انطلقت، أول أمس، مفاوضات الجولة الثالثة بمانهاست بين المغرب والبوليساريو حول الصحراء وسط اتهامات متبادلة بين طرفي النزاع يحاول فيها كل طرف أن يحمل الآخر مسؤولية عرقلة القرارات الأممية، بماذا تفسر هذا الأمر؟ أعتقد أن هذه الاتهامات المتبادلة بين المغرب والبوليساريو سلوك طبيعي، سواء قبل بدء المفاوضات أو أثناءها. فكل طرف يحاول أن يمارس ضغوطا على الآخر، وذلك لتحسين موقعه التفاوضي، لأننا نعرف أن الهدف الأساسي من المفاوضات هو الوصول إلى حل وسط. وطبعا، كل طرف يحاول أن يوحي بأن الطرف الآخر هو الذي يعرقل المفاوضات ولا يريد أن يصل إلى تسوية للنزاع، خاصة إذا كان هذا الطرف الآخر لا يملك مشروعا واضحا، كما هو الشأن بالنسبة إلى البوليساريو، ذلك أننا نعرف أنه خارج المطالبة بالاستفتاء، الذي اعتبره المنتظم الدولي مستحيل التطبيق، فإنه لم يقترح أي طرف حلا آخر بخلاف المغرب الذي طرح أرضية للنقاش من أجل الوصول إلى تسوية هذا النزاع. هل يمكن أن نتوقع تدخل الولاياتالمتحدةالأمريكية، من خلال قرارات أممية، لفرض حل على أطراف النزاع في حالة فشل المفاوضات؟ هذا أمر مستبعد. فليست هناك قوة بإمكانها أن تملي إرادتها على أطراف النزاع لعدة اعتبارات. أول هذه الاعتبارات هو أن هذه المفاوضات تتم في إطار دولي، وهو الأممالمتحدة، وتؤطرها قرارات مجلس الأمن. والاعتبار الثاني هو أن أمريكا لها مصالح متبادلة مع أطراف النزاع، وخاصة المغرب والجزائر. والاعتبار الثالث هو أن أمريكا رحبت بمباردة المغرب حول الحكم الذاتي، ولكنها، في الوقت نفسه، تعتقد أن هذه المبادرة ينبغي أن تستقطب انخراط الطرف الآخر حتى تتوفر لها شروط النجاح. وما هي، في نظرك، النتائج التي يمكن أن تترتب عن هذه الجولة الثالثة من المفاوضات الجارية حاليا بمانهاست؟ في غالب الأحيان، لا يمكن أن نتوقع أي تقدم ملموس في هذه الجولة اعتبارا لمواقف الطرفين المسبقة من النزاع، واعتبارا أيضا لكون البوليساريو بدل أن تعبر عن استعدادها للتفاوض حول المبادرة المغربية، فإنها صعدت من لهجتها ملوحة بالرجوع إلى الحرب، أي الرجوع إلى وضع ما قبل 1991. وبالتالي، فأنا أعتقد أن أكثر ما يمكن تحقيقه، في هذه الظرفية الراهنة، هو ألا تقع القطيعة في هذا المسلسل التفاوضي لتتم برمجة لقاءات أخرى. وأعتقد أن الكل متفق على أننا أمام مسلسل معقد يتطلب الوقت والصبر، ويتطلب أيضا مشاركة دول نافذة لإقناع خصوم المغرب بالانخراط في مناقشة المبادرة المغربية التي تبقى أرضية للنقاش قابلة للتنقيح والتفاوض. *أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط