لم يجد أكثر من ألفي مهاجر ممن خرجوا، في نهاية الأسبوع الماضي، إلى شوارع مدينة روزارنو الإيطالية، للاحتجاج بسبب أوضاعهم المزرية، إلا مزيدا من القمع والقهر والعنصرية، ليس من طرف السكان وعصابات «الإندرانغيتا» فقط، بل حتى من السلطات المحلية وأعضاء الحكومة الإيطالية الذين سارعوا جميعهم إلى اتهام المهاجرين بالإجرام مع اعتبارهم خطرا وتهديدا للأمن بجهة كلابريا. فقد كان المهاجرون أنفسهم يعتقدون أن احتجاجاتهم بتكسير السيارات وواجهات المحلات وإحراق القمامات ستكون أبلغ تعبير يوصلون عبره رسالة واضحة إلى الرأي العام الإيطالي والسلطات بروما، لكن ردود الفعل جاءت جميعها في غير صالحهم، ليعتبر سكان مدينة روزارنو أن المهاجرين الذين يستفيدون من سواعدهم أصبحوا يشكلون خطرا عليهم، قبل أن ينعتوهم بالهمجيين والمجرمين الإرهابيين والزنوج. أما السلطات المحلية فقد تدخلت بقوة ليس من أجل معرفة أسباب انتفاضة العمال المهاجرين والضرب على أيادي مستغليهم من أرباب العمل بالمدينة بل لتعنيفهم وضربهم والتعامل معهم بقسوة كبيرة، متناسية أن دورهم الاقتصادي بجهة كلابريا يبقى حيويا. نفس التعامل صدر عن أعضاء الحكومة الإيطالية، وعلى رأسهم وزير الداخلية روبيرتو ماروني الذي طالب بمزيد من الصرامة في التعاطي مع المهاجرين، خصوصا السريين منهم، مصدرا أوامره بالقبض عليهم وترحيلهم، في أسرع وقت ممكن، إلى بلدانهم الأصلية بعد إيداعهم مراكز تجميع المهاجرين السريين بجهات بوليا، لازيو، إيميليا رومانيا ولومبارديا. أمام حملات الاعتقالات التي طالت 1300 مهاجر سري، من بينهم عدد مهم من المغاربة، مع تهديم أكواخهم، اضطر الباقون ويقدر عددهم بألف مهاجر إلى الفرار للاختباء في حقول وغابات جهة كلابريا خوفا من الترحيل ومن اعتداءات قد يلاقونها من طرف بعض سكان مدينة روزارنو. فإذا كان الفارون قد عانوا في السابق من السكن في المنازل والمصانع المهجورة والمهدمة وفي أكواخ باردة مصنوعة من الكارتون والصفيح، فإنهم اليوم قد يعيشون أوضاعا أكثر مأساوية من الأوضاع التي عاشوها في السابق، خصوصا وأنهم غادروا المدينة في اتجاه المجهول دون حصولهم على أجورهم المتعلقة بشهور من العمل في جني ما تجود به حقول مدينة روزارنو وجهة كلابريا. الحكومة الإيطالية وأحزابها ومناصروها من اليمين الإيطالي يعرفون جيدا أنهم بالغوا في قهرهم للأجانب وأن صورة إيطاليا بسبب ذلك أصبحت مهتزة أوربيا ودوليا، لكنهم مصرون على مواصلة القهر حتى يتمكنوا من الحصول على مزيد من الأصوات في الانتخابات الإدارية التي بدأت حملاتها وصخبها منذ أيام. وكان من الطبيعي أن يستغل حزب عصبة الشمال المتطرف، الذي ينتمي إليه وزير الداخلية، هذه القضية وقضايا أخرى تتعلق بالهجرة والمهاجرين لجلب مزيد من الأصوات والأتباع تمكنه من كسب شعبية كبيرة بإيطاليا، لكن ما لم يكن متوقعا هو اعتماد عدد من الأحزاب اليمينية المشاركة في الحكومة على نفس القضايا والفلسفة التي تعتمدها عصبة الشمال للتعبير عن مواقفها المعادية للأجانب والمقيمين غير الشرعيين منهم، آملة أن تتمكن من حصد أصوات جديدة تساعدها على الفوز في الانتخابات المقبلة.