الاسم خالد.. العمر 43 سنة.. المسكن المدينة القديمة.. الحالة العائلية عازب. لا يفكر خالد البتة في أن يتخذ امرأة لباسا له، أن يبني بيتا مثلما تجري به العادة في المجتمع التقليدي المغربي، ويلد أولادا وبناتا. يحث الإسلام على الزواج وينهى عن التبتل. لكن خالد يقول باستمرار: «الزواج آخر همي وآخر اهتماماتي». منذ مدة وخالد يستمرئ حياة العزوبية، يتلذذ بها، لا امرأة و لا زواج، وحدها الكتب يستأنس بها في خلوته ووحدته، و وحدها الكتابة حياته بعيدا عن أي ارتباط آخر. يربط المخيال الجمعي الشعبي العنوسة بالنساء، ويطلق على كل فتاة تأخرت عن الزواج بأنها «بايرة»، ولكن قليلا ما يقال للشخص الذكر الذي تأخر عن الزواج بأنه عانس أو «باير» على اعتبار أن عدم الرغبة في الزواج ليس ناتجا عن عدم وجود الشخص المناسب أو عدم تقدم الشخص كما هو الحال بالنسبة للنساء، وإنما ينتج عن عدم الرغبة في الزواج أصلا. غير أن خالد يرى العكس، إذ يقول إن «هناك فتيات حاصلات على دبلومات عليا و على وظيفة محترمة في مؤسسات خاصة وعامة، ولكنهن يرفضن الزواج من أجل الحفاظ على استقلاليتهن. هل يجب أن يقال عنهن إنهن بايرات. لا أعتقد ذلك». ظاهرة العنوسة لم تكن ظاهرة عنوسة الرجال بالمغرب معروفة إلى عهد قريب.إذ كانت العائلات تعمل على تزويج أولادها بمجرد بلوغهم سن الرشد، وغالبا ما كان ذلك في حدود الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة من أعمارهم. لكن الآن بدأت الأمور في التغير، ويكفي فقط النظر في بعض الإحصائيات التي تصدر عن المندوبية السامية للتخطيط في هذا المجال لمعرفة مدى التحول الذي عرفه المجتمع المغربي. فهذه الإحصائيات تبرز أن العنوسة بين الفئات العمرية التي توجد بين 15 سنة و24 سنة أصبحت تقارب مائة في المائة. وقد ارتفع معدل سن الزواج في المغرب لدى النساء إلى 28 سنة. أما بالنسبة للرجال، فقد ارتفع إلى 31 سنة. وهذا يعني أن ظاهرة العنوسة صارت في تزايد مستمر و تكتسح فئات عريضة من الشباب، خصوصا في ظل غياب أي مشروع لمحاربتها. امرأة مثالية ليست هناك أسباب واحدة لعنوسة الرجال. وحكاية الرجال العانسين تختلف من شخص لآخر. يحكي أحد الأصدقاء حكاية شخص يقطن بحي الفرح، تقدم به السن ولم يتزوج لأنه ظل طوال حياته يبحث عن امرأة مثالية، عن امرأة رسمها في خياله وذهنه، وبدأ رحلة البحث عنها في الواقع. امرأة جميلة تثيره كلما رآها، امرأة قد توافق هواه وميولاته وتفكيره وتنسجم مع طريقته في الحياة ورؤيته لها. مر الوقت ولم يجد لتلك المرأة سبيلا، وظل لحد الآن بلا زوجة ولا أولاد. البحث عن الزوجة والارتباط بها تعيقه في حالات كثيرة وضعية الرجل المادية. يقول عبد الواحد: «الحق في تكوين أسرة يستلزم الحق في شروط عمل كريمة وفي امتلاك دخل قار لمواجهة أعباء الحياة، وفي امتلاك «قبر الحياة»، وحين يعدم شرط من هذه الشروط، يعدم الحق في بناء مستقبل أسري، لا سيما حين يصعب إيجاد شريك حياة تتقاسم معه مجموعة من القناعات، وبأن يكون مؤهلا لمواجهة أعباء الحياة، وأن تتعاون معه على «دواير الزمان»». وهناك حكايات عديدة لرجال لم يتمكنوا من الزواج بسبب إمكانياتهم المادية الهزيلة و بسبب تحمل أعباء عائلية بعد وفاة الأب، فيضطر الابن إلى التضحية في سبيل أمه وإخوته وأخواته. الفشل غالبا ما يكون امتناع الرجل عن خوض تجربة زواج مروره بتجربة عاطفية فاشلة. يحكي عبد الواحد حكاية شخص خطب امرأة، وأعد كافة الإجراءات لكي ينظم حفل زفاف فاخر لعائلته وأصدقائه، غير أن المرأة التي خطبها قررت فسخ الخطوبة والارتباط بشخص آخر. يقول عبد الواحد: «هذه الحكاية تركت جرحا غائرا في قلبه، وجعلته يتخذ موقفا عدائيا وسلبيا تجاه المرأة بشكل عام». إذ منذ تلك الحكاية لم يعمل ولم يفكر أبدا في أن يدخل مغامرة عاطفية جديدة قد تكون نتائجها شبيهة بتجربته الأولى.