وسط دوي صدى التساؤل حول إمكانية نجاحها في حل الخلافات العربية المستشرية أو فشلها في ذلك وبقاء القديم على قدمه، انعقد مؤتمر قمة "سيرت" الليبية في غياب بعض الحكام العرب الذين كان من المفترض أن يكونوا مهمين قياساً بحجم دولهم والأدوار السياسية المنوطة بها. ومؤتمر القمة هذا هو المؤتمر الثاني والعشرون، على اعتبار أن العدد الإجمالي لدورات القمم العربية تجاوز الثلاثين، مع احتساب كل الدورات الطارئة التي بلغ عددها 11 قمة غير عادية. فمنذ مؤتمر قمة "انشاص" المصرية في العَقد الرابع من القرن الماضي، وصولاً إلى قمة المصالحات العربية الأخيرة في الدوحة والتي انعقدت في نهاية آذار من العام التاسع للألفية الثالثة الجارية، يتوالى عقدُ مؤتمراتِ القمة العربية واحداً تلو الآخر ، وما بين العاديّ منها والطارئ، ثمة قضايا جوهرية بات عمرُها من عمر المؤتمرات ولا حاجة إلى تعدادها أو إعادة اجترارها لأنها لا تفيد أو تضر ولا تقدم أو تؤخر. لقد بدأ تاريخ القمم العربية بوصفها مؤسسة سياسية، في العام ستة وأربعين من القرن الماضي مع التئام القمة العربية الأولى في مصر. ومنذ ذلك التاريخ , عقدت ثماني عشرة قمة عادية وأحد عشر مؤتمر قمة طارئاً كان آخرها مؤتمر القاهرة في العام الفين لدعم الانتفاضة الفلسطينية. وفي ما يلي نبذة موجزة عن مؤتمرات القمة العربية : قمة أنشاص .. عقدت في أيار من عام 1946 بدعوة من الملك فاروق في قصر أنشاص، وصدرت عن القمة مجموعة من القرارات ركزت على قضية فلسطين وعروبتها، إلى جانب مساعدة الشعوب العربية على نيل استقلالها من المستعمر . قمة بيروت : عقدت بعد عشر سنوات في تشرين الثاني من العام 1956 إثر الاعتداء الثلاثي على مصر، ودعت إلى مناصرة مصر ضد العدوان الثلاثي، وتأييد نضال الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي . مؤتمر القاهرة الأول .. عقد في كانون الثاني من العام 1964 ، في مقر الجامعة العربية في القاهرة بناء على اقتراح الرئيس المصري جمال عبد الناصر . البيان ختامي شدد على اهمية الإجماع على إنهاء الخلافات العربية، ودعوة دول العالم إلى الوقوف إلى جانب العرب في دفع العدوان الإسرائيلي . قمة الإسكندرية .. عقدت في أيلول من العام نفسه ودعت إلى دعم التضامن العربي والترحيب بمنظمة التحرير الفلسطينية . قمة الدار البيضاء .. عقدت في أيلول من عام 1965. وقررت الالتزام بميثاق التضامن العربي، ودعم قضية فلسطين عربيا ودوليا، والتخلي عن سياسة القوة وحل المشاكل الدولية بالطرق السلمية . قمة الخرطوم .. وعقدت في آب من عام 1967 وصدر عنها قرار اللاءات الثلاثة ضد اسرائيل وهي لا صلح، ولا تفاوض ، ولا اعتراف. قمة الرباط ..عقدت في كانون الأول من عام 1969 ودعت إلى إنهاء العمليات العسكرية في الأردن بين المقاتلين الفلسطينيين والقوات المسلحة الأردنية، ودعم الثورة الفلسطينية . مؤتمر الرباط .. عقد في الشهر نفسه من العام نفسه في الرباط، وشاركت فيه أربع عشرة دولة عربية، بهدف وضع استراتيجية عربية لمواجهة إسرائيل، ولكن قادة الدول العربية افترقوا قبل أن يصدر عنهم أي قرار . مؤتمر قمة القاهرة عقد في العام 1970 .. بعد أحداث أيلول الأسود التي شهدتها المخيمات الفلسطينية في الأردن وكان من أهم التوصيات، الإنهاء الفوري لجميع العمليات العسكرية من جانب القوات المسلحة الأردنية وقوات المقاومة الفلسطينية، وتضمن مصالحة كل من الراحل ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية وملك الأردن الراحل الملك حسين . قمة الجزائر ..وعقدت في تشرين الثاني من عام 1973 ، وأكدت استحالة فرض حل على العرب، في أعقاب حرب أكتوبر. قمة الرباط ..عقدت في تشرين الثاني من عام 1974 ووضعت أسس العمل العربي المشترك، واعتمدت منظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني . قمة الرياض غير العادية ..وعقدت في تشرين الأول من عام 1976 ودعت إلى وقف إطلاق النار في لبنان واحترام سيادته ، وإعادة إعماره، وتشكيل لجنة عربية لتنفيذ اتفاقية القاهرة . قمة القاهرة .. وعقدت في تشرين الأول من عام 1976 وصدقت على قرارات قمة الرياض السداسية . قمة بغداد .. وعقدت في أيار من عام 1979. القمة رفضت اتفاقية كامب ديفيد التي وقعها الرئيس المصري الراحل أنور السادات مع إسرائيل، ونقلت مقر الجامعة العربية إلى تونس وعُلقت عضوية مصر في الجامعة . قمة تونس .. وعقدت في تشرين الثاني من عام 1979 وأكدت تطبيق المقاطعة على مصر، وإدانت سياسة الولاياتالمتحدة في تأييدها لإسرائيل . قمة عمان .. عقدت في تشرين الثاني من عام 1980. واعتبرت إن قرار مجلس الأمن اثنين اربعة اثنين لا يشكل أساسا صالحا للحل في المنطقة، ودعت إلى تسوية الخلافات العربية . قمة فاس .. وعقدت في تشرين الثاني من العام واحد 1981، وبحثت في مشروع السلام العربي، والموقف العربي من الحرب العراقية الإيرانية، وموضوع القرن الإفريقي . قمة الدار البيضاء غير العادية .. وعقدت في آب من عام 1985، وبحثت القضية الفلسطينية، وتدهور الأوضاع في لبنان، والإرهاب الدولي . قمة عمان غير العادية .. وعقدت في تشرين الثاني من عام 1987 وبحثت الحرب العراقية الإيرانية , والنزاع العربي الإسرائيلي، وموضوع عودة مصر إلى الصف العربي . قمة الجزائر غير العادية .. عقدت في حزيران من عام 1988. ودعت إلى دعم الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وبحثت موضوع المؤتمر الدولي حول السلام، وقضية فلسطين . قمة الدار البيضاء غير العادية .. عقدت في أيار من عام 1989 وهي القمة التي أعادت مصر إلى عضوية الجامعة العربية، وبحثت قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، والمؤتمر الدولي للسلام، وتشكيل لجنة لحل الأزمة اللبنانية، والتضامن مع العراق . قمة بغداد غير العادية .. عقدت في أيار من العام 1990 واعتبرت القدس عاصمة لدولة فلسطين، ودعمت قيام اليمن الموحد، وأدانت قرار الكونجرس الامريكي باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل . قمة القاهرة غير العادية .. وعقدت في تشرين الاول من عام تسعين. قرارات القمة ادانت اجتياح جيش الرئيس السابق صدام حسين الكويت، وأكدت سيادتها قمة القاهرة غير العادية ..عقدت في حزيران من عام 1996، ودعمت جهود السلام على أساس قرارات مجلس الأمن الدولي، وأيدت اتفاق العراق مع الأممالمتحدة حول برنامج النفط مقابل الغذاء . قمة القاهرة غير العادية في تشرين الأول من 2000، وتضمن بيانها الختامي قرارات عدة أهمها إنشاء صندوق باسم انتفاضة القدس لدعم أسر الشهداء، وإنشاء صندوق باسم صندوق الأقصى لدعم الاقتصاد الفلسطيني . قمة عمان العادية في آذار من العام 2001. وفيها تعهد القادة العرب بدعم صمود الشعب الفلسطيني ماليا وسياسيا وتحذير إسرائيل من مخاطر التفلت من مقررات مؤتمر مدريد عام واحد وتسعين وكلفت العاهل الأردني الملك عبد الله إجراء المشاورات اللازمة لبحث الحالة بين العراق والكويت، كما وافقت على اختيار السيد عمرو موسى اميناً عام للجامعة خلفاً للدكتور عصمت عبد المجيد . قمة بيروت عام 2002. طغى على أعمال هذا المؤتمر الوضع في الأراضى الفلسطينية بعد مذبحة مخيم جنين وحصار الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في مقره برام الله . واكدت القمة كالعادة على دعمها لصمود الشعب الفلسطيني وأُقرت فيها مبادرة السلام العربية التي اقترحها ولي العهد السعودي آنذاك الامير عبد الله بن عبد العزيز . قمة شرم الشيخ في مصر في آذار من العام 2003. عقدت قبل ثمانية عشر بوما من حرب العراق بيان القمة الختامي شدد على ضرورة احترام سيادة شعب العراق على أراضيه . وشهدت احدى جلساته تبادل الزعيم الليبي معمر القذافي الاتهامات في جلسة على الهواء مع ولي العهد السعودى آنذاك الأمير عبد الله بن عبد العزيز .وأحدثت مبادرة الإمارات التي اقترحت تنحي الرئيس الاسبق صدام حسين عن السلطة ردود فعل مختلفة بين القادة العرب وكانت سببا بعد ذلك فى أزمة عميقة بين الإمارات وأمين عام الجامعة عمرو موسى . قمة تونس وعقدت في تونس في ايار من العام 2004. وكان من المفترض أن تعقد في آذارمن العام نفسه ، وتم إلغاؤها قبل موعد انعقادها بيوم بسبب الخلافات حول ملف الإصلاح في المنطقة العربية . وأكد القادة التمسك بدعم وحدة العراق واحترام سيادته واستقلاله , ودعوا مجلس الأمن لإعطاء الأممالمتحدة دورا مركزيا وفعالا في العراق بهدف إنهاء الوجود الاميركي وترتيب مراحل نقل السلطة إلى الشعب العراقي. مؤتمر قمة الجزائر وعقد في آذار من العام 2005. اعاد المؤتمر التأكيد على تمسك الدول العربية بمبادرة السلام السعودية، ورفض فكرة توطين اللاجئين الفلسطينيين، ودعا إلى حل عادل لمشكلتهم طبقا للقرار الدولي رقم مئة واربعة وتسعين . مؤتمر قمة الخرطوم في آذار من العام 2006 . أعاد المؤتمر التركيز على مركزية قضية فلسطين، والتمسك بمبادرة السلام العربية التي أقرتها قمة بيروت عام الفين واثنين، وجدد التضامن مع الشعب العراقي، ودعا إلى احترام سيادة العراق وعدم التدخل في شؤونه الداخلية واحترام إرادته في تقرير مستقبله وخياراته الديمقراطية . مؤتمر قمة الرياض في دورته التاسعة عشرة العادية 28 – 29 آذار 2007 ، وقد انعقد تحت اسم "قمة التضامن العربي"، وقد وضعت على جدول أعماله مختلف القضايا التي تهم المسلمين من مشكلة لبنان إلى الصومال إلى السودان إلى العراق إلى فلسطين ، فكررت القمة نفسها ولم تقدم شيئاً يذكر -طبعاً بالسوء- سوى لقضية فلسطين بل قل "قضية التنازل عن فلسطين" حيث أكدت على تمسك جميع الدول العربية بمبادرة السلام العربية التي قدمها ملك السعودية كما أقرتها قمة بيروت العربية 2002 بكافة عناصرها، والمستندة إلى قرارات الشرعية الدولية ومبادئها لإنهاء النزاع العربي – "الإسرائيلي" ، وإقامة السلام الشامل والعادل الذي يحقق الأمن لجميع دول المنطقة، ويمكن الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس. وطالبت بانسحاب "إسرائيل" من كل الأراضي العربية التي احتلتها بعد 4/6/1967 بما فيها الجولان، وطالبت "إسرائيل" بقبول المبادرة كما هي بلا تعديل ولا تطوير ولا تغيير. لاءات ثلاث عودنا حكام العرب على البدء بها والانتهاء بضدها تكررت في مؤتمر قمة الرياض الذي أجمع المراقبون على أنه كان الأسوا في تاريخ مؤتمرات القمة العربية. مؤتمر قمة دمشق أواخر شهر مارس الجاري 2008 ، وقد انعقد وسط أجواء من التشاحن والاختلاف والتوترات في العلاقات العربية العربية كادت تكون شبيهة بتلك التي سبقت قمة القاهرة الطارئة عام 1990 بعد قيام العراق باحتلال الكويت، وهي الحالة التي عادة ما لا تنبثق من اختلاف الرؤى الذاتية بين بعض الدول العربية بشأن قضايا ملحة على الساحة وحسب، ولكن أيضًا نتيجة لضغوط أو تدخلات دولية، بما طرحفي حينه العديد من الأسئلة والقضايا التي لم ترتبط فقط بالقمة كمؤسسة وآلية دورية تشاورية، وإنما بمستقبل النظام العربي ككل في ضوء الإشكاليات والتحديات التي تواجهه بداية من التحدي الأساسي والمتمثل في القضية الفلسطينية، مرورا بالأزمة اللبنانية، فالأزمة العراقية، وانتهاء بالتحديات الأخرى الأقل ظهورًا في خلفية واقع أزمات النظام العربي مثل مشكلة دارفور وجنوب السودان والصومال والصحراء الغربية، فضلاً عن القضايا التقليدية الأخرى كالتعاون الاقتصادي ومكافحة الإرهاب. مؤتمرقمة الدوحة - قطر في نهاية شهر آذار 2009 ، وكانت قمة المصالحات العربية التي لم تكتمل...وبلام أوضح لم يتحقق منها شيء. والجدير بالذكر ان اكثر من مئتين وستين قراراً صدرعن مؤتمرات القمة العربية من "انشاص" المصرية حتى "سيرت" الليبية أشهرها، قرار اللاءات الثلاثة "لا للاعتراف، لا للتفاوض، لا للصلح "، ومقاطعة مصر إثر توقيعها معاهدة سلام مع إسرائيل، وتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، وإقرار مشروع السلام العربي مع إسرائيل . ويلاحظ ان الصراع العربي الإسرائيلي هو القضية المحورية في جميع مؤتمرات القمة، علماً إن المطلع على المحاضر الختامية للقمم العربية والقرارات الصادرة عنها لا يستطيع التمييز بينهما لإنها تشبه بعضها البعض وتصلح لكل مؤتمرقمة في كل عام . انتهى.............