تزايدت المخاوف لدى فئات واسعة من المجتمع المغربي من زحف شبح العنوسة لدى المغربيات اللواتي لم يجدن بعد شريك حياتهن المناسب. لم تعد تشفع الإمكانيات المادية للموظفة في إيجاد الزوج الذي تحلم به، لتتسع رقعة العزوبية لدى نخبة المثقفات والأطر وينتقل القلق بشكل تدريجي إلى عائلاتهن ومحيطهن. هموم البايرة «مازلت لا أعرف لماذا لم يتقدم إلي الرجل الذي أنتظر أن أقاسمه حياتي رغم أن إمكانياتي المادية جيدة للغاية» تردد فتاة في الخامسة والثلاثين من عمرها. هن في الغالب محاميات وطبيبات ومهندسات وأطر في الشركات، جميلات المظهر وذكيات ويتوفرن على شقق وحسابات بنكية وسيارات، لكن مهما بلغ نجاحهن في الحياة المهنية، فإن المجتع المغربي ينظر إلى كل امرأة غير متزوجة بنظرة دونية لأنها «فشلت في تحقيق ما يجب أن تنجح فيه كل امرأة وهو الزواج» لتعيش عائلاتهن في دوامة من القلق والحيرة على مصير بناتهن «البايرات». بعد أن أنهى ابن خالتها دراساته العليا في الطب بفرنسا، منت عائلة منى، 37 سنة، نفسها بأن يطرق الطبيب ووالدته باب البيت ليطلب يد ابنتها. مرت السنوات وظل الشاب أعزب ولم يبادر إلى التعرف على ابنة خالته مديرة قسم العلاقات العامة في إحدى الشركات الخاصة. تقول منى: «بعد أن يئسنا من قدومه، لم تتوقف التعليقات الحادة لوالدتي التي لم تستوعب كيف أنني لم أصطد العريس المناسب لي طيلة السنوات الماضية، وتتضاعف حرقتها كلما حضرت حفلات زفاف الأصدقاء والمقربين». زحف العنوسة كشف آخر إحصاء للسكان أن نسبة العنوسة في المغرب قد تضاعفت ب2,6 في المائة لدى الرجال و4,6 في المائة لدى النساء. واحتلت مدينة الرباط المرتبة الأولى وطنيا بعد أن ارتفعت نسبة العنوسة بها ب10 في المائة عن المعدل الوطني المسجل في باقي المدن. وسجلت الإحصائيات الميدانية أن أكثر من ثلاث مغربيات من أصل عشرة تنتهي فترة الخصوبة لديهن دون أن يتزوجن، مقارنة بما كان عليه الوضع قبل عشر سنوات، لينتقل سن الزواج لدى المغربيات إلى 27 سنة، ولدى الرجال إلى 31 سنة. وتضاعفت نسبة العنوسة لدى الرجال الذين تترواح أعمارهم بين 15 و34 سنة ب2,6 في المائة طيلة ثلاثين سنة، بينما بلغت نفس النسبة لدى النساء حوالي 4,6 في المائة. التقته في حفل خطوبة شقيقتها، بدا مثقفا بشخصية جذابة كما أن ظروفه المادية كانت تغري أي فتاة بالارتباط به لأنه يدير شركة عائلية صغيرة في التصدير والاستيراد. أحست غزلان، 35 سنة، مسؤولة الإنتاج في شركة متعددة الجنسيات، بأن الشاب الذي يكبرها بأربع سنوات يتابعها طيلة الحفل، لتسنح لهما الفرصة أثناء العشاء بالحديث معا وتبادل الأرقام الهاتفية، لتبدأ الحكاية. مر أسبوع وغزلان متلهفة لسماع صوته في الهاتف، لكن دون جدوى، لتقرر أن تبدأ هي خطوة التقرب منه، رغم أنها رفضت القيام بنفس الشيء مع رجال آخرين منذ سنوات. تقول غزلان بأسى واضح: «كنت أفضل أن يقوم الرجل بإرسال الإشارات الأولى وهو ما لم يحدث أبدا معي. بعد أن كلمته بدا لي من خلال صوته غير مرتاح ومتضايق دون أن أعرف السبب، لأغلق تلك الصفحة وأمسح رقمه من هاتفي فورا». البحث في الانترنت لم يسعف غزلان في إيجاد شريك حياتها، وبعد أن أدمنت البحث في مواقع الزواج المتخصصة والدردشة مع الشباب، اكتشفت أنها «تضيع وقتها» لأن كل الرجال الذين التقتهم كانوا يبحثون عن قضاء وقت ممتع مع الفتيات والترويح عن أنفسهم من ضغط العمل، لتقرر العدول عن فكرة إيجاد شريك عمرها على شبكة الانترنت. «أرفض الزواج عبر الأنترنت لأنه لا يعطي صورة حقيقية عما إذا كان الشخص مناسبا أم لا مقارنة بالتعامل مع الشخص عن قرب». البحث عن النصف الآخر تشير المعطيات التي يعدها الباحثون الاجتماعيون إلى أن فكرة التخلص من العزوبية والانتقال إلى حياة تتسم ببعض الاستقرار بدأت تعود لتسيطر على أذهان الشباب المغربي، وتزايد نمو هذه الفكرة بفضل انتشار إعلانات الزواج في الجرائد ومواقع الانترنت وظهور وكالات متخصصة في إيجاد النصف الثاني، التي تزايد عدد المشتركين بها الذين يرغبون في وضع حد للوحدة التي يعيشونها. تشير الدراسات الاجتماعية إلى أن ما يدفع الشاب أو الفتاة إلى التفكير بالزواج عبر الانترنت هو الرغبة في الاختيار بعيداً عن ضغوط الأهل وقراراتهم التي كثيراً ما لا تتلاءم مع طموحات الشاب أو الفتاة في اختيار شريك حياة متآلف ومتفاهم، فقد تكون للأهل نظرة مختلفة عن نظرة الشاب أو الفتاة المؤهلين للزواج، وأبسط سبب لهذا الاختلاف هو الهوة بين الأجيال الناجمة عن اختلاف المؤثرات التي يتعرض لها كل جيل، فالدردشة عبر الشبكة تتيح تبادل الأفكار وقد تتيح شيئاً من المعرفة الشخصية إذا كان الطرفان صادقين، إضافة إلى أن مواقع الزواج على الانترنت قد تساعد في التعارف بين طرفين لا تسمح لهما العادات والتقاليد بالالتقاء المباشر كما هو الحال لدى العائلات المحافظة. تبرر بعض الفتيات تأخرهن في الزواج أو فشل العلاقة مع الجنس الآخر بالظروف الاقتصادية للشاب أو تدخل والديه، إضافة إلى أن الشباب يفضلون الزواج بمن هن أقل منهم في المستوى التعليمي. الرجال بدورهم يرون أن السبب الرئيسي للعنوسة يرجع بالأساس إلى طموحات المرأة العصرية التي تتضاعف ولا تتوقف مطالبها، مما يجعل الشباب في ظل الظروف الاقتصادية الحالية غير قادرين على توفير كل ما يطلبن عدد مهم من الرجال يشتكون من أن فتاة اليوم أصبحت متعجرفة ومتمردة وجافة الطباع ولم تعد تضع الأعباء المنزلية ضمن أولوياتها. التحليل القطاعي لديمغرافية المدن يكشف أن الفتاة تتزوج في جهة تاونات وهي في السن ال15 رغم التشريعات التي جاءت بها المدونة في ما يخص زواج القاصر. بدأ المغاربة يترددون أكثر في الإقدام على خطوة الزواج، وهو ما يوازيه تطور أنماط الحياة وارتفاع نسبة التمدن وظهور النزعة الفردية في الطباع الشخصية خصوصا في المدن الكبرى. يوجد الآن حوالي 6.550.332 شابا تتراوح أعمارهم بين 15 و29 سنة مازالوا في مرحلة العزوبة، أي ما مجموعه 72 في المائة من هذه الفئة الاجتماعية النشيطة، فيما تبلغ نفس النسبة لدى الشباب المتراوحة أعمارهم بين 25 و29 سنة حوالي 54 في المائة. في سن الخامسة عشرة، مازالت الفتاة تتابع تمدرسها، لتبلغ بالتالي نسبة العزوبة لدى الفئة العمرية 15-19 سنة حوالي 94 في المائة، وترتفع النسبة لدى الذكور لتسجل 99 في المائة. لكن هذه الأرقام لا تخفي حقيقة أخرى وهي أن 12 في المائة من الفتيات بين 15 و19 سنة متزوجات، أي أن أزيد من 192.049 فتاة قاصر متزوجات. ولدى الشباب ما بين 20 و24 سنة، تبلغ نسبة العنوسة 76.2 في المائة، مما يعني أن أكثر من 2.250.000 شاب وشابة لم يجدوا بعد شريكهم الملائم. ولدى الفئة العمرية 25-29 سنة، تبلغ نسبة الفتيات العازبات أزيد من 40.7 في المائة، أي أن ما يناهز 530 ألف مغربية بقين بدون زواج. وتتركز في جهة الدارالبيضاء نسبة العزوبة بشكل مرتفع على الصعيد الوطني للفئة العمرية 25-29 سنة، إذ تتجاوز، حسب الإحصائيات، 63.1 في المائة، أي أنها مرتفعة بحوالي 10 في المائة عن باقي المعدلات المسجلة في باقي الجهات، ليظل 210 آلاف فتاة وشاب بلا زواج: 78 في المائة ذكور و49 في المائة إناث.