الحكومة تصادق على رفع الحد الأدنى للأجور في النشاطات الفلاحية وغيرها    بايتاس يوضح بشأن "المساهمة الإبرائية" ويُثمن إيجابية نقاش قانون الإضراب    نجاة مدير منظمة الصحة العالمية بعد قصف إسرائيلي لمطار صنعاء    توقيف القاضي العسكري السابق المسؤول عن إعدامات صيدنايا    بورصة الدار البيضاء .. تداولات الإغلاق على وقع الإرتفاع    خلفا لبلغازي.. الحكومة تُعين المهندس "طارق الطالبي" مديرا عاما للطيران المدني    احوال الطقس بالريف.. استمرار الاجواء الباردة وغياب الامطار    السرطان يوقف قصة كفاح "هشام"    المغرب ينتج 4000 طن من القنب الهندي في 2024 دون خروقات قانونية    بشرى كربوبي تحتل المركز الخامس كأفضل حكمة في العالم لسنة 2024    قبل مواجهة الرجاء.. نهضة بركان يسترجع لاعبا مهما    الكلاع تهاجم سليمان الريسوني وتوفيق بوعشرين المدانين في قضايا اعتداءات جنسية خطيرة    حقوق الضحايا ترفض التشهير وتطالب بحفظ كرامة ضحايا الاعتداءات الجنسية بالمغرب    مدرب غلطة سراي: زياش يستعد للرحيل    تحديد فترة الانتقالات الشتوية بالمغرب    "الجبهة المغربية": اعتقال مناهضي التطبيع تضييق على الحريات    في تقريرها السنوي: وكالة بيت مال القدس الشريف نفذت مشاريع بقيمة تفوق 4,2 مليون دولار خلال سنة 2024    ستبقى النساء تلك الصخرة التي تعري زيف الخطاب    العسولي: منع التعدد يقوي الأسرة .. وأسباب متعددة وراء العزوف عن الزواج    جلالة الملك يحل بالإمارات العربية المتحدة    نشرة انذارية.. تساقطات ثلجية على المرتفعات بعدد من مناطق المملكة    مجلس الجالية يشيد بتبسيط إجراءات توثيق الزواج وإيجاد حل بديل بشأن التوارث في حالات الزواج المختلط    حصاد سنة 2024.. مبادرات ثقافية تعزز إشعاع المغرب على الخارطة العالمية    المغرب يفاوض الصين لاقتناء طائرات L-15 Falcon الهجومية والتدريبية    "زوجة الأسد تحتضر".. تقرير بريطاني يكشف تدهور حالتها الصحية    330 مليون درهم لتأهيل ثلاث جماعات بإقليم الدريوش    سرقة مجوهرات تناهز قيمتها 300 ألف يورو من متجر كبير في باريس    أبناك تفتح الأبواب في نهاية الأسبوع    المحافظة العقارية تحقق نتائج غير مسبوقة وتساهم ب 6 ملايير درهم في ميزانية الدولة    بيت الشعر ينعى محمد عنيبة الحمري    غياب الطبيب النفسي المختص بمستشفى الجديدة يصل إلى قبة البرلمان    المنتخب المغربي يشارك في البطولة العربية للكراطي بالأردن    استخدام السلاح الوظيفي لردع شقيقين بأصيلة    تعاونيات جمع وتسويق الحليب بدكالة تدق ناقوس الخطر.. أزيد من 80 ألف لتر من الحليب في اليوم معرضة للإتلاف    إسرائيل تغتال 5 صحفيين فلسطينيين بالنصيرات    أسعار الذهب ترتفع وسط ضعف الدولار    كندا ستصبح ولايتنا ال51.. ترامب يوجه رسالة تهنئة غريبة بمناسبة عيد الميلاد    أسعار النفط ترتفع بدعم من تعهد الصين بتكثيف الإنفاق المالي العام المقبل    "ال‬حسنية" تتجنب الانتقالات الشتوية    طنجة تتحضر للتظاهرات الكبرى تحت إشراف الوالي التازي: تصميم هندسي مبتكر لمدخل المدينة لتعزيز الإنسيابية والسلامة المرورية    الثورة السورية والحكم العطائية..    الضرورات ‬القصوى ‬تقتضي ‬تحيين ‬الاستراتيجية ‬الوطنية ‬لتدبير ‬المخاطر    "أرني ابتسامتك".. قصة مصورة لمواجهة التنمر بالوسط المدرسي    المسرحي والروائي "أنس العاقل" يحاور "العلم" عن آخر أعماله    مباراة ألمانيا وإسبانيا في أمم أوروبا الأكثر مشاهدة في عام 2024    جمعيات التراث الأثري وفرق برلمانية يواصلون جهودهم لتعزيز الحماية القانونية لمواقع الفنون الصخرية والمعالم الأثرية بالمغرب    مصطفى غيات في ذمة الله تعالى    جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المغرب و القمم العربية.. من المسارعة للاحتضان إلى الإرجاء و التأجيل
نشر في المساء يوم 28 - 02 - 2016

بلاغ غير عادي في ظروف عادية، هي السمة التي يمكن الخروج بها عند قراءة نص بيان وزارة الشؤون الخارجية والتعاون المغربية. أما كون الظروف عادية، فهي حالة الانقسام والانشطار التي يعرفها العالم العربي، وهي السمة البارزة والدائمة للوضع، حتى أن الواحد ليسأل ما الذي تغير؟ حيث التشرذم والتمزق صفة ملازمة منذ تأسيس الجامعة العربية منذ 1945، بل يمكن القول إن الصراعات في ما مضى كانت أكثر حدة ودموية من اليوم، مثل حرب اليمن 1962 بين جمهورية مصر الناصرية بقيادة الزعيم عبد الناصر وتورط جيشه في حرب ضروس ضد الملكية باليمن المدعومة من طرف الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية. أو الحرب الطاحنة داخل الفصيل الإيديولوجي نفسه كما كان بين تياري البعث العراقي والبعث السوري، علاوة على باقي الصراعات والانقسامات الأخرى، مثل الخلاف الدائم والمستمر بين المملكة المغربية والجمهورية الجزائرية، أو بين معسكر العقيد معمر القذافي وباقي خصومه…لذا، فالناظر في تاريخ الجامعة العربية ومعها تاريخ انعقاد قممها ليلاحظ بأن الصراع والخلاف والتشرذم هو سيد الموقف وهو الأصل، بينما التوافق ورأب الصدع والشقة هو الاستثناء النادر في تاريخ القمم العربية. وعليه فإذا كانت الحالة العربية الانقسامية هي الأصل، فالجديد هو حالة الإرجاء المغربية، والتي هي الصيغة المخففة والمؤدبة للاعتذار عن تأجيل القمة العربية رقم عشرين ونيفا. بل حتى هذا الموقف المغربي لا يمكن اعتباره استثنائيا، لأن علاقة المغرب ونظرته للمشرق قد تغيرت كثيرا ما بين العهد القديم، الذي كان ينافح المشارقة في عقر دارهم ولم يترك فرصة ولا مناسبة إلا ودعا إلى عقد قمة عربية وسارع إلى احتضانها، وبين العهد الجديد، الذي لم يعد يبدي تحمسا كبيرا لصراعات وقمم الأشقاء العرب، فهو يختلف كثيرا عن سالفه باستثناء علاقاته مع دول التعاون الخليجي، والتي ظلت مستقرة، نظرا لمتانتها و شخصانيتها تحديدا، فالعلاقة بين الملكية بالمغرب وباقي الأسر الملكية والأميرية بدول الخليج العربي هي علاقة متينة وشخصية بامتياز تتجاوز إطار الدولة والجامعة العربية بكثير، علاوة على بعدها الاقتصادي والاستثماري، مما جعل المملكة تحظى بشرف الانضمام أو بالأحرى الضم إلى دول المجلس التعاون الخليجي من دون أن تطلب ذلك! كما حدث عقب أحداث الربيع العربي في 2011 حينما فوجئ المغاربة بالقرار الخليجي بتوسيع مجلس التعاون الخليجي وضم المملكة المغربية وكذا المملكة الأردنية الهاشمية للاتحاد.
قراءة هادئة في بيان الإرجاء و التأجيل
عند قراءة بيان وزارة الشؤون الخارجية والتعاون المغربية، الصادر بحر الأسبوع الماضي حول «اعتذار» المغرب عن عدم استضافته للقمة العربية، و»تبريره» ذلك بعدم توفر الظروف الموضوعية للخروج بقرارات تستجيب لتطلعات الشعوب العربية. يلفت انتباه المتابع الحرص الدبلوماسي الكبير والشديد على اختيار المصطلحات بدقة وعناية كبيرة، ومعها تسجيل المواقف لدعم القرار المغربي أو كما نشرت وسائل الإعلام «تبريره». فالبيان لم يتحدث بالبت والمطلق عن كلمة اعتذار عن عدم الاستضافة للقمة العربية، بقدر ما تم الحديث عن قرار المملكة المغربية إرجاء حقها في تنظيم دورة عادية للقمة العربية. والغريب في الأمر أن عددا من المحللين المغاربة والمعلقين على القرار ركزوا على الشق الثاني في دعمهم ل»تبرير» القرار المغربي من دون الحديث عن الشق الأول، والذي هو أن قرار إرجاء المملكة المغربية لحقها في تنظيم دورة عادية للقمة العربية، أمر قانون وإجراء عادي جدا، يدخل ضمن القانون الداخلي المنظم لميثاق عمل جماعة الدول العربية. حيث نقرأ لبعضهم مثلا أن «غياب آليات فعالة لاتخاذ القرار داخل منظومة الجامعة العربية، وعدم قدرتها على اتخاذ قرارات حاسمة في ظل الانقسام العربي غير المسبوق في اليمن وسوريا والعراق ولبنان وليبيا». بينما ذهب البعض إلى أن ما دفع بالمغرب إلى اتخاذ هذا القرار هو الشعور بالمسؤولية عن تحقيق الحد الأدنى من شروط نجاح هذه القمة التي كان يُفترض أن يرأسها، «فهو لا يرغب في تحمل فشل قمة لا تتمتع بأي فرص للنجاح في تجاوز حالة الانقسام»… ومن الواضح وانطلاقا من العينات المأخوذة والمتوقف عندها، وسابقاتها من الأحداث المماثلة، أن الحقل السياسي المغربي لم يرتق بعد إلى مستوى التحليل والتفكيك للخطاب السياسي الرسمي وإعادة تركيبه، بقدر ما يزال رهينا لآلية التعليق على نص البيانات الرسمية، مع إعادة الاجتهاد في إعادة الصياغة للجمل فقط.
وتستوقفنا في بيان وزارة الشؤون الخارجية والتعاون، عدد من الملاحظات:
1 / وهي سيادية ملف السياسة الخارجية، في إشارة واضحة ودالة على أن وزارة الشؤون الخارجية والتعاون كانت ولا تزال من الوزارات السيادية التي لا تتغير بالمناخ الانتخابي ولا الحكومي، حتى ولو اعتلى كرسيها وزير يحمل لون حزب سياسي، مثل صلاح الدين مزوار عن حزب التجمع الوطني للأحرار، وقبله سعد الدين العثماني عن حزب العدالة والتنمية، إلا أنهم لا يَعْدون مجرد وزراء تنفيذيين ليس أكثر، فنقرأ أنه: « بتعليمات من صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، أبلغ السيد صلاح الدين مزوار، وزير الشؤون الخارجية والتعاون، يومهُ الجمعة 19 فبراير 2016، معالي الدكتور نبيل العربي، الأمين العام لجامعة الدول العربية، قرار المملكة المغربية بإرجاء حقها في تنظيم دورة عادية للقمة العربية». وبذلك تبقى السياسة الخارجية للمملكة في منأى عن تقلبات الحكومة والبرلمان.
2 / تطالعنا في البيان نفسه، مبررات اتخاذ هذا القرار من طرف وزارة الخارجية، وهنا لا بد من تقسيم المبررات إلى نوعين:
أ-على مستوى الشكل: يخبر البيان بأن الموقف المتخذ من طرف المملكة المغربية، هو موقف طبيعي أي أنه لا يخالف ميثاق جامعة الدول العربية، بل يفتل في حبلها ويدور في رحاها فنقرأ: «وقد تم اتخاذ هذا القرار طبقا لمقتضيات ميثاق جامعة الدول العربية». علاوة على «المشاورات التي تم إجراؤها مع عدد من الدول العربية الشقيقة، وبعد تفكير واع ومسؤول، ملتزم بنجاعة العمل العربي المشترك، وبضرورة الحفاظ على مصداقيته.» أي أنه ليس بالقرار الفردي الأحادي بل بناء على مشاورات، صحيح أنه لم يخبرنا البيان عن الجهات الصديقة التي تمت مشاورتها، والتي ستكون على رأسها الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية، وبدرجة ثانية الإمارات العربية المتحدة، والتي تحاول أن يكون لها موطئ قدم على مستوى اللاعبين الكبار بالعالم العربي.
ب- على مستوى المضمون: يخبرنا البيان نفسه أن «الظروف الموضوعية لا تتوفر لعقد قمة عربية ناجحة، قادرة على اتخاذ قرارات في مستوى ما يقتضيه الوضع، وتستجيب لتطلعات الشعوب العربية»، مضيفا أنه وأمام غياب قرارات هامة ومبادرات ملموسة، يمكن عرضها على قادة الدول العربية، فإن هذه القمة ستكون مجرد مناسبة للمصادقة على توصيات عادية، وإلقاء خطب تعطي الانطباع الخاطئ بالوحدة والتضامن بين دول العالم العربي….». ويبدو أن هذا صحيح إلى حد بعيد، ولكن منذ متى كانت القمة العربية موعدا لتوحيد الصفوف واتخاذ القرارات المصيرية والكبيرة؟ ومنذ متى لم تكن القمم العربية مجرد مناسبات خطاباتية ليس إلا؟
3 / إشهار ورقة القدس والقضية الفلسطينية باعتبارها القضية الأولى وأقدم ملف وجرح عربي، إذ جاء في البيان :» لا يريد المغرب أن تعقد قمة بين ظهرانيه دون أن تُسْهِمَ في تقديم قيمة مضافة في سياق الدفاع عن قضية العرب والمسلمين الأولى، ألا وهي قضية فلسطين والقدس الشريف، في وقت يتواصل فيه الاستيطان الإسرائيلي فوق الأراضي الفلسطينية المحتلة وتنتهك فيه الحرمات ويتزايد فيه عدد القتلى والسجناء الفلسطينيين».
4 / ذكر الجهود المغربية على مستوى حل الأزمات العربية، إذ يردف البيان :»وهذا ما ألهم المساهمة البناءة والدور المشهود به للمغرب في دعم المسار السياسي بليبيا والذي أفضى إلى اتفاق الصخيرات التاريخي وتشكيل حكومة وحدة وطنية في هذا البلد المغاربي الشقيق».
5 / دعم المغرب للقضايا العادلة، ومن الواضح أن هناك من القضايا حسب منظار السياسة الخارجية المغربية، قضايا عادلة، وهي التي سيواصل المغرب عمله الدؤوب في خدمتها، علاوة على عمله أي المغرب على محاربة الانقسامات الطائفية، التي تغذي الانغلاق والتطرف، ومن أجل تطوير دور جامعة الدول العربية كمحفز للمشاريع المجتمعية الكبرى». في مقابل قضايا وملفات لا ترقى إلى مرتبة القضايا العادلة، كالصراعات السياسية والطائفية ….
القمم العربية التي احتضنتها المملكة المغربية
من اللافت أن كل القمم العربية التي احتضنتها المملكة المغربية، كانت في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، لا سيما مرحلة نهاية السبعينيات، وبداية الثمانينيات من القرن الماضي، وهي المرحلة التي بلغ فيها التشرذم العربي أوجه، في صراعات داخلية طاحنة، خاصة بعد انفراد مصر السادات بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد مع الكيان الصهيوني، وما ترتب عنه من تجميد عضويتها. علاوة على المقترح السعودي من أجل إعلان سلام دائم بمنطقة الشرق الأوسط، والذي جُوبه برفض شديد من طرف سوريا وليبيا، حتى أنه كان مجرد التفكير في عقد قمة بمثابة النجاح الباهر، فما بالك بعقدها وجمع الأطراف المتصارعة فيها وتقريب وجهات النظر المتباعدة. وهي المهمة التي برع فيها الحسن الثاني بشكل لافت.
القمة العربية بالدار البيضاء/ شتنبر 1965
كانت أول قمة عربية يحتضنها المغرب، تلك التي عقدت بالدار البيضاء في 13 سبتمبر، بدعوة من الملك الحسن الثاني، حيث عرفت مشاركة 12 دولة عربية، إضافة إلى منظمة التحرير الفلسطينية، بينما شهدت مقاطعة تونس، نتيجة الخلاف الذي كان بين الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة والزعيم المصري جمال عبد الناصر. وقد صدر عن القمة بيان ختامي فيه مجموعة من القرارات الهامة منها: الموافقة على نص ميثاق التضامن العربي وتوقيعه من قبل ملوك ورؤساء الدول العربية المجتمعين، ومؤازرة الدول العربية، ومساندة الجنوب المحتل والخليج العربي، والمطالبة بتصفية القواعد الأجنبية، وتأييد نزع السلاح ومنع انتشار الأسلحة النووية، ثم دعم منظمة التحرير الفلسطينية وجيش التحرير، ودراسة مطلب إنشاء المجلس الوطني الفلسطيني، وإقرار الخطة العربية الموحدة للدفاع عن قضية فلسطين في الأمم المتحدة والمحافل الدولية. ومواصلة استثمار مياه نهر الأردن وروافده طبقا للخطة المرسومة، والتخلي عن سياسة القوة وحل المشاكل الدولية بالطرق السلمية.
2_ القمة العربية بالرباط/ دجنبر 1969
وانعقد في مدينة الرباط من 21 إلى 23 دجنبر 1969، وبعد مد وجزر كبيرين نتيجة لعودة الخلافات العربية التي حالت دون عقده في موعده الأصلي قبل عام. حيث سبقت هذا المؤتمر جلسات مكثفة لوزراء الخارجية والدفاع العرب خلصوا فيها إلى عدد من القرارات أهمها:
أولا: فشل الحل السلمي ووصوله إلى طريق مسدود جعلاً الطريق الوحيد أمام العرب طريق التعبئة والقوة والحشد والإعداد لأعمال مادية جدية منظمة.
ثانيا: دعم الثورة الفلسطينية بكل طاقات الأمة العربية، ودعم الصمود العربي في الأراضي المحتلة. ثالثا: اعتبار موقف الولايات المتحدة بالسماح للمواطنين الأمريكيين بالعمل في الجيش الإسرائيلي عملاً عدوانياً. غير أن الخلافات الحادة بين بعض القادة المشتركين في المؤتمر أدت إلى ما اعتبره البعض إخفاقا. فقد قاطعت كل من العراق وسورية واليمن الديمقراطية جلسته الختامية، ورفض المشاركون في المؤتمر توقيع النص النهائي الذي قيل إنه كان يعطي الرئيس عبد الناصر تفويضاً لتنظيم الدفاع العربي في مواجهة إسرائيل، ما حال دون إصدار المؤتمر للبيان الختامي. ونعود لمذكرات الدكتور عبد الهادي بوطالب، والذي حضر أشغال المؤتمر ممثلا للمغرب بوصفه وزيرا للخارجية، نتيجة ترؤس الملك الحسن الثاني للمؤتمر، حيث كان بوطالب هو ممثل المغربي في المؤتمر: « نجحت القمم العربية. وكان من بين من حضرها الرئيس جمال عبد الناصر، والملك فيصل بن عبد العزيز، والرئيس هواري بومدين، والعقيد معمر القذافي الذي جاء مرتديا ثياب الميدان (بذلة عسكرية خضراء) وكان يحمل مُسَدَّسا مُغَلَّفا». كانت قضية النزاع العربي الإسرائيلي تجتاز منعطفا صعبا. فالرئيس عبد الناصر جاء يحمل هما كبيرا عرضه على المؤتمر وقال: «نحن في مصر لا نزال على استعداد لمقاومة العدوان، الإسرائيلي، ولا نريد أن نستسلم لإسرائيل، ونلتزم بجميع القرارات التي اتخذناها في قمة الخرطوم، لكني لا أخفيكم أن مصر غير قادرة على ممارسة هذه السياسة من دون أن تكون لها وسائلها». وأضاف عبد الناصر بصيغة «الأمر»: «من الآن أريد أن أعرف كم سيدفع كل واحد منكم. فأنا بحاجة إلى بقشيش !». ووجدت الدول العربية الغنية نفسها في موقف حرج. فهي لم تكن تتوقع أن تضغط عليها مصر بهذه الطريقة، بل كانت تفضل أن تكون هذه الأمور موضوع اتصالات ثنائية سرية عن طريق الدبلوماسية العادية. أما الحادثة الثانية التاريخية وهي التي صنعها العقيد معمر القذافي، والذي لم يمض على وصوله الانقلابي للسلطة غير ثلاثة أشهر فقط ! حيث ساهم في توتير القمة المتوترة أصلا عبر موقفين:
الموقف المحرج الأول: أنه كان ينادي قادة وملوك وأمراء ورؤساء الدول العربية المشاركة في القمة من دون ألقاب، فكان يخاطب كلا من الملك الحسن الثاني والملك فيصل بعبارة: «الأخ» ولم يتوجه إلى أحد باسم صاحب الجلالة أو الفخامة والسمو. وفي المقابل كان الحسن الثاني يخاطبه بعبارة: «معالي العقيد»، حيث كان يتجنب مناداته باسم رئيس الجمهورية أو قائد الثورة. أما الموقف المحرج الآخر للقذافي فهو وفي أثناء كلمته الداعمة لكلمة الزعيم عبد الناصر، وفي حركة لا إرادية وضع القذافي يده على مسدسه وهو في حالة انفعال، فما كان من الملك فيصل إلا أن انتفض من مكانه قائلا:» أنا مضطر لمغادرة هذا الاجتماع، نحن ما جئنا ليهددنا أحد بالمسدس! ولا يعقل والحال هذه ألا يتوفر أي أحد منا على مسدسه للدفاع عن النفس. والسيد القذافي يحرك مسدسه مهددا، ونحن عزل من كل سلاح»، ويروي بوطالب أن الملك فيصل غادر القاعة غضبانا محتجا، وتبعه الرئيس عبد الناصر يستعطفه ويرجوه العودة للقاعة، ولحق بهما الملك الحسن الثاني، وتوقفت الجلسة مدة، قبل أن تستأنف.
3_ القمة العربية بالرباط أكتوبر 1974
وقد عرفت حضور جميع الدول العربية، بما فيها الصومال التي انضمت إلى جامعة الدول العربية بعد مؤتمر الجزائر1973. كما كان التمثيل فيه عموماً على مستوى القمة رفيع المستوى، باستثناء ليبيا التي أوفدت سفيرها في باريس ممثلاً شخصياً للعقيد معمر القذافي. ورغم عدم صدور بيان ختامي رسمي عن المؤتمر إلا أن ما نشر وتم الاتفاق عليه يشير إلى أنه كان أكثر مؤتمرات القمة العربية إيجابية. ومن أهم المقررات التي تم اتخاذها بالقمة السابعة بالرباط وأبرزها، تسطير القمة لما اصطلح عليه حينها: بالهدف المرحلي للأمة العربية، والذي تضمن: تأكيد القمة لقرارات مؤتمر القمة العربي السادس الآتية: التحرير الكامل لجميع الأراضي العربية المحتلة في عدوان يونيو1967م وعدم التنازل أو التفريط في أي جزء من الأراضي أو المساس بالسيادة الوطنية عليها.
ج- تحرير مدينة القدس العربية وعدم القبول بأي وضع من شأنه المساس بسيادة العرب الكاملة على المدينة المقدسة.
د- الالتزام باستعادة الحقوق للشعب الفلسطيني وفق ما تقرره منظمة التحرير الفلسطينية بوصفها الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني.
ه- قضية فلسطين هي قضية العرب جميعاً. ولا يجوز لأي طرف عربي التنازل عن هذا الالتزام، وذلك وفق ما أكدته مقررات مؤتمرات القمة العربية السابقة.
أما على مستوى المقررات التفصيلية والإجرائية فقد تقرر: التسوية النهائية لمسألة تمثيل الشعب الفلسطيني، حيث قرر المؤتمر وبالإجماع هذه المرة ومعه موافقة الأردن، على أن منظمة التحرير الفلسطينية دون سواها هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني. وهو ما وضع حدا للتنازع العربي الداخلي حول قضية تمثيل فلسطين. ثانيا تخصيص دعم مالي سنوي قدره 2.350 مليون دولار لدول المواجهة ومنظمة التحرير الفلسطينية يوزع على النحو التالي: 1.250 مليون دولار لمصر، و1.000 مليون دولار لسورية، و100 مليون دولار لمنظمة التحرير. ثالثا دراسة الاحتمالات العسكرية المقبلة واتخاذ التدابير اللازمة لدرء أي عدوان إسرائيلي جديد. رابعا تمتين التعاون العربي – الأوروبي، والعربي_ الآسيوي، والعربي–الإفريقي. كانت مرحلة الثمانينيات مرحلة حُبلى بالأحداث الجسام التي زادت الأمة العربية جراحا وفرقة، بداية من تجميد عضوية جمهورية مصر العربية، ونقل الأمانة العامة لجامعة الدول العربية من القاهرة إلى تونس وانتخاب التونسي الشاذلي القليبي كأمين عام للجامعة العربية، ثم بداية حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران، علاوة على اجتياح لبنان بالكامل من طرف إسرائيل…وقد رام الحسن الثاني أن يكون في قلب الصورة، وأن يكون دوره فعالا في الأحداث العربية مرحلة الثمانينيات خاصة، وهو ما جعل المملكة تحتضن أربع قمم عربية في 1981، و1982 و1985 و1989.
4_القمة العربية بفاس/ نوفمبر 1981
في آخر قمة بعمان أكد المؤتمر على مبدأ اجتماعاته مرة كل عام مختاراً المملكة المغربية مكانا للقمة العربية 12، وهو ما حدث حيث انعقدت القمة بمدينة فاس في 25 نوفمبر 1981، وعرفت مشاركة جميع الدول العربية باستثناء جمهورية مصر العربية، وانتهت أعمال المؤتمر بعد خمس ساعات فقط من الافتتاح، حين رفضت الجمهورية العربية السورية مسبقا خطة الملك فهد بن عبد العزيز( والذي كان في حينه لا يزال وليا للعهد) لحل أزمة الشرق الأوسط، ما تقرر عنه إرجاء أعمال المؤتمر إلى وقت. والمذكرة التي قدمتها المملكة العربية السعودية، المسماة إعلان المبادئ الثمانية المقترحة كأساس لحل عادل وشامل للقضية الفلسطينية. أو ما عرف أيضا باسم مشروع الأمير فهد بن عبد العزيز، وتقضي ب:
1_ انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967، بما فيها القدس العربية.
2_ إزالة المستعمرات التي أقامتها إسرائيل في الأراضي العربية بعد عام 1967.
3_ ضمان حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية لجميع الأديان في الأماكن المقدسة.
4_ تأكيد حق الشعب الفلسطيني وتعويض من لا يرغب في العودة.
5_ تخضع الضفة الغربية وقطاع غزة لفترة انتقالية تحت إشراف الأمم المتحدة ولمدة لا تزيد عن بضعة أشهر.
6_ قيام الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس.
7_ تأكيد حق دول المنطقة بالعيش بسلام.
8_ تقوم الأمم المتحدة أو بعض الدول الأعضاء فيها بضمان تنفيذ تلك المبادئ.
5_القمة العربية بفاس/سبتمبر 1982
وقد عقدت في فاس يوم 6 سبتمبر 1982، وعرفت مشاركة 19 دولة، باستثناء مصر وليبيا المتغيبتين عن القمة، وتم الاعتراف فيها ضمنيا بوجود إسرائيل، حيث صدر عنه بيان ختامي تضمن مجموعة من القرارات أبرزها: إقرار مشروع السلام العربي مع إسرائيل، والإدانة الشديدة للعدوان الإسرائيلي على الشعبين اللبناني والفلسطيني، ودعم المؤتمر للعراق في حربه ضد إيران واعتبار أن أي اعتداء على أي قطر عربي هو اعتداء على البلاد العربية جميعا، مع دعوته أي مؤتمر القمة إلى التزام الطرفين العراق وإيران بقرارات مجلس الأمن، ثم مساندة الصومال في مواجهته للقوات الإثيوبية المحتلة لأراضيه.
6_مؤتمر القمة بالدار البيضاء / غشت 1985
وقد ترأسه الملك الحسن الثاني، وكان الهدف الأساسي من انعقاده، تنقية الأجواء الداخلية بين الدول العربية، وتحقيق المصالحة العربية- العربية، ودعم القضية الفلسطينية، ومساندة العراق في حربه ضد إيران. ولهذه الغاية انبثقت عن المؤتمر لجنتان، اللجنة الأولى: وتكونت من السعودية وتونس، لإزالة الخلافات بين سوريا وكل من الأردن والعراق. وأما اللجنة الثانية: فتكونت من المغرب والإمارات وموريتانيا، من أجل تسوية الخلافات بين ليبيا وكل من العراق، ومنظمة التحرير الفلسطينية. كما بحث المؤتمر، في الاتفاق الأردني – الفلسطيني الذي كان قد وقع بعمان في 11 فبراير1985.
7_مؤتمر القمة بالدار البيضاء / أبريل 1989
وهو آخر مؤتمر قمة عربية يعقد في المغرب، والذي ترأسه الملك الحسن الثاني، وانكب على مناقشة ثلاثة محاور رئيسة: تطورات القضية الفلسطينية، والأزمة اللبنانية، والوضع بين العراق وإيران بعد توقف الحرب. وكانت عودة جمهورية مصر العربية للحظيرة العربية أبرز حدث في القمة، بعد غياب دام 12 عاما. وفيه قرر المؤتمرون الاستمرار في دعم الانتفاضة الفلسطينية، وإدانة جرائم الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، ودعوة مجلس الأمن الدولي إلى تحمل مسؤولياته تجاه تلك الجرائم. كما أشادت القمة بنضال المواطنين السوريين في الجولان السورية المحتلة، وبنضال المقاومة اللبنانية في جنوب لبنان وأكد البيان الختامي للمؤتمر على ما يلي: دعمه لخطة السلام العربية التي أقرها مؤتمر القمة العربي الثاني عشر في فاس، والتي تهدف إلى إزالة الاحتلال الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967، وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه الوطنية الثابتة بما فيها حقه في العودة وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية ممثله الشرعي والوحيد.
كما رحب المؤتمر بقرارات الدورة التاسعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني وأكد دعمه لمبادرة السلام الفلسطينية المستندة إلى خطة السلام العربية والشرعية الدولية. وبارك المؤتمر قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وأعرب عن عزمه على توفير كل مقومات الدعم والمساندة لها، وعن تقديره للدول الصديقة التي اعترفت بها. وأيدت القمة عقد المؤتمر الدولي للسلام في الشرق الأوسط بمشاركة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وجميع أطراف الصراع بما فيها منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. كما شكل المؤتمر لجنة عليا برئاسة الملك الحسن الثاني، للتحرك وإجراء الاتصالات الدولية المناسبة باسم الجامعة العربية من أجل تنشيط عملية السلام والمشاركة في الإعداد للمؤتمر الدولي.
بين العهد الجديد و العهد القديم
كان الملك الحسن الثاني عاشقا لاحتضان المغرب للقمم العربية، ففي عهده حازت المملكة المغربية قصب السبق في احتضانها لأكبر عدد من الاستضافات للقمم العربية، والتي بلغت سبع قمم عربية احتضنتها الرباط وفاس والدار البيضاء، علاوة على ثلاث قمم إسلامية. فقد كانت فلسفة الحسن الثاني ترى بأن المغرب لا يقل عروبة وإسلامية عن المشرق، رغم عوامل الجغرافية والبعد، وبأنه لا يوجد هناك مركز بالمشرق العربي وأطراف بالمغرب العربي، بل الكل سواسية في ميراث العروبة. والحال أن سياسة الحسن الثاني واحتضانه المستمر والمتوالي للقمم العربية، وحضوره الدائم على الساحة السياسية الدولية وكاريزميته أعطت المملكة حضورا قويا على الصعيد العربي وحتى الدولي لا سيما فيما يتعلق بالملف الشائك والعويص، ملف القضية الفلسطينية. كما أن العلاقات الشخصية والطيبة بل وصداقته مع عدد من القادة العرب ساهمت في إنجاح القمم العربية التي احتضنتها المملكة. لكن هذا لوحده لا يكفي لتفسير ظاهرة مسارعة مغرب الحسن الثاني لاحتضان القمم العربية، بل في تقديرنا أن هناك ثلاثة عوامل محورية ومحددة لنظرة كل من عهد الحسن الثاني، والعهد الجديد للقضايا العربية وعلاقة مغرب-مشرق.
العامل الأول: الزمن الإديولوجي: لقد كانت مرحلة الخمسينيات والستينيات وصولا إلى السبعينيات والثمانينيات، مرحلة الحراك الإيديولوجي العربي، بين المعسكر الليبرالي بقيادة أمريكا، في مقابل المعسكر الشرقي برعاية الاتحاد السوفياتي البائد إلا أدبيات وزير الخارجية والتعاون السيد صلاح الدين مزوار، وهو ما ولد استقطابا شديدا وحادا، نتج عنه هذا التجاذب الداخلي على الساحة العربية، والصراعات بالوكالة.
العامل الثاني: عصر الزعامات، لقد كانت المرحلة نفسها من الخمسينيات وإلى السبعينيات وبداية الثمانينيات مرحلة الزعامات العربية، فالكل كان يحاول أن يظهر بمظهر الزعيم الخالد ومحبوب الجماهير، وقرة عين الشعوب، فهذا جمال عبد الناصر في مصر ثم من بعده محمد أنور السادات بدرجة أقل وكاريزمية أكبر، وصدام حسين بالعراق، وحافظ الأسد بسوريا، وفهد وقبله فيصل بالسعودية، ومعمر القذافي بليبيا، وغير بعيد عنه الحبيب بورقيبة بتونس والهواري بومدين بالجزائر. وقد كانت القمم العربية بمثابة المحافل المناسباتية لإبراز الكاريزمية والزعامة والتميز.
العامل الثالث: طبيعة تكوين المستشارين، لقد كان الديوان الاستشاري الملكي في عهد الحسن الثاني يعج بشخصيات من خريجي جامعة القرويين أولا، وذات انتماءات عروبية ثانيا، علاوة على توليتها لمناصب السفارة في المشرق العربي، وبذلك معرفتها الجيدة بخبايا الشرق، فمنهم شاهدنا أسفله المستشار الملكي الدكتور عبد الهادي بوطالب خريج القرويين، والذي خبر المشرق سفيرا قبل أن يصبح مستشارا، حيث كان سفيرا للمملكة بالجمهورية السورية، وأيضا المستشار الملكي أحمد بن سودة، والذي كان عين الحسن الثاني على المشرق، حيث شغل أيضا منصب سفير بلبنان بداية الستينيات قبل أن يتم تعينه في منصب مستشار. ثم مدير الديوان الملكي ومستشار الملك محمد عواد، والذي كان أول مدير عام للديوان الملكي عام 1959، قبل يراكم تجربة السفارة بالدول العربية المجاورة، كسفير بالجزائر وسفير بتونس من 1962 إلى 1965، ثم سفير بتونس إلى غاية 1967. عكس بنية المستشارين في العهد الجديد، والذين ليسوا من خريجي الجامعات العتيقة كالقرويين، ومعرفتهم واحتكاكهم بالمشرق تكاد تكون محدود جدا. ويكتب مستشار الحسن الثاني ووزير خارجيته، الراحل عبد الهادي بوطالب في مذكراته واصفا الملك الحسن الثاني في نظرته للقضايا العربية:» لقد كان الملك الحسن الثاني مهتما بالقضايا العربية وأشد ما يكون الاهتمام بالقضية الفلسطينية. وهذا يجب أن يذكره التاريخ له بكل موضوعية. كان يتطلع إلى أن يلعب المغرب دورا طلائعيا في توحيد الصف العربي. وكان على استعداد لأن يستضيف المؤتمرات العربية، وبعد ذلك القمم الإسلامية. وكان يعتبر أن قيام المغرب بهذا الدور الطلائعي يدخل في سياسته الرامية إلى جعل المغرب مركز إشعاع حضاري يقتعد مكانا متميزا في العالم العربي الإسلامي. وقد نجح في ذلك بدءا من السبعينيات وإلى منتصف التسعينيات»… لقد كانت أول قمة عربية يحضرها الملك الحسن الثاني تلك التي عقدت بمصر عام 1964 ومنها زاد اهتمام الملك اهتماما بالقضايا العربية، حيث يضيف المستشار الملكي عبد الهادي بوطالب والذي رافق الملك إلى القاهرة قائلا: « يحسن أن أذكر أن أول قمة عربية حضرها الملك الحسن الثاني كانت قمة القاهرة سنة 1964 في عهد الرئيس جمال عبد الناصر وكان لي شرف مرافقته. ومنذ ذلك أخذ اهتمام الملك يتنامى أكثر فأكثر بتطور القضية العربية وخاصة قضية فلسطين. وكان يعتبر أن من واجبه كعربي ومسلم أن يعمل أن تتحرر الأقطار العربية من مخلفات الاستعمار وأن تكون سيادتها كاملة، وأن ينشأ بينها ترابط عضوي. وأؤكد لك أن الملك الحسن الثاني كان في المغرب أكثر المسؤولين تعاطفا مع القضية العربية وأشدهم اهتماما بها ومتابعة لها، بينما كانت أغلبية وزرائه ومساعديه لا تهتم بالشأن العربي الإسلامي لأنها تلقت ثقافة غربية في فرنسا أو تأثرت بثقافتها ونظرتها إلى العالم العربي الإسلامي. وكانت هذه الجماعة لا تعرف إلا القليل النادر عن العالم العربي الإسلامي ومن جَهِل شيء عاداه كما يقال. الملك الحسن الثاني كان مزدوج الثقافة والتربية ورجل التوفيق الذي لم يحوِّل قِبلته عن الغرب ولكن كان يتجه في نفس الوقت إلى قِبلة المشرق العربي.» ويجدر بنا أن نشير إلى أنه وعلى عكس من تحملوا الحقائب الوزارية في عهد الحسن الثاني وتكوينهم المفرنس وبعدهم عن المشرق، فإن المستشارين كانوا على العكس منهم تماما، فكلهم أو معظمهم من خريجي التعليم العتيق وجامعة القرويين بفاس تحديدا، وكلهم كانت لهم انتماءات ونزوعات عروبية وارتباط ما بالمشرق كما ذكرنا سالفا. ويضيف عبد الهادي بوطالب في مذكراته: «كان يطمح إلى أن يكون للمغرب وله شخصيا دور طليعي في معالجتها ونصرتها. ولأجل ذلك كان ينفق بسخاء على تنظيم استقبال القمم العربية بالمغرب. وكان كثيرا ما يقول عنه عدد من قادة الدول العربية وسمعت ذلك منهم شخصيا حينما كنت أذهب إليهم مبعوثا من جلالة الملك لتحضير القمم العربية بالمغرب: «يكفي أن تنعقد القمة تحت رئاسة الملك الحسن الثاني لتكون ناجحة». سمعت ذلك من الملك فيصل ثم من الملك فهد، ومن الشيخ زايد بن سلطان، وسمعته مرارا من الرئيسين جمال عبد الناصر وأنور السادات ومن رؤساء وأمراء وشيوخ آخرين. كانت الدول العربية تفضل أن تُعقَد القمة في المغرب بعيدا عن أجواء المنطقة العربية. وقد ساعد الملكَ الحسنَ الثاني على لعب دوره هذا عدمُ تورطه في الخلافات العربية -العربية، وارتباطه الوثيق بعلاقات طيبة مع جميع الأطراف العربية بدون استثناء. كما أن قوة شخصيته كانت تساعده على إدارة جلسات القمم العربية والإسلامية التي كان يرأسها بعقلانية وضبط ودقة، حيث كان يعرف كيف يوفق بين الآراء المتعارضة ويُوجِد المخرج السياسي الحكيم لتلافي الوقوع في المآزق. وأذكر أن كلمة «تعليق القمة» صدرت لأول مرة منه عندما انتهت إحدى القمم الإسلامية إلى خلاف، وكان سيصدر بيان يعلن عن فشلها. ففاجأ الملوك والرؤساء بقوله: «لقد قررت تعليق القمة إلى أن تجتمع لاستكمال جدول الأعمال في جلسة لاحقة». وتفرقت القمة واجتمعت مرة أخرى في جو لا توتر فيه. وكانت هذه القمة الأولى من نوعها التي توقفت دون أن تنتهي».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.