هناك العديد من الشخصيات التي ساهمت في صنع التاريخ المغربي، سلبا أو إيجابا، توارت إلى الخلف ولم تستعذب يوما لعبة الأضواء، ولأن التاريخ لا تصنعه الشخصيات «الشهيرة» فقط، فإن الكثير من المعلومات ضاعت في أتون الصراع السياسي والحسابات الشخصية. عبد الكبير العلوي الإسماعيلي، صاحب دار نشر منشورات «الزمن» الشهيرة، واحد من هاته الشخصيات، التي كان لها دور حاسم في قضية الصحراء في الكثير من المحطات، وإذا كان يرفض صفة «عميل المخابرات المغربية»، فإنه يؤكد أنه تعاون معها في الكثير من اللحظات الحساسة. على كرسي الاعتراف، يحكي العلوي الإسماعيلي أسرارا غاية في الحساسية عن قضية الصحراء ودور إدريس البصري وعلاقاته المتشعبة مع النظام الليبي، كما يتوقف عند لقاءاته بالملك الراحل الحسن الثاني، ويشرح كيف أخبره في إحدى الجلسات الخاصة أنه يتوفر على معلومات تؤكد قرب القيام بمحاولة انقلابية جديدة بالمغرب. – هل كان السنوسي يثق بك إلى درجة أنه كان يعطيك معلومات عن النظام الليبي وطريقة تعامله مع ملف الصحراء؟ نعم كان يثق بي كثيرا، وكان صديقا عزيزا علي، وكان يمنحني معطيات حساسة. وعلى خلاف ما هو معروف، كان القذافي معجبا جدا بشخصية الحسن الثاني، ويحاول أن يتقمص الكثير من صفاته، حسب ما أخبرني به السنوسي. – أريد أن تحدثنا أكثر عن العلاقات المغربية الليبية استنادا إلى شهادة السنوسي. لن أنسى يوما أني زرت، رفقة وزير الخارجية الألماني كينشر، منزل القذافي بعد قصفه من طرف الطائرات الأمريكية، وقد سألني أحدهم إن كنت مغربيا، والغريب أنه كان يعرف كل المعلومات عني، حتى مكان إقامتي، وقد فوجئت بعد يومين فقط بأن نفس الشخص أتى إلي بملف كبير جدا يحتوي على وثائق تخص تعاطي معمر القذافي مع ملف الصحراء. لم أكن أعرف ذلك الشخص معرفة قبلية أو سبق لي أن التقيت به، ولم أظفر منه بأي جواب حول هويته الحقيقية، لكن الوثائق التي منحها لي كانت غاية في الحساسية. يومها وضعت الوثائق في أغلفة كثيرة وأعطيتها لمحمد بنيس، القائم بالأعمال المغربية في ليبيا، وطلبت منه أن يبعث بالأغلفة إلى بنهاشم، الذي كان يشتغل آنذاك بوزارة الداخلية. – ماذا كانت تتضمن هذه الوثائق؟ كانت تحتوي على آراء القذافي في الحسن الثاني والنظام المغربي، وأماكن تدريب البوليساريو، علاوة على معلومات كثيرة تشكل كنزا حقيقيا بالنسبة للمغرب. صراحة لم أًصدق أني حصلت على كل تلك المعلومات الدقيقة. ولم أعرف إلى اليوم من هو ذلك الشخص الذي سلمني ذلك الملف الحساس، الذي كان يتضمن، بالإضافة إلى ما قلته لك سلفا، إمكانيات جبهة البوليساريو وطبيعة المتعاملين معها، والذين كانوا ينقلون إليها المعلومات. – هل كان هناك مغاربة يتعاملون مع جبهة البوليساريو؟ لا أبدا، لم يكن هناك أي مغربي يتعامل مع جبهة البوليساريو، حسب الوثائق التي حصلت عليها، وكل ما في الأمر أن النظام الليبي كان يوفر أموالا كثيرة لصالح جبهة البوليساريو، أما الجزائر فكانت مستعدة لدفع كل شيء كي تهاجم المغرب. – أين كانت تتموقع أماكن تدريب البوليساريو؟ في الجنوب الليبي على وجه التحديد كانوا يتدربون بكثافة، وفي منطقة سبها أيضا، وقد لاحظت أن كل النقط التي كانوا يتدربون فيها بعيدة جدا عن الأنظار. – لماذا كان القذافي يساند جبهة البوليساريو؟ هل كان يريد، مثلا، إسقاط نظام الحسن الثاني بالمغرب؟ عام 1980 حكى لي عبد الله السنوسي، السفير الليبي بالمغرب، بأنه قصد القذافي ذات يوم، فوجد معه التريكي، وزير الخارجية الليبي، فقال له: «سيادة الرئيس أريد أن أتحدث إليك شخصا لشخص لو تفضلت بذلك»، فوافق القذافي على طلبه لأنه كان يعزه كثيرا نظرا إلى كونه كان أستاذا له في الكلية العسكرية. وقتها قال القذافي للسنوسي إنه يبحث عن فرصة قريبة للقاء بالملك الراحل الحسن الثاني لأنه في نظره رجل ثاقب الرؤية وذكي جدا. – متى التقيت بالسنوسي؟ سنة 1980 بالتحديد، واستمرت علاقتي به بعد ذلك. كان يثق بي كثيرا ويتناقش معي العلاقات الليبية المغربية، والحق أنه كان يريد دائما أن تكون تلك العلاقة قوية، بل كان يقول إن دعم جبهة البوليساريو ليس في صالح القذافي وليس في صالح المنطقة بشكل عام. كان رجلا هادئا جدا ومثقفا جدا، ولم يكن يخشى من التعبير عن آرائه بكل حرية، بيد أنه كان متحفظا جدا فيما يخص دعم القذافي لجبهة البوليساريو.