تتزايد الاضطرابات وتتصاعد من طرف الإصلاحيين في إيران، بزعامة رئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي ورئيس البرلمان السابق مهدي كروبي وبدعم من الخارج وبعض الجهات الرجعية، للإطاحة بالنظام الديمقراطي الإسلامي. ويستغل الإصلاحيون الجو الديمقراطي وضمان الحريات العامة وحقوق الإنسان والتجمعات العامة، دون قيد أو شرط، لتنفيد السياسة الخارجية الأمريكيةالجديدة بالنيابة. فالقراءة البسيطة للخارطة السياسية تبين أن إدارة البيت الأبيض الجديدة ماشية على قدم وساق لتفكيك دول الشرق الأوسط. ولم يبق في حوزة الإصلاحيين إلا ورقة واحدة لاستعمالها، وهي الاحتفال المرتقب يوم 11 نوفمبر الذي أطاح بنظام الشاه عام 1979. وسيحاول الإصلاحيون خطف هذه الاحتفالات وتحويل ساحة «آزادي» إلى «تيانامين» أخرى. وإذا كانت السلطة الصينية استعملت القوة ضد حركة الطلبة المعارضة في عام 1989، فإن السلطة في إيران لا تعتقد أن للعنف دوراً فعالاً في قمع الحركات المعارضة. الفارق الأكبر هو أن إيران، منذ انتصار الثورة الإسلامية، أكثر ديمقراطية من الصين، حيث امتدت المشاركة الشعبية في الحياة السياسية وتنامى دور الإيرانيين في الشأن السياسي لثلاثة عقود متتالية دون انقطاع. إلا أن المواجهة بين النظام والمعارضة هذه المرة قد تكون أعنف، مما قد يؤدي إلى انقراض المعارضة. فهذه الاحتجاجات، التي تبدو عفوية وتلقائية، تشبه إلى حد كبير مظاهرات عام 1953 التي افتعلتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وسقطت نتيجتها حكومة محمد مصدق الديمقراطية الليبرالية. ولا يخفى عن أحد أن تاريخ الولاياتالمتحدة حافل باستخدام الوسائل السرية لإسقاط الحكومات الشرعية. ومن ميزاتها إثارة البلبلة عن طريق المظاهرات الكبيرة، تتبعها اغتيالات وتفجيرات إرهابية، وتنتهي بالإطاحة بالحكومات البرلمانية. نجحت هذه الممارسات حديثاً، إلى حد كبير، في أوكرانيا وجورجيا، وجاءت بالحكومات الموالية للولايات المتحدة إلى السلطة. واليوم، نجد الولاياتالمتحدة تستخدم أساليب مماثلة، في محاولة لقلب النظام في فنزويلا وبوليفيا والأرجنتين. إن التدخل الأمريكي في شؤون الدولة الإيرانية واضح ولا يُخفي المسؤولون الأمريكيون نيتهم لتغيير النظام، ولو بالقوة، كما اعترفت إدارة الرئيس السابق جورج بوش بأنها مولت ودربت الأقليات العرقية والمعارضة الإيرانية، في محاولة لإسقاط الحكومة الإيرانية في عام 2007. أوباما: الحرب هي السلام يبدو أننا أمام متغير استراتيجي بدأ يتبلور في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط التي تحكمت فيها فيما قبل مجموعة من المبادىء المتطرفة والتي تناولت كيفية تحرك الولاياتالمتحدة على الصعيد العالمي. وإذا كان جورج بوش الابن أعلن نفسه، بلا خجل، «رئيس الحرب» فإنه يبدو أن الرئيس باراك أوباما تناول عباءته بنفسه. هذا الرئيس، الذي رفع شعار التغيير عنواناً في منافسته الانتخابية وشدد على انسحاب القوات الأمريكية من العراق وأفغانستان وحيا العرب بكلمة «السلام عليكم» من تحت قبة البرلمان المصري، يستعد لإرسال 30 ألف جندي أمريكي إضافي إلى افغانستان! ونجده اليوم ينتهج مبدأ «الواقعية»، خلفاً لفكرة مبدأ «الأخلاقية» التي بنى عليها أسلافه سياسة أمريكا الخارجية لتحقيق مصالح أمريكا الحيوية. ومفاد مبدئه الجديد، «الواقعية»، هو التعامل مع الوضع كما هو، عن طريق «زعزعة» الاستقرار بالاستعانة بتحالفات «مؤقتة» لتمرير الاستراتيجية الأمريكيةالجديدة دون الدخول في مواجهات مع أطراف معينة. هكذا، يريد الواقعيون «الجدد» في البيت الأبيض تحقيق مصالح الولاياتالمتحدة بشكل أساسي من خلال النظر إلى العالم وإلى الساحة الدولية من منظور صراع القوى لا صراع المبادئ، وينتمي إلى هذا المعسكر عدد كبير من صناع السياسة الخارجية القدامى، وعلى رأسهم شخصيات مثل هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي السابق، وزبغنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي السابق للرئيس جيمي كارتر. فإدارة أوباما، التي تؤمن وتدافع عن حق المتظاهرين في إيران وتطالب بإعادة النظر في الانتخابات الرئاسية التي فاز بها الرئيس محمود أحمدي نجاد، تساند انتخابات رئاسية مزورة، أقرتها هي نفسها، في أفغانستان. كما أن الحوثيين في اليمن لا حق لهم في التظاهر أو الاحتجاج، بل تتظافر جهود أمريكا وفرنسا وبريطانيا لقمع «تمرد» الحوثيين. وتمول أمريكا «جدار العار» الفولاذي وتبنيه مصر بالتواطؤ معها وبدعم من الاتحاد الأوربي لفرض الحصار اللاإنساني واللاأخلاقي وإنزال العقاب الجماعي بمليون ونصف المليون من البشر لمحوهم من قطاع غزة عن طريق الجوع، كما فعلت أمريكا ولا تزال مع هنودها الحمر. وكم من المسؤولين الغربيين أو الأمريكيين أدانوا ما تعرض له المتظاهرون في شريان الحياة -معظمهم من الغربيين- من قمع وضرب وحبس على يد سلطات القمع المصرية، وذنبهم في ذلك إيصال المعونات الطبية والإنسانية إلى الشعب الفلسطيني المحاصر، ورغم كل هذا تساند أمريكا «حق» مصر في الحفاظ على «سيادتها الوطنية»، أما إيران فلا حق لها في الحفاظ على سيادتها الوطنية التي تتهددها المشاكل من الداخل! هذا هو المنطق الإمبراطوري الأمريكي الجديد الذي سيؤدي إلى المزيد من زعزعة الأمن والاستقرار والمزيد من الحروب بالوكالة، وربما صراع جديد كلياً لعام 2010. إدارة أوباما تهدد بتوسيع الحرب في اليمن كما في باكستان بتحفيز الجيشين السعودي والباكستاني على القيام بهذه المهمة بدلاً من الجيش الأمريكي. وستتحول اليمن وباكستان فيما بعد إلى قاعدتين أمريكيتين تلعب فيهما اليمن دوراً هاماً في الحملة الجديدة على الإرهاب في الصومال والسودان. سيكون عام 2010 عام زعزعةٍ للاستقرار في كل دول العالم العربي، ولاسيما الشرق الأوسط دون منازع. فالسيناتور الأمريكي جوزف ليبرمان يقرأ المستقبل بطريقة عبقرية ومروعة: «العراق هو حرب الأمس، وحرب أفغانستان هي حرب اليوم، أما حرب اليمن فهي حرب الغد!» نعم! الحرب في كل من العراق وأفغانستان تتعقد، والوضع في كل من باكستان واليمن ينذر بالخطر والأيادي المستأجرة تتكاثر لتنفيد مشروع «الواقعية» الأمريكية. أهلاً بكم أيها العرب في مشهد مروع من الحرب الأمريكيةالجديدة ابتداء من عام 2010، وعليه لن يحل عليكم أي عام بأي خير في المستقبل القريب! فأين سيكون المشهد المروع المقبل؟ ليس أكثر من المغرب العربي، وتحديداًالجزائر!