خلال الحلقة الأخيرة من برنامج «مباشرة معكم»، على قناة دوزيم، والتي تناولت موضوع الفكاهة المغربية، كان محمد الخياري وفيّاًً لعادته، في «تخْسار الهضرة» و«تهْراس الجبابن»، من خلال لغة «الببوش»، التي اشتهر بها، وخصوصاً حين قال، في بداية البرنامج، إنه «كيْنَزّل الريدُو مْع الثْمنْيَة»، أو حين حرّف اسم البرنامج من «مباشرة معكم» إلى «مُشابَرة معكم»، تعقيباً على سعيد الناصري الذي تبادل معه حديث «العازل الطبي» و«المْجامر»، والشكوى من برد باريس. بعضُ المشاهدين لم يستسيغوا أن يتم «ربط» الاتصال بالناصري، المتواجد خارج المغرب للمشاركة في البرنامج، حتى أن أحدهم علَّق، ساخراً، بقوله: «واش كان ضروري يتّاصْلو بالناصري فْ باريس باش يشارك فْ حلْقة دْيال الضَّحْك! ؟». غير أن عدد الناقمين سيتزايد، وخصوصاً عندما سعَى الناصري إلى تسويق صورته كفنان «عارف» بالميدان و«نجم» فكاهي لا يُشَقّ له غبار، ثم، حين «اشْعَل مْع دوزيم»، التي استضافته، في «خرْجة» فاجأتْ مقدم البرنامج والمشاهدين، مثيرة أسئلتها الخفية، التي قد لا يفهم توقيتها و«معانيها» إلا العارفون بخبايا قناة عين السبع. وإلى جانب الخياري والناصري، بدت نزهة الركراكي تائهة، حتى إنها لم تجد، خلال المرات القليلة، التي طلب فيها رأيها، بصدد الأسئلة التي طرحها البرنامج، من قبيل «ما الذي يُضحك المغاربة؟»، وموضة «السيتكوم»، ومستويات الفكاهة المغربية، والتعامل الموسمي مع الفكاهة، إلا أن تردد عبارات «تائهة»، من قبيل «عْلاش كنْتسناوْ رمضان عاد كنْبْداو نتْجَارَاوْ؟»، و «كُلْ وقتْ ومْوَالِيهْ»! ومن بين كل الفنانين المشاركين، وحدهُ حسن الفذ امتلك تصوراً واضحاً للموضوع، الشيء الذي أكد أنه يتوفر على ثقافة ومعرفة فنية تجعله يربط مُتعة «الدكتور غْلالة» بنقاش يتطلب دراية بتقنيات الفكاهة و«حواملها». وفي الوقت الذي بدا فيه معظم الفنانين المشاركين تائهين لا يعرفون كيف يضبطون إيقاع وجهات نظرهم (مع أن بعضهم لا يفرق بين «وجهة النظر» ومضمون عبارة «غير جيب آفم وكٌول» !)، فقد جاءت مشاركة كل من حسن نرايس وعبد المجيد فنيش مقبولة في مضمونها، ولو أنهما سقطا، أكثر من مرة، في فخّ «المحاباة» و«حشمة» انتقاد الواقع الفكاهي المغربي. وهكذا، ففي الوقت الذي «طبّل» فيه الناصري لنسبة متابعة، تتعلق بسيتكوم(!) «العوني»، ردّ عليه فنيش بأن نسبة المتابعة لا تَعْني الاقتناع والإعجاب بما يُشاهد، وأنها قد تعني «الضحك على ما يشاهد». أما حسن نرايس، فيبدو أنه ذهب «ضحية» جلوسه بين الفذ والخياري، ولذلك فقد «افتقد» الجرأة، التي نعْرفه بها، هو الذي سبق أن أمتعنا بمؤلفه الممتع «الضحك والآخر - صورة العربي في الفكاهة الفرنسية»، والذي قال لي، ذات حوار مُطول، إن «فكاهتنا في حاجة إلى فكاهة تتفَكّه عليها»، وهي الجُملة التي انتظرتُ أن يطورها في البرنامج، بناءً على واقع الفكاهة الذي ازداد تفاهة، خصوصاً وأنه شدّد، في بداية حديثه، على أن «دور الفكاهة أن تقول «لا» لكل ما هو سلبي ومجابهته»، لكن، عوض ذلك، وحدهُ الخياري وجد «الهواءَ الكافِي» ليقول إنه «فنانْ مْع كُلشي وصاحبْ كُلشي»! وربما، حتى يجد للنقاش، بصدد «الضحك» المغربي، إجابات ومخرجاً، فقد ذهب فنيش بالنقاش بعيداً، وهو يستشهد بالمُسلسلات السورية، داعياً إلى استثمار أموال الفكاهة الرمضانية في إنتاج أعمال تاريخية أكثر جدوى وأهمية. ورغم أن البرنامج لم يستطع أن يقترح أجوبة حقيقية بصدد الأسئلة التي تمت إثارتها، فإنه، على الأقل، أعطى المشاهدين صورة واضحة عن تواضع وتدني مستوى التكوين والقدرة على بلورة الأفكار والتعبير عن الرأي عند معظم «محترفي» الفكاهة في المغرب، الشيء الذي يؤكد أن المشكل ليس كامن في تواضع الفكاهة المغربية (أو تراجع مستواها)، فهذا واقع يمكن التعامل معه، وتقبّله، في ظل واقع يكرس تواضعاً في كل شيء، ولكنه كامن في سعي بعض «النجوم» إلى الحديث عن «تجاربهم» و«اختياراتهم» الفنية كما لو أنهم فرسان زمانهم، تماماً كما ردّد الخياري، قبل أسابيع، بعد أن لم توجِّه إليه اللجنة المنظمة للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش دعوة حضور فعاليات الدورة السابعة، قائلاً: «أنا أراهن على أنه لو خرجتُ أنا ودي كابريو إلى الشارع المراكشي لاحتفلوا بي أكثر منه». الحاصُول .. كيفْ دي كابريو .. كيفْ الخياري .. الله يجيب غير الصحة والسلامة .. واللي ابْغَا يضحك يشوف مع عادل إمام والمِريكَانْ، أو انتظار فكاهة رمضان القادم، الموعد السنوي الذي يضحك فيه كل المغاربة .. لكن، منْ كثرة الهَمْ !