمل، حتى إلا بغا بنادم يعيش بعيد على هادشي ما يقدرش». وتقول بلامبالاة: «أنا الآن حامل في شهري السادس، وأبحث عن أسرة لتتكفل بالطفل، ولا يمكنني أن أقول ذلك لصديقي لأنني سأفقده، فلديه مشاكل تكفيه وعائلته لن تقبل»، وتنفعل كلما تذكرت نصيحتها لأمها بعدم الإساءة للفتيات بواسطة لسانها وتقول: «هاهما ذنوبهم خرجو فيا، ماذا فعلت لأستحق هذا العقاب الشديد»، تضيف وهي تلوك علكتها: «أمر آخر، لدي لقب، فهذه المهنة تتطلب الكذب على الزبائن وإلا فسأكشف». وقبل أن تغادر للوفاء بوعدها لصاحب المكالمات الهاتفية المتكررة، تلخص ما عاشته وما تعيشه: «ومع كل هذا تدرس الفتاة وتحصل على الإجازة وتعمل وتحرق هذه الصفحة المدنسة من ماضيها». فاطمة ( اسم مستعار) تدرس بالجامعة، للوهلة الأولى تعطي الانطباع بأنها فتاة تتصرف كالذكور، فلباسها رياضي ولا تتكلف في وضع مساحيق التجميل، ولكن طريقة تحدثها إلى أصدقائها تبرز مدى احتكاكها بهم ومعرفتهم لبعض أسرارها، لفاطمة خليل يشتغل بمدينة الدارالبيضاء، وهو المعيل الوحيد بالنسبة إليها، في الوقت الذي لا تنتهي طلبات أسرتها الفقيرة، فاطمة حامل من صديقها بدون علمه ولكنها تنتظر خروج طفلها للوجود بفارغ الصبر، رغم أن بطنها لا يوحي بأنها تحمل في أحشائها جنينا في شهره السادس، لم تتبق إلا شهور لتسلمه لأسرة تتبناه، تعترف فاطمة بفضل أب طفلها عليها وعلى أبويها اللذين لا يسألان حتى عن مصدر رزقها، ولكن الجلوس معها لهنيهات يكشف عدد الأرقام الهاتفية والطلبات التي تتلقاها في مراكش، هي تعرف جميع ما يدور في الحي الجامعي، تعرف طلبة مثليين جنسيا أو غيروا ميولاتهم الجنسية لاصطياد سائح أجنبي بساحة جامع الفنا، كما تعرف وسيطات بين سحاقيات داخل الحي الجامعي وطلبة يكترون شققا خارج الحي يلجؤون إليها لإشباع غرائزهم، وطالبات يمتهن الخدمة في البيوت ويتم استغلالهن في الدعارة، و طالبات يلعبن دور الأمهات العازبات أويتخلين عن أطفالهن، كما تنوي أن تفعل، وفتيات يربطن علاقات مع خليجيين وغربيين ورجال من جميع الأجناس والأعمار، وأخريات بدأن أولى خطواتهن في عالم الدعارة بعد صدمة عاطفية أو خيبة علاقة جنسية مع شريك واحد، وتتعرف بسهولة على الطالبة المبتدئة من طريقة جلستها في المقهى، والمحترفة من توفيقها بين صورة الفتاة غير المثيرة للانتباه داخل الحي الجامعي وصورة الفتاة المتحررة خارجه. فاطمة غير مستعدة بعد لترك هذا العالم الذي أدهشها في المرة الأولى، ولكنه استعبدها حتى لم تصبح قادرة على تدبر مصاريفها الجامعية والأسرية دون الاتكال على عائداتها من سوق العرض والطلب المتنامي على الجسد.