طنجة- عبد الله الدامون: في السابق كان مغاربة أميون كثيرون يستمعون بانتظام إلى إذاعة لندن وصوت العرب، وحتى صوت أمريكا والاتحاد السوفياتي، وينصتون إلى أخبارها باللغة العربية بكثير من الاهتمام ويفهمون كل شيء، ثم يشرحون لغيرهم ما سمعوه ويزيدون شيئا من عندهم. لم يكن الإنصات إلى الأخبار بالعربية الفصحى في المغرب يوما مشكلة، إلى أن ظهرت إذاعات تتلو أخبارها بالدارجة وكأن المغاربة كانوا ينتظرونها لكي يعرفوا ماذا يجري في العالم. إنها واحدة من أكثر حالات الغباء الإعلامي استفحالا. كانت نشرات الأخبار في الماضي متعة حقيقية، واليوم صارت في إذاعات الدارجة مهرجانا للتسلية والضحك. الذين أسسوا هذه الإذاعة المتخلفة يعتقدون أنهم يحاولون الاقتراب من الناس العاديين، لكنهم في الحقيقة يبتعدون عنهم كثيرا، بل أصبحوا عرضة للسخرية لأن الناس العاديين ليسوا على درجة من الجهل تجعلهم ينتظرون إذاعات الدارجة لكي يعرفوا ما يحدث في العالم، بل إن الكثير من الناس، الذين لم يدخلوا في حياتهم مدرسة، أصبحوا يغيرون الإذاعة بمجرد أن تبدأ أخبار الدارجة ويبحثون عن إذاعات تحترمهم أكثر. معنى أن تقدم أخبارا بالدارجة هو أنك تحتقر مستمعك وتقول له إنك لا تفهم غير اللغة التي تستعملها في المنزل والزنقة، أما العربية الفصحى بزاف عليك. بعض الإذاعات تقول إنها تتوجه بالدارجة إلى المهاجرين المغاربة في الخارج الذين عربيتهم ضعيفة، لكن هذه الإذاعات حدها طنجة، أي أن صوتها لا يصل حتى إلى الخزيرات، وربما تنتظر أن يعود المهاجرون المغاربة من أوربا إلى المغرب كل صيف لكي يفتحوا الراديو ويعرفوا منها ما يحصل في العالم. ليس هناك حمق إعلامي أكثر من هذا. هذه الإذاعات لن تجرؤ يوما على بث الأخبار باللغة الفرنسية المتداولة في الأزقة والشوارع بدعوى أن فرنسية الناس ضعيفة. الإذاعات المزدوجة اللغة بالعربية والفرنسية تقدم أخبارها بالفرنسية في غاية الأناقة اللغوية ولا تجرؤ على ارتكاب خطأ واحد، وعندما يتعلق الأمر بالعربية فإنها تتصرف مثل فيل في متجر للفخار. وحتى تلك الصحف والمجلات التي بدأت تقطر الشمع على العربية وتصدر بدارجة تثير الشقيقة في الرأس، لن تتجرأ يوما، على الرغم من كل حداثتها، على إصدار طبعاتها الفرنسية بلهجة فرنسية الشارع. ولو فعلت فإن الفرنسيين سيغضبون كثيرا، والتابع لا يتحمل أبدا غضب سيده. في نشرة الأخبار بإذاعات الدارجة يمكن للمذيع أن يتلو الخبر التالي: «وصل اليوم إلى المغرب الوزير الأول البولوني مرفوقا بعدد من الوزراء واجتمعوا مع مسؤولين مغاربة من بينهم الوزير الأول عباس الفاسي». ما الفرق بين هذه الجملة بالعربية وبين نطقها بالدارجة. لا شيء تقريبا، والذين لن يفهموا هذه العبارات بالعربية الفصحى، فإنهم بالتأكيد لن يفهموها بالدارجة أيضا. كل ما هنالك أن إذاعات الدارجة تطلب من مستخدميها الذين يتلون الأخبار، أن يتصرفوا كأنهم يجلسون في مقهى، ويطلبون منهم أيضا أن يتعاملوا مع مستمعيهم وكأنهم خرجوا من كهف ولم يسمعوا في حياتهم أخبارا بالعربية. بعض مدراء هذه الإذاعات، ولكي يكونوا قريبين من المواهب الجديدة التي يتم اكتشافها في عالم الصحافة، اشتروا أو اكتروا شققا في نفس العمارات التي توجد فيها مقرات إذاعاتهم، وذلك وفق «قانون القرب» المعمول به في الصحافة، أي أنهم يريدون أن يكتشفوا الموهوبات صوتا وصورة، الصوت في مقر الإذاعة، والصورة في غرف النوم، وأكيد أن اللغة المستعملة في غرف نوم هؤلاء المدراء المحترفين في اصطياد المواهب لن تختلف كثيرا عن اللغة المستعملة في نشرات أخبارهم. إلقاء الأخبار بالدارجة جعل بعض مسؤولي هذه الإذاعات الغبية يكتشفون كل يوم موهبة جديدة. يكفي أن يلتقوا فتاة جميلة في أي مكان لكي يحولوها إلى صحافية، لأن ذلك لن يتطلب أية شروط، لا مستوى دراسيا ولا معهد صحافة. أحيانا يكفي حمل فتاة من محلبة ووضعها أمام الميكروفون، والهاكا تتفرج.