يقدم الحقل السياسي المغربي، منذ الانتخابات الجماعية الأخيرة (12 يونيو 2009)، ظواهر سياسية تثير التساؤل حول طريقة استيعاب وتدبير حزب العدالة والتنمية لسلوكات باقي الفاعلين السياسيين الحزبيين في محيطه، فبين علاقة التقارب الذي حصل بين تيار من حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والعدالة والتنمية خلال الانتخابات الجماعية، ولقاء قادة الجناح المضاد للجناح التصحيحي بحزب التجمع الوطني للأحرار بقيادات حزب العدالة والتنمية، وإصدار هذا الأخير بيانا للتضامن، وإعلان الجناح التصحيحي بحزب التجمع الوطني للأحرار أن التحالف مع العدالة والتنمية يدخل ضمن «الخطوط الحمراء»، وهو الموقف نفسه الذي يحمله حزب الأصالة والمعاصرة وتبنته قيادة الاتحاد الاشتراكي في مجلسها الوطني الأخير، وبين لقاء عباس الفاسي، بصفته وزيرا أول وأمينا عاما لحزب الاستقلال، مع قيادة حزب العدالة والتنمية للنقاش حول مستجدات الوضع السياسي وحالة الأغلبية الحكومية، بين كل هذه السلوكات السياسية تثار التساؤلات التالية: هل تحول حزب العدالة والتنمية إلى»نموذج لدوارة الريح»، تعكس بكل بساطة توازن قوى الضغط في الحقل الحزبي وتستجيب لها؟ وهل تحول حزب العدالة والتنمية إلى «حجر شطرنج»، يقبل ببحث كل فاعل حزبي عن موقع له في الرقعة السياسية عن طريق الاقتراب منه أو إعلان الهجوم عليه؟ وهل ظاهرة البحث عن الاقتراب من حزب العدالة والتنمية وتوظيفه استراتيجيا لتقديم إشارات سياسية أو فتح مفاوضات أو «مقايضات سياسية» هي ظاهرة عادية؟ إم إنها ظاهرة لها مخاطرها غير المحسوبة، تتجاوز البراغماتية السياسية للفاعل لتثير إشكالية التوازنات في النظام السياسي المغربي. إن هذه السلوكات بقدر ما تعبر عن حالة عادية، لا تخرج عن قواعد الصراع داخل اللعبة السياسية ، فإنها تحمل مجموعة من المخاطر: 1 - لوحظ أن حزب العدالة والتنمية، في لحظة بداية سلوكات تنسيقه مع حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في تدبير انتخابات المجالس الجماعية (حالات الرباط وتطوان...) ، بذل مجهودا تدريجيا على مستوى انفتاحه بالبحث عن تحالف براغماتي سياسي مع الاتحاد الاشتراكي، وخرج بذلك، لأول مرة، من ظاهرته الانعزالية. هذا الخروج الذي كان الممكن أن يساعد الحزب على وضع مسافة ما بين ممارسة الانتقادات الأخلاقية والأحكام القاطعة وبين مناقشة تحالفات وصراعات لعبة سياسية وصياغة برامج وسياسات عمومية، فحزب العدالة والتنمية في عمله السياسي، خلال مراحل تطوره، بنى سلوكات تتأرجح بين أمرين اثنين: الأول هو احتفاظه بموقع «الظاهرة الانعزالية» التي يعود إليها حاليا، والثاني هو خروجه وإعلانه تدعيم مرشحي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. والسلوك الثاني هو في الواقع نجاح في النظام السياسي المغربي من مدخل التوازنات وليس من مدخل ربح فاعل سياسي بالمفهوم البراغماتي، وذلك لسببين اثنين: أولهما، أن حزب العدالة والتنمية يكون هو الرابح سياسيا في الحالة التي يصبح فيها ظاهرة انعزالية تواجه كل الفاعلين السياسيين الحزبيين، وهو يجيد ما يسمى ب«سلوك الضحية» وخطاب المظلومية. ثانيهما، أن استمرارية هذا النوع من التنسيق (الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية)، كان من الممكن أن تفتح حول حزب العدالة والتنمية نقاشا داخل قواعده وداخل المتعاطفين معه حول مدى نجاح خياراته السياسية. لهذا، فإن حسابات إدخال تيار الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الداعي إلى التحالف مع العدالة والتنمية قد تكون له كلفته السياسية، فالأمر كان يقتضي الحفاظ على هذا التنسيق وإخراج الاتحاد الاشتراكي إلى المعارضة، وتكسير هذا التنسيق في المرحلة الزمنية القريبة من انتخابات 2012 المنتظرة. 2 - ظاهرة العزلة عادت بحزب العدالة والتنمية إلى الجمع مجددا ووظيفيا بين الدعوة والممارسة السياسية، مع الحفاظ على سلوك دعوي ثانٍ يتمثل في أنشطة حركة الإصلاح والتوحيد وباقي مكوناتها التي تخوض صراعا داخل الحركة الاجتماعية، فحالات المواجهة التي ظهرت في برامج (حوار، ومخاطر النقاش في برنامج نقط على الحروف) ومواجهة البيانات والبيانات المضادة بين الريسوني وبيت الحكمة، هي وجه من الصراعات الجديدة ذات المخاطر الاجتماعية. 3 - إن عودة حزب العدالة والتنمية إلى الانعزالية والاستراتيجية البراغماتية لباقي الفاعلين الحزبيين في توظيفه، تعقد مسألة تقييم حالة إدماج الإسلاميين وتحليل دورهم في النظام السياسي المغربي، إذ لازالت هناك تساؤلات كثيرة تلف التطور السياسي لحزب العدالة والتنمية، فالحزب الذي جاء نتاج مداولات ونقاشات امتدت ست سنوات وانتهت بين 1997 و1998 بتوافق بين عبد الكريم الخطيب (زعيم الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية آنذاك) وقادة الإصلاح والتجديد، لا تساعد مواقفُ باقي الفاعلين الحزبيين منه على دفعه (الحزب) إلى توضيحها، وعودة الحزب عبر قنواته الدعوية إلى السجالات الأخلاقية الاجتماعية تبين أن استعماله من طرف باقي الفاعلين الحزبيين لم تساعد الحزب على أن يكون أقل انشغالا بالقضايا الدينية والاحتجاجات ذات الطبيعة الأخلاقية. إن سلوكات الفاعلين الحزبيين التي لها تبريراتها البراغماتية المشروعة تكون أحيانا غير واعية بالتوازنات السياسية في الدولة، فمراقبة ما ينتجه الفاعلون الحزبيون (منه التوظيف السياسي لحزب العدالة والتنمية) تبين أنهم لا يسيرون نحو صراع تعدد المرجعيات الإيديولوجية، بل نحو صراع بين مرجعيتين هما: حزب الأصالة والمعاصرة والباقي في مواجهة العدالة والتنمية، وهو صراع ثنائي له مخاطره، يبعد الإسلاميين أحيانا عن النقاش السياسي لخوض الصراع الاجتماعي بحجة السياسي، وينتجون مواقف تبدأ من الصراع حول «البكارة الصينية الاصطناعية»، فهل الدولة مستعدة للصراع الحزبي بين مشروعين؟