لا تعرف ظاهرة بيع الدم من طرف بعض الأشخاص للمحتاجين إليه في مدينة تطوان انتشارا ملحوظا عكس بعض المناطق المجاورة. «بفضل بعض الجمعيات المحلية المختصة بالتبرع بالدم، فإن الظاهرة تكاد تكون شبه منعدمة»، يقول مصدر طبي من المندوبية الجهوية للصحة بمدينة تطوان. وتعرف مراكز تحاقن الدم بولاية تطوان أو عمالة المضيق –الفنيدق خصاصا في كميات الدم، ومن أجل مواجهة الأزمة تقوم المؤسسات الطبية بتوفير الدم للمريض المحتاج إليه بغرض إجراء بعض العمليات الجراحية أو في حالة وقوع نزيف حاد من خلال تبرع أفراد العائلة أو أقارب وأصدقاء المصاب الذين يقع عليهم عبء توفير الدم لمريضهم، «لكن في أغلب الأحيان فإن الشخص الذي يتم تقديمه كقريب من العائلة لا يكون سوى أحد البائعين لدمه مقابل 100 أو 200 درهم» يقول أحد الممرضين العاملين بالمستشفى الإقليمي سانية الرمل بتطوان». ويروي أحد الآباء ل«المساء» ما حدث له أثناء بحثه عن متبرعين بالدم لفائدة ابنته المريضة، التي كانت تحتاج لكميات كبيرة من الدم، إذ يقول إن بعض الأشخاص أرشدوه إلى «الموقف» الكائن بساحة «الفدان»، وهو مكان يقف فيه بعض الأشخاص الباحثين عن العمل من الذين يقضون يومهم في انتظار زبون ما. «وجدت مجموعة من الناس يتبادلون الحديث مع شابين في الثلاثينات من العمر، منهم من كان يطالب بتخفيض الثمن ومنهم من أبدى موافقته على السعر لتلبية حاجته الماسة لذلك» يقول الأب، مضيفا أن حاجة عائلات المرضى والمصابين بالحوادث المتنوعة كحوادث الطرق أو حالات الشجار الماسة لأكياس الدم تجعلها توافق على مضض على الثمن الذي يقترحه الشابان العاطلان عن العمل. من جهته، يقول الممرض بالمستشفى الإقليمي إن بعض المرضى يضطرون شهريا لتبديل الدم، فيقومون أحيانا بشراء أكياس الدم التي تناسبهم أثناء ذهابهم إلى المستشفى الذي يتلقون فيه العلاج، موضحا أن أكياس أو قناني الدم أصبحت لها بورصة خاصة كغيرها من البضائع التي تخضع للعرض والطلب، خصوصا الأصناف النادرة (O - وO +) التي غالبا ما تكون باهظة الثمن لندرتها، مما يجعل البعض يؤدي مبالغ مالية لشراء هذه الدماء لكي ينقذ أحد أفراد عائلته من الموت. أما في مدينة المضيق أو الفنيدق فإن سماسرة الدم لا يكشفون عن مصادر دمائهم، لكن بعض المعلومات تشير إلى تعاونهم مع بعض المستخدمين للحصول على بضاعتهم هذه وتحقيق الفائدة لجميع المضاربين أو من خلال «متبرعين» حسب الطلب يتوزعون على بعض المقاهي بالمدينتين لبيع دمائهم الطازجة مقابل أثمان تتراوح ما بين مائة درهم وثلاثمائة درهم. ففي مقاه شعبية جانبية، وبعيدا عن أعين المتطفلين، يلتقي البائعون والمشترون و يتفاوض الطرفان معا حول السعر. ولكن تلك ليست صفقة عادية، فالمال المستحصل هنا جاء ثمنا لبيع الدم للمحتاجين. ويزعم بائع الدم للممرضين في المستشفى أثناء تدوين بياناته بأنه من أقارب المريض كإجراء شكلي قبل منح دمه. ويتهم البعض مندوبية الصحة بعمالة المضيق بكونها لا تحرك ساكنا تجاه السماسرة، بالإضافة إلى غضها الطرف عن هؤلاء الذين يبتزون أصحاب الحاجة لكون أغلب المستشفيات والمستوصفات الصحية تعاني من نقص في مخزون الدم بالنسبة للحالات الطارئة في مقهى كائن بساحة «الفدان» يجلس عبد القادر، شاب يبلغ من العمر 33 سنة، عاطل عن العمل مع بعض المتقاعدين يلعب معهم «الكارطة». يقول: «ليس أمامي شيء آخر يمكنني القيام به بسبب البطالة المتفشية في مدينة تطوان. أنا لا أرغم أحدا على شراء دمي، ولكن هناك من يأتي عندي راغبا في دفع الثمن». من جهته، يقول مسؤول عن «جمعية الحمامة البيضاء للمتبرعين بالدم» بتطوان إن «الدم لا يباع، لكن الثمن المؤدى عن الوحدة يساعد فقط على تغطية بعض التكاليف، كالكيس الفارغ المعقم الخاص بالاستعمال الوحيد، والتحليلات المخبرية، والمطبوعات، وبطاقة تصنيف الدم، بالإضافة إلى مصاريف تجزئة الدم، والتخزين»، وهي المصاريف التي تقدر بحوالي 400 درهم. ولمواجهة الخصاص في كميات الدم المخزونة في مستشفيات تطوان، تقوم بعض الجمعيات المدنية بحملات للتبرع بالدم داخل بعض ثانويات ولاية تطوان بهدف تغطية الخصاص. «أنا لا أفعل شيئا أخجل منه، فأنا أنقذ حياة الناس. لقد فعلت ذلك ست مرات، وفي كل مرة كان أهل المصاب يكرمونني بالعطايا والنقود، حيث أعطتني إحدى الأسر من أهل المصاب ذات مرة 1000 درهم، ولكني تقاضيت أيضا مبالغ مالية عن عمليات بيع دمي. أنا لا أطالب أحداً بأن يدفع لي» يقول رضا، شاب يبلغ من العمر 27 عاما، الذي تخالط بياض عينيه بعض صفرة. أما في المضيق أو الفنيدق فإن أغلبية الأشخاص الذين التقت بهم الجريدة يجزمون بأن الأمر «لا يعتبر جريمة أبدا». صفقات بيع الدم من طرف بعض الأشخاص حالة مخيفة سببها الفقر و اليأس. لا يهم أن يصاب الشخص بفقر في الدم أو يصاب بعدد هائل من الأمراض المترتبة عن نقص الكريات الحمراء والبيضاء في الجسم، المهم أن يخفي فقره بفقر آخر لا يراه الآخرون.. فعندما يبيع المغاربة دماءهم يوميا كي ينفقوا على بيوتهم المفتوحة محاولين إنقاذ أبنائهم من شبح الجوع، تصبح عمليات بيع الدم مع مرور الأيام وفي غياب فرص للعمل مهنة لها سماسرة كبار في السوق يوردون يوميا مئات المحتاجين لبيع دمائهم.