المساء-واشنطن خرجت هيلاري كلينتون إلى أنصارها في القاعة الواسعة بالمركب الرياضي بمدينة مانشستر بولاية نيوهامبشر منتشية بالنصر الذي حققته هناك ورفعت يدها إلى الأعلى قائلة: «لقد جئت إلى نيوهامبشر كي أستمع إلى أصواتكم، لكنني فوجئت بأنني وجدتُ صوتي الداخلي يناديني هنا ويُسرّ لي بأشياء لم أكن أنتبه لها من قبل... اكتشفتُ نفسي من جديد بفضلكم فشكرا لك نيوهامبشر»، وتعالى بعد ذلك صوت هادر للحضور الذي غلبت عليه نسبة عالية من النساء والشباب المتحمس. معظم المراقبين السياسيين فوجئوا بفوز كلينتون على النجم باراك حسين أوباما (أجل إسمه الكامل باراك حسين أوباما) الذي استحوذ على قلوب النساء في أول جولة من سباق الانتخابات التمهيدية التي شهدتها ولاية أيوا الأسبوع الماضي، لكن هؤلاء المحللين سرعان ما استعادوا رزانتهم «الأكاديمية» وأعادوا حساباتهم ورجعوا ساعات قليلة فقط قبل حلول موعد التصويت في نيوهامبشر عندما شاركت هيلاري كلينتون في مناظرة تلفزيونية إلى جانب باقي الديمقراطيين المتنافسين معها على نيل ترشيح الحزب لخوض انتخابات الرئاسة. فخلال تلك المناظرة سأل المذيع كلينتون بطريقة مهذبة عن سبب كره النساء لها وعدم تصويتهم لصالحها في المجالس الانتخابية التي شهدتها ولاية أيوا، فسكتت كلينتون قليلا قبل أن تجيب بتنهيدة طويلة: «لقد جرحت مشاعري»!، فرد المذيع بسرعة «أووه أنا آسف لم أقصد لكن المشاهدين يتساءلون»، فردت كلينتون بابتسامة حزينة «هذا أمر مؤلم ولست أدري لماذا في الحقيقة... كل ما أعرفه هو أن مستقبل هذه البلاد يهمني وأنا قلقة للغاية من الاتجاه الذي تسير فية أمريكا....» وتحشرج صوت كلينتون قبل أن تتابع «أنا لدي مشاعر مثل باقي الناس وينكسر قلبي عندما أنظر حولي وأرى كيف تعاني النساء الأمرين للتوفيق بين عملهن لساعات طويلة والاهتمام بأطفالهن وأسرهن»، واسترسلت كلينتون في حديثها المتحشرج إلى أن عجزت عن الكلام وتوقفت تماما. في تلك اللحظة، يقول المحللون، غيرت السيناتور عن ولاية نيويورك كفة الانتخابات في ولاية نيوهامبشر لصالحها وأقنعت آلاف النساء بأنها المرشحة الأفضل للدفاع عن مصالحهن، وليس باراك حسين أوباما الذي يسحر مخاطبيه بلهجة التفاؤل التي يتقنها. يقول هؤلاء إن الوجه الرقيق الذي أبانت عنه كلينتون أظهرها كأي امرأة عادية تتأثر وتبكي وتحس بالألم، عكس الصورة التي رسمتها في أذهان الأمريكيين طوال السنوات الماضية كسيدة حديدية لم تهزها الزوابع التي شهدتها فترتا ولاية زوجها بيل كلينتون ولا أثرت فيها خيانته المدوية لها ولا السهام المسمومة التي كانت تستهدف سمعتها السياسية في الكونغرس. وقالت سيدة صوتت لصالح هيلاري كلينتون في تصريحات لقناة «السي إن إن»: «لقد اكتشفنا كنساء أن هيلاري امرأة مثلنا لا تحب أن يقول لها أحد إنها غير محبوبة، واكتشفنا أن لها ماء في جسدها يمكن أن يخرج من حدقتيها على شكل دموع أنثوية... لطالما اعتقدنا أن هيلاري مصنوعة من البلاستيك القاسي وأنها بلا روح ولا مشاعر إنسانية»! احتفلت كلينتون بفوزها في نيوهامبشر ساعات فقط بعد الإعلان عن النتائج الرسمية مع عشرات المئات من أنصارها، إلى جانب ابنتها تشيلسي وزوجها بيل كلينتون الذي مازال يحظى بشعبية عالية بين صفوف الديمقراطيين الحالمين بوصول زوجته إلى البيت الأبيض وعودة الرخاء الاقتصادي الذي شهدته الولاياتالمتحدة أثناء فترتي رئاسته للبلاد. إلا أن الأصوات الغاضبة من توالي آل بوش وآل كلينتون على حكم أمريكا في ظرف عشرين سنة حتى الآن انتفضت بشدة بعد إعلان فوز هيلاري، إذ صاح متصل ببرنامج مباشر على أمواج الإذاعة العامة صباح الأربعاء بأعلى صوته قائلا: «لا نريد بيلاري (بيل وهيلاري) مرة أخرى في البيت الأبيض... لا نريد فترة رئاسية ثالثة لبيل... ألا يوجد في أمريكا غير عائلتي بوش وكلينتون... إرحمونا أرجوكم»!