لم أفهم الحكمة من وراء تخصيص أربعين مقعدا للشباب في برلمان يُفترض أن يخضع الظفرُ بمقعدٍ فيه للمنافسة الحرة. النقاش الذي انشغل به البعض مؤخرا عقب إعلان تاريخ الانتخابات التشريعية في السابع من أكتوبر القادم، نقاش يجب أن يصل إلى تقديم جواب عن هذا السؤال: هل النظام التفضيلي للشباب يخدم قضية الديمقراطية حقا؟ قد نتفهم التعامل مع النساء بنظام تفضيلي يُسهم، على المدى المتوسط، في الإسراع بوتيرة مشاركة المرأة في العمل السياسي، أما أن يشمل هذا النظام الشباب أيضا، فهذا ما لا يستقيم مع مبدأ المنافسة والتدافع السياسي. وإذا تعاملنا بمنطق أن تنال كل فئة من فئات المجتمع حصة خاصة بها (في السياسة، الرياضة، الوظائف العليا.. دون ذكر الأميين لأن هؤلاء لهم، لحسن الحظ، من يمثلهم في البرلمان وفي وظائف عليا لا يحصل عليها حتى ذوو الكفاءات)، فإن على البرلمان أن يخصص مقاعد تفضيلية كذلك للمعاقين جسديا والمكفوفين والصم البكم، و»كوطا» إضافية للعمال المغاربة بالخارج، وللعاطلين عن العمل أيضا. فكل هذه الفئات لها من المبررات ما يكفي للحصول على حصتها. حسب ما راج في بعض المواقع الرقمية، فإن «فعاليات» تستعد للاحتجاج على قرار وزارة الداخلية (وهو قرار لم يُعلن عنه رسميا)، الذي يقضي بإلغاء «الكوطا» الشبابية وإلحاقها بنظيرتها النسائية. فعلام تريد أن تحتج هذه الفعاليات؟ أتحتج على ريع سياسي مقيت مُنح للأحزاب السياسية لتتلهى به، بدل الانكباب على إعداد برامج سياسية يجد فيها الشاب، كما المتعلم والمكفوف والمعاق جسديا والصم البكم، ما يحقق رغباتهم وطموحاتهم وآمالهم السياسية؟ وإذا فشلت الأحزاب في إعداد برامج تلبي حاجيات المواطن من كل الفئات العمرية، فَبِمَ ستنزل إلى حلبة المنافسة؟ إذا نظرنا إلى بعض البلدان التي ينبغي علينا الاقتداء بها للتشجيع على العمل السياسي، فإننا نرى سياسيين وصلوا إلى مراتب عليا في القيادة الحزبية وفي المناصب السياسية والمناصب الوزارية وهم في الثلاثينات والأربعينات من العمر. دافيد كامرون في بريطانيا دخل البرلمان وعمره 35 سنة، وأصبح رئيس الحكومة وعمره 44 سنة. مارك روته، رئيس الوزراء الهولندي، قاد حزبه للفوز في الانتخابات وعمره لم يتجاوز الثالثة والأربعين. رئيس وزراء كندا، جوستين ترودو، وصل مقعد الرئاسة وعمره يزيد عن الأربعين بقليل، وقس على ذلك زعماء سياسيين شبابا آخرين مثل يسه كلافر، الذي يقود حزب اليسار الأخضر الهولندي وعمره لم يبلغ الثلاثين بعد، وهو بالمناسبة ابن أحد المهاجرين المغاربة. فدعوى أن الشباب فئة «مستضعفة» تحتاج إلى دفعة تفضيلية لتنال نصيبها من دنيا السياسة، دعوى متهافتة. ما ينبغي القيام به فعلا هو انفتاح الأحزاب المغربية على كل فئات المجتمع، والنظر إلى مؤهلات من يرغب في دخول معترك العمل السياسي، وتشجيعه وتوجيهه إن لزم الأمر. الاعوجاج الآخر الذي يلازم العمل السياسي في بلادنا هو نظام «التزكية»، الذي يشبه نظام «الكفيل» في دول الخليج. وهو نظام عبودي متخلف وممقوت. قصص «التزكية» في الموسم الانتخابي يُندى لها الجبين، ولا تستغرب إن رأيت شخصا انتمى إلى حزب معين في موسم الانتخابات دون أن يعرف شيئا يُذكر عن الحزب الذي انتمى إليه. كما لا تستغرب أيضا إن حمل المرشح المُزكّى مقعده ونقله من «كفيله» الأول إلى «كفيل» آخر يرى فيه «ريشا» أكثر ومنافع شتى. نظام «التزكية» مثل نظام «كوطا» الشباب لا يليقان بالعمل السياسي الذي يروم في جوهره خدمة الصالح العام عن قناعة واقتناع. فمتى يُلغى نظام «الكفيل» (بوجهيه: الكوطا والتزكية) من الحياة السياسية؟