إرغام أهل المريض على التبرع بالدم، إجراء غير قانوني تعتمده المراكز الجهوية يرى الأستاذ محمد أمين أفيلال، عضو المكتب الوطني للرابطة المغربية لجمعيات المتبرعين بالدم، ورئيس جمعية المتبرعين بالدم للجهة الشرقية، أن تجربة الجمعية في المجال تعتبر تجربة رائدة ومهمة، واستطاعت تحقيق الاكتفاء الذاتي للجهة الشرقية من الدم، إذ أن بعض المرضى من مدن كثيرة يجدون أنفسهم مضطرين إلى التنقل لمدينة وجدة للحصول على الدم الكافي والمجاني، ولا يستطيعون الحصول عليه بمدينة أخرى غير وجدة. وأمام قلة المتبرعين بالدم، يرى الأستاذ أفيلال بأن المراكز الجهوية تعتمد على إجراء غير قانوني وهو إرغام أهل المريض على التبرع بالدم، ويضيف بأن المتاجرة في الدم هي أقوى إشاعة واجهتها الجمعية منذ البداية، ولا تزال مطروحة، والأمر يتطلب تدخلا رسميا، لأن هذه الإشاعة من أهم أسباب عزوف المواطن على التبرع بالدم، وفي هذا الإطار يتساءل: لماذا لا تتدخل الوزارة عبر وسائل الإعلام لتنوير المواطنين. ويسجل الأستاذ محمد أمين بخصوص السيارات الخاصة التابعة للمركز الوطني بأنها وحدات متنقلة لا يلتفت لها أحد لغياب المصداقية وغياب الجمعيات المساندة، والخطورة تكمن في اللجوء إلى أي متبرع وعدم ضمان الجودة وبالتالي احتمال انتقال الأمراض الخطيرة عوض العلاج، ومن جهة أخرى يكون المجال واسعا للابتزاز وتشويه سمعة البلد. حاوره: عبد الحميد وبيدن – نبراس الشباب. وفي ما يلي نص الحوار: • بداية، لا بأس من أن تعطينا فكرة عامة حول هذا العمل النبيل، التبرع بالدم؟ في البداية أشكر لكم الاهتمام والاستضافة للتواصل مع قراء موقع “نبراس الشباب”، وأتمنى لكم التوفيق في كل مساعيكم النبيلة. جوابا على السؤال، فإن التبرع بالدم جانب وتحاقن الدم جانب آخر، فالأول من مسؤولية الجميع وعبر العالم بغض النظر عن الثقافات، يتطلب الأمر تشجيع المواطن وتشجيع الجمعيات للقيام بالمواكبة وضمان الاستمرارية والاكتفاء الذاتي، لأن الدم البشري ومكوناته غير متوفرة بالصيدليات، والمصدر الوحيد هو الإنسان المتبرع، أما تحاقن الدم فهو مهمة طبية مقننة ومن مسؤولية وزارة الصحة، والمركز الوطني والمراكز الجهوية التابعة لها تتكفل بالتحاليل وضمان الجودة وحسن التدبير من تخزين وتوزيع. • خلاصة عامة حول تجربة جمعيتكم في المجال؟ وطرق ومستويات اشتغالها؟ وما هي أهم الانجازات التي حققتها؟ إن جمعية المتبرعين بالدم للجهة الشرقية تأسست سنة 1996، ولها فرع بمدينة تاوريرت فاعل، وأخر بمدينة الناضور مجمد لعدم الترخيص من طرف السلطة ولأسباب مبهمة، إن الجمعية تهتم باستقطاب المتبرعين بالدم وتعتمد مختلف الوسائل، وكل أعضائها متطوعون من أطر وأطباء وأساتذة جامعيون وطلبة، ومن أهم الوسائل المعتمدة المحاضرات والندوات خاصة مع الشباب وبالمؤسسات التعليمية، والمواضيع كلها تركز على ثقافة التبرع بالدم مع نشر الوعي الصحي والإجابة على تساؤلات الشباب، ولعل من أسباب النجاح اعتمادنا على العمل في إطار القنوات الرسمية، بمعنى أن كل نشاط يسبقه تنسيق ومراسلات مع المسؤولين، على مختلف المستويات. كما أن غالب اللقاءات الثقافية تكون موازية مع تنظيم حملة التبرع بالدم بتنسيق مع المركز الجهوي ومندوبية الصحة، وفي هذا الصدد تجدر الإشارة لكوننا عانينا كثيرا بخصوص طلبات الترخيص، فكان علينا أن نطوف على عدة أقسام من أجل إخبار جل مكونات الإدارة للحصول على رخصة القيام بالتحسيس بموازات حملة التبرع بالدم، والسبب أن الإدارة أي وزارة الداخلية لديها خلط بين الجمعية والمركز، حتى أنه في إحدى المرات تجرأ “الشيخ” وطلب الرخصة من مسؤولي المركز، ونسي أن المركز تابع للدولة، وتطلب الأمر التدخل على أعلى مستوى لضمان استمرارية التبرع بالدم، ونحن نتفهم حاجة وزارة الداخلية لضبط الأمور، ولكننا نتساءل هل الضبط يكون بالترخيص فقط؟ أم بالتشجيع والمساندة والقرب من المواطن؟ والمراطون الذي عرفناه خلال عدة سنوات كان يقلقنا ويدفع العديد من الأعضاء للضجر والتهديد بالبعد عن العمل الجمعوي، وكنا نقول لهم لعل الأمر سيحل في الأسبوع الموالي أو الشهر الموالي أو السنة الموالية، ولكن للأسف ؟؟ وفي هذه الظروف استطعنا تحقيق الاكتفاء الذاتي للجهة الشرقية من الدم، حتى إن بعض المرضى ينتقلون لوجدة من الدارالبيضاء للحصول على الدم الكافي والمجاني ولا يستطيعون الحصول عليه بمدينة أخرى غير وجدة. • ما هي آخر الإحصائيات حول العدد الإجمالي للمتبرعين للجمعية وكمية الدم المستهلكة بالجهة؟ حسب المعطيات الرسمية، فالجهة الشرقية تستهلك 12000 كيس دم، أي تحتاج لحولي 12000 متبرع، رغم أن كيس واحد لكل متبرع يفيد ثلاثة مرضى، ونحن نسجل منذ عدة سنوات عدد كافي من المتبرعين، الأمر الذي جعل الجهة الشرقية متميزة في هذا المجال. • ما هي العمليات أو الإجراءات التي تتم فيها عملية التبرع بالدم؟ هناك المتبرعين المنتظمين الذين يتقدمون للمركز قصد التبرع، وهو عدد يتراوح بين 0 و 40 متبرع في اليوم، بصفة غير منتظمة، ولو كان بالإمكان رفع هذا العدد وجعله منتظما بصفة يومية، لكان الوضع شبه مثالي وبعملية حسابية بسيطة 12000 متبرع في السنة يساوي حوالي 30 متبرع لنقل 50 متبرع يوميا لتغطية أيام العطلة ونهاية الأسبوع، مع العلم أن مدينة وجدة وحدها بها أكثر من 700000 نسمة، يوجد بينهم على أقل تقدير أكثر من 12000 قادر على التبرع مرة في السنة، تكون بمثابة زكاة سنوية وشهادة مواطن صالح تتجدد كل سنة بالإضافة للفوائد الصحية التي يستفيد منها لا يتسع المجال لذكرها. نضرا لقلة المتبرعين بالدم، تعتمد المراكز الجهوية على إجراء غير قانوني وهو إرغام أهل المريض على التبرع بالدم، ونحن في وجدة نعتمد حملات التبرع بالدم خارج المركز الجهوي، في المؤسسات التعليمية بالثانويات والجامعة وبعض المؤسسات التجارية والإدارات وحتى مقرات الأحزاب، وإن كانت بعض الأحزاب تتحفظ على تلبية الطلب، لأنها تخشى أن تكون حملة التبرع بالدم بمقرها مؤشر على قلة أعضاءها أو تراجع شعبيتها، ومن ناحية أخرى تتحفظ بعض الجهات حتى لا تستغل العملية للدعاية الحزبية؟؟ • لماذا يتم الاتجار بالدم، مادام المواطنون يتبرعون به؟ المتاجرة في الدم هي أقوى إشاعة واجهتنا منذ البداية، ولا زالت تطرح ليومنا هذا، والأمر يتطلب تدخلا رسميا، لأن هذه الإشاعة من أهم أسباب عزوف المواطن على التبرع بالدم، ولا ندري لماذا لا تتدخل الوزارة عبر وسائل الإعلام لتنوير المواطن، فمن ناحية علينا أن نقر أن الدم المتبرع به يحتاج لتحاليل ومصاريف قبل أن يحقن للمريض، وهده المصاريف مكلفة إذا أردنا أن نضمن الجودة، والوزارة عبر المركز الوطني والمراكز الجهوية تتحمل الجزء الأكبر وتدعو المريض أن يساهم بقدر قليل حوالي 300 درهم من أصل حوالي 2000 درهم مصاريف التحاليل المخبرية، إلى هذا الحد نحن كجمعية نتفهم الوضع، ولكن الإشكال هو أن الوزارة لا تفرق بين المتبرع وغير المتبرع، ولا تفرق بين المصاب بمرض مزمن وبين المصاب في حادث سير مثلا، والإشكال يزداد حدة مع المصحات الخاصة التي تكتب بشكل واضح في فاتورة التمريض وتنص على كون ثمن التحاقن أو ثمن الدم هو كذا، والصواب أن المريض يدفع في المصحة الخاصة ثمن عملية الحقن وليس ثمن الدم، ومع ذلك الوزارة الوصية تترك اللبس يلعب بعقول الناس، بينما يكفي أن تتدخل لتصحيح مطبوع المصحات، وتنص على كون الدم مجاني والمبيت بالمصحة هو المعني، حتى يتضح للمواطن أن المبيت بأرقى الفنادق أرخص، ونحن حاولنا عقد لقاء مع وزير الصحة لطرح هذه المشاكل واقتراح الحلول للرفع بمستوى الخدمات الصحية إلى المستوى المطلوب وإعادة الثقة للمواطن، ولكننا لم نفلح حتى في عقد اللقاء وبالأحرى أن نغير الوضع، والله مع الصابرين. إذا التجارة في الدم أساسها غياب دعم الجمعيات لتوفير الدم الكافي وكذلك لعدم وضوح المعطيات لدى المواطن الذي يستغل استعداده للتضحية من أجل مريض ليبتز ويطلب منه أداء ثمن مبهم وغير قانوني، وهل يملك أن يرفض في ظروف حرجة كالمرض؟؟ • إلى أين يذهب الدم المتبرع به؟ وهل المركز الجهوي للجهة الشرقية يحتفظ بالمخزون الكافي؟ الدم المتبرع به يخضع للتحاليل بالمركز الجهوي وفق قانون ومعايير محددة، ثم يتم توزيعه على المصحات الخاصة والمستشفيات العمومية، حسب الطلب، ويحتفظ بعينات كاحتياط للطوارئ. وبالنسبة للمخزون ينبغي أن يتجدد باستمرار، فحسب الوضع بعض نوع المخزون يمكن أن يحتفظ به لمدة سنة، والبعض لمدة أسبوع فقط، ولهذا الهدف عند الجمعية والمركز ليس عدد المتبرعين بالدم في الحملة، بل عدد المنتظمين ولو 50 في اليوم أفضل من حملة موسمية يفوق عددها المائة. فخير الأعمال أدومها ولو قلت. • ما هي الاحتياطات التي يجب اتخاذها لمواجهة مخاطر تراجع المخزون؟ المخاطر نعيشها كل يوم في غفلة الوزارة، فماذا يقع يوميا في المستعجلات؟ عوض أن يكون الدم متوفرا بالقدر الكافي كما هو الأمر بوجدة ولله الحمد، لإسعاف المصابين ويتم تعويض المخزون بصفة منتظمة، تلجأ المراكز في كل المدن المغربية لدق ناقوس الخطر، عبر نداءات يائسة إذ تكون الاستجابة ضعيفة حتى لا نقول غائبة، وكلنا لاحظ السيارات الخاصة التابعة للمركز الوطني بالشواطئ لا يلتفت لها أحد لغياب المصداقية وغياب الجمعيات المساندة، والخطورة تكمن في اللجوء إلى أي متبرع وعدم ضمان الجودة وبالتالي احتمال انتقال الأمراض الخطيرة عوض العلاج، ومن جهة أخرى يكون المجال واسعا للابتزاز وتشويه سمعة البلد. والعلاج هو العمل على توفير المتبرع المنتظم طول السنة عبر برامج واقعية بمساهمة الجمعيات الفاعلة. • ما مدى مساهمة جمعيات المجتمع المدني في المجال؟ وهل الدولة تدعمها في هذا الاتجاه؟ هذا السؤال أجيب عليه بالسؤال التالي: ما نصيب الجمعيات الصحية من الدعم العمومي بالمقارنة مع الدعم للجمعيات الرياضية مثلا؟؟ هل الرياضة تحل كل المشاكل؟؟ • ما تقييمكم بخصوص إقبال الناس على الوحدات المتنقلة للمراكز الجهوية لتحاقن الدم؟ نتمنى أن يكون لها إقبال، حينها يمكن الاستغناء على الجمعيات المتخصصة، ولكن حتى فرنسا لم تتمكن من الاستغناء عن العمل الجمعوي في هذا المجال، بل تدعمه ماديا ومعنويا، ونحن نشهد شهادة الحق، إذ تلقينا دعما معنويا في عدة مناسبات من عدة أطراف منهم الولاية والجماعة المحلية والمجلس العلمي ومندوبية وزارة الصحة والمركز الجهوي لتحاقن الدم بوجدة، بل من أطراف أجنبية من قبيل السفارة الألمانية بالرباط ومنظمة الصحة العالمية، ولكننا كنا نتطلع لتشجيع أكبر من طرف المركز الوطني والوزارة الوصية التي حاولنا لفت انتباهها عبر الرابطة المغربية لجمعيات المتبرعين بالدم، الذي هو إطار وطني تم تأسيسه بوجدة سنة 2004، ولكن مع الأسف لم نحس بالاهتمام المطلوب وإن كنا لن نيأس بعد، فلقد تسلحنا بالصبر الكافي ونسير نحو الهدف بثبات . • كيف يمكن أن تسود ثقافة التبرع بالدم في المجتمع المغربي؟ مع العلم أن هذه الثقافة أصبحت ضرورية في الوقت الحالي؟ ثقافة التبرع بالدم هي ثقافة التطوع وثقافة فعل الخير وثقافة البذل والعطاء، وكل هذا يتم ترديده كل جمعة في المنابر بحضور أغلبية المغاربة، يكفي فقط أن يعطى التبرع بالدم كمثال عملي لكل هذه المعاني لمن أراد التطبيق، وحتى لا يبقى الخطاب عاما لا يغير في الواقع شيء والله أعلم. • ما المشاكل المطروحة في المجال؟ المشكل الأول هو غياب التفاعل الإيجابي بين المتطوعين بالجمعيات والموظفين بالمؤسسات الصحية، وبالنسبة لوجدة هذا الأمر تحقق، حيث أغلب الأطر العاملة بالمركز الجهوي أعضاء فاعلة بالجمعية. المشكل الثاني غياب الدعم القار لتجهيز المقرات وخلق مناصب شغل قارة ومتفرغة لترقى الجمعية لمستوى مؤسسة قائمة بذاتها وضامنة للاستمرارية وتراكم التجربة، وبالنسبة لوجدة كذلك تعتبر مندوبية وزارة الصحة مساهمة بفعالية في منجزات الجمعية لأنها توفر المقر. المشاكل الأخرى تتعلق بالعنصر البشري الفاعل، ولكن هذا الأمر يتطلب فقط حسن التدبير لأن كل مدينة لها رجالها ونخبتها، وكما يقال: على أشكالها تقع الطيور أو كل إناء بما فيع يرش. • ما هي صورة المغرب على الصعيد الدولي في هذا المجال؟ سؤال مهم، وينبغي الإجابة عليه قبل أن ينزل تقريرا من جهة خارجية ربما غير منصفة لتضعنا في المؤخرة، وأفضل أن يكون الجواب من المعنيين بالأمر، الذي نعرفه نحن كجمعية هو وجود فدرالية مغاربية لجمعيات المتبرعين بالدم وفدرالية دولية لجمعيات المتبرعين بالدم، والسؤال من يمثل المغرب في هذه التجمعات؟ وهل الوزارة تتوصل بتقارير عن هذه التمثيلية؟ نحن لدينا معطياتنا قابلة للنشر حول صورة المغرب في هذه التجمعات، ونسعى جادين لتمثيل المغرب بصورة مشرفة إن أتيحت لنا الفرصة، ونتمنى أن تكون الوزارة على اطلاع تام بهذه التمثيلية.