وضع خطاب الملك محمد السادس، ل 3 يناير الجاري، الأقاليم الجنوبية في صدارة الجهوية المتقدمة، لكون «المغرب لا يمكن أن يبقى مكتوف اليدين، أمام عرقلة خصوم وحدته الترابية، للمسار الأممي لإيجاد حل سياسي وتوافقي، للنزاع المفتعل حولها، على أساس مبادرة منح هذه الأقاليم حكما ذاتيا، يقوم على تمكين أبناء الصحراء المغربية الأوفياء من التدبير الواسع لشؤونهم المحلية». وبرأي عبد المجيد بلغزال، عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، فإن الجهوية المتقدمة، فضلا عن كونها إجابة عن مطلب مغربي داخلي يرتبط بالبناء الديمقراطي وتوسيع دائرة الديمقراطية، تشكل حلقة وسطى ومرحلة انتقالية للاستعداد لتنفيذ مبادرة الحكم الذاتي على أرض الواقع، ولتلافي كل الإشكالات التي من شأنها أن تحول المبادرة إلى التوجه نحو الاستقلال. ويشير عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، المعروف اختصارا ب«الكوركاس»، إلى أن الجرأة التي طرحت بها مبادرة الحكم الذاتي لم يقابلها من الناحية العملية، بالنظر إلى تعقيدات الواقع، إنتاج لخطاب سياسي ومبادرات بما فيها إنتاج الإنسان الذي يمكن أن يدافع عن خيار الحكم الذاتي، مشيرا في تصريحات ل«المساء» إلى أن خيار الحكم الذاتي في الوضعية الحالية وبدون مرحلة انتقالية محفوف بالمخاطر، ومغامرة قد تكون مفتوحة على كل الاحتمالات بما فيها الاستقلال. واعتبر بلغزال أن الجهوية الموسعة هي شكل من أشكال المصالحة مع المجال، وإقامة نوع من التوازن بين «المغرب النافع» و«المغرب غير النافع»، على اعتبار أن هذه الجهوية تشكل إمكانات كبرى لتعميم التنمية والتوزيع العادل للثروة، مؤكدا على أن الجهوية المتقدمة في الأقاليم الجنوبية، هي في جانب منها ورقة ضغط على البوليساريو. وبالنسبة لبلغزال، فإن الانتقال اليوم نحو جهوية موسعة وتنزيلها على أرض الواقع من أجل التأسيس لمرحلة متقدمة مرتبطة بالحكم الذاتي، هو بمثابة رسالة ثقة وطمأنة العديد من الأطراف المرتبطة بحل ملف الصحراء:«التخوف الكبير الذي يبديه قادة البوليساريو سواء كانوا من الصف الأول أو الثاني، وسكان مخيمات تندوف، يتمثل في مدى جدية المغرب في منح الصحراويين حكما ذاتيا، لذلك نعتقد أن الانتقال نحو الجهوية المتقدمة هو بمثابة بعث رسالة ثقة واطمئنان إلى كل الصحراويين المعنيين بخيار الحكم الذاتي، كما أنه رسالة طمأنة إلى الأممالمتحدة والمنتظم الدولي مفادها أن المغرب جاد في طرحه»، يقول بلغزال. ويرى المتحدث ذاته أن الانتقال إلى الجهوية الموسعة هو بمثابة انتقال إلى مرحلة حاسمة في إعادة الفرز الداخلي على قواعد الارتباط بالوحدة، مؤكدا في تصريحاته أن سير المغرب في مسار الجهوية الموسعة سيمكنه من التفكير في الإشكالات التي يمكن أن يطرحها الحكم الذاتي للصحراء بهدوء، وامتلاك رؤية حقيقية تسمح له بحماية مسار الوحدة في المستقبل في حال توفر شروط تمتيع الأقاليم الجنوبية بحكم ذاتي. وفيما اعتبر البشير الدخيل، القيادي السابق في البوليساريو، أن وضع الأقاليم الجنوبية للمملكة في صدارة مشروع الجهوية الموسعة، هو بداية لترجمة قرارات الأممية خاصة القرار 1415، باعتباره نوعا من تقرير المصير، واعترافا رسميا بالتعددية الثقافية»، وصف عبد الفتاح البلعشمي، مدير المركز المغربي للديبلوماسية الموازية، بأنها تندرج في سياق نوع من الدبلوماسية الاستباقية فيما يخص مبادرة الحكم الذاتي، لاسيما في الآونة الأخيرة التي عرفت إثارة خصوم الوحدة الترابية لمداخل جديدة كان أبرزها الملف الحقوقي. مدير المركز المغربي للدبلوماسية الموازية، يرى أن إعلان الملك محمد السادس عن إطلاق ورش «الجهوية الموسعة» بالمغرب، وتأكيده على أن تكون الأقاليم الجنوبية في صدارتها، هو رسالة من أعلى سلطة في المغرب إلى المجتمع والرأي العام الدوليين على وجه الخصوص عنوانها الرئيس أن المغرب صادق في مبادرته منح الأقاليم الجنوبية الحكم الذاتي، وأن هذا الصدق يعبر عنه من خلال جهوية موسعة. وبالنسبة للبعلشمي، فإن إعلان المغرب إطلاق «ورش «الجهوية الموسعة» انطلاقا من الصحراء هو تكريس للواقع على الأرض، بخلاف البوليساريو التي تبقى حركة انفصالية لا توجد على الأرض، مشيرا في حديثه ل«المساء» إلى ضرورة التعامل بنوع من الذكاء مع تنزيل مشروع الجهوية الموسعة بالأقاليم الجنوبية، وبجعل المواطن الذي يتحدث عن الانفصال يشعر بحدوث تطور في حياته اليومية وقضاياه المجتمعية وتدبير شأنه المحلي، مما سيمكننا من سحب البساط من تحت أقدام دعاة أطروحة الانفصال. كما يؤكد البلعشمي على ضرورة بناء الثقة داخليا قبل التوجه إلى الخصوم، وعلى حسن تسويق النقلة النوعية التي أقدم عليها المغرب في مساره من قبل فعاليات الدبلوماسية الموازية.