خلال شهر يوليوز الماضي، صدرت دراسة عن مكتب الدراسات «أنفو ريسك»، أكدت معطيات صادمة بخصوص استمرار إفلاس عدد كبير من المقاولات الصغرى والمتوسطة، نتيجة نقص السيولة وتراجع الطلبيات، حيث أشارت إلى أن عدد المقاولات التي أعلنت إفلاسها منذ بداية السنة الماضية بلغ أزيد من 3700 مقاولة، ضمنها حوالي 320 مقاولة أنهت نشاطها مرغمة في شهر غشت الماضي فقط. الأرقام التي كشف عنها مكتب الدراسات «أنفو ريسك»، المتخصص في المعلومات التجارية حول الشركات المغربية، والتي تم تحديثها قبل أيام تشير إلى أن الأشهر الثمانية الأولى من سنة 2015 شهدت زيادة كبيرة في عدد المقاولات المفلسة بلغ 22 في المائة، في حين وصل عدد المقاولات التي لجأت إلى المسطرة القضائية، إلى قرابة 3750 مقاولة، رافقه تراجع كبير في عدد المقاولات التي تم خلقها على الصعيد الوطني والذي بلغت نسبته 33.3 في المائة، ما يمثل فقط قرابة 1570 مقاولة. الأمر لا يقف عند هذا الحد فقط، بل إن الكثير من التحليلات ذهبت إلى أن أزيد من 35 ألف مقاولة صغيرة ومتوسطة يتهددها شبح الإغلاق بسبب الصعوبات الاقتصادية التي تعيشها، ما يعني أن 3 مقاولات من أصل 10 تعاني خطر الإفلاس، علما أن المندوبية السامية للتخطيط أشارت في إحصائياتها إلى أن المقاولات الصغرى والمتوسطة تشكل 97 في المائة من النسيج المقاولاتي بالمغرب. وتشير أرقام مكتب «أنفوريسك» إلى أن «عدد المقاولات التي ستلجأ إلى التصفية القضائية مع متم السنة 2015 سيرتفع إلى 5700 مقاولة، وهو رقم قياسي لم يتم تسجيله من قبل». ويرى عدد من المهتمين أن السياسة التي اتبعتها الحكومات في العشرية الأخيرة أبانت عن قصور واضح في التعاطي مع المشاكل التي تواجه المقاولات الصغرى والمتوسطة، فضلا عن تأثر هذه المقاولات بشكل واضح من الانكماش الذي سببته الأزمة الاقتصادية، ويرى هؤلاء أن سياسة التشجيع على خلق المقاولات التي تنهجها الدولة غير كافية، ويفترض أن تكون هناك مصاحبة للمقاولات الصغرى والمتوسطة ليس فقط في سنواتها الأولى، بل بشكل كامل على اعتبار الدور الأساسي الذي تلعبه هذه النوعية من المقاولات في خلق فرص الشغل، وأيضا في دعم الاقتصاد الوطني، علما أن المقاولات الصغرى والمتوسطة تحتل مكانة كبيرة داخل النسيج الاقتصادي المغربي، تقدرها بعض الإحصائيات الرسمية بقرابة 95 في المائة من نسيج المقاولات المغربية، فضلا عن أن مساهمتها في خلق مناصب الشغل تصل إلى 50 في المائة من الرقم الإجمالي لهذه المناصب، والنسبة نفسها في حجم الاستثمار. رد الجهات المعنية لم يتأخر لم يتأخر كثيرا رد الوزارة المنتدبة المكلفة بالمقاولات الصغرى وإدماج القطاع غير المنظم، على سلسلة التقارير التي صدرت حول الوضعية المقلقة للمقاولات، وخاصة الصغرى والمتوسطة، معتبرة أن «هذه الأرقام لا يجب النظر إليها بدون مقارنتها بعدد المقاولات التي تخلق سنويا وتقدر ب53 ألف مقاولة». وأضافت الوزارة أن هذه "المقاولات تشكل ركيزة أساسية ضمن النسيج الاقتصادي الوطني، وهدفا أساسيا وسط إستراتيجية الوزارة، وليست معزولة عن المقاولات التي تحقق نسبة نمو قوية، ونطمح أن تكون مندمجة ضمن المنظومة الاقتصادية، مما سيساعدها على تأهيل وتحسين مردوديتها». وفي ردها على سؤال حول العراقيل المالية، والصعوبات التي تواجهها هذه الفئة من المقاولات، والتي تمثل 95 في المائة من النسيج الاقتصادي الوطني، أكدت الوزارة أن «الهدف الأول للوزارة هو خلق فرص الشغل، وإذا استطعنا تسهيل عملية تمويل المقاولات الصغرى والمتوسطة لن نتردد في القيام به»، مشيرة إلى أنها "تدخلت لصالح قطاع السيارات لدى الأبناك لتخفيض نسبة الفائدة على القروض الممنوحة لهذا القطاع". تحركات لتغيير الوضع أمام موقف الوزارة من الوضعية المقلقة للمقاولات الصغرى والمتوسطة في بلادنا، تحرك بنك المغرب والمجموعة المهنية لبنوك المغرب وصندوق الضمان المركزي بسرعة من أجل إحداث «صندوق الدعم المالي للمقاولات الصغيرة جدا والمقاولات الصغرى والمتوسطة» بغرض دعمها وتعزيز مساهمتها في النمو الاقتصادي. وحسب صندوق الضمان المركزي، فإن هذا الصندوق الذي سيتم تدبيره من طرف صندوق الضمان المركزي، يهدف إلى التمويل المشترك مع البنوك للبرامج الرامية إلى «إعادة وتعزيز التوازن المالي للمقاولات الصغيرة جدا والمقاولات الصغرى والمتوسطة القادرة على الاستمرار، لكنها تعرف صعوبات مالية عابرة». وأضاف الصندوق أن هذا الصندوق يأتي أيضا للحفاظ على الأنشطة الإنتاجية لهذه الفئة من المقاولات وبالأخص الشركات المصدرة، وكذا تلك التي تعمل في القطاع الصناعي. كما يمكن للمقاولات ذات الحجم المتوسط أن تستفيد أيضا من هذا الصندوق. وأبرز أن «صندوق الدعم المالي للمقاولات الصغيرة جدا والمقاولات الصغرى والمتوسطة» يتدخل على شكل قرض ثانوي مع سقف يصل إلى 50 مليون درهم، مشيرا إلى أن حصة البنك يمكن أن تكون عبارة عن قرض لتمويل حاجيات إعادة الهيكلة أو الاستغلال أو الاستثمار، كما يمكن للقرض البنكي أن يستفيد من ضمانة صندوق الضمان المركزي. كما أشار إلى أنه يمكن أن تصل مدة تسديد القرض المشترك إلى 10 سنوات، مبرزا أن جميع البنوك المغربية تشارك في هذه الآلية الموجهة للتمويل المشترك للمقاولات الصغيرة جدا والمقاولات الصغرى والمتوسطة. قانون مالية مشجع قانون مالية 2016، كان كذلك آلية لإعادة الأمور إلى نصابها بالنسبة للمقاولات الصغرى والمتوسطة، حيث كان وزير المالية محمد بوسعيد،أشار في وقت سابق إلى أن مشروع قانون المالية 2016 سيواصل دعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة، من خلال مجموعة من التدابير الرامية إلى دعم خزينتها، وضمان ولوجها للتمويل وتعزيز تنافسيتها.وتبنت الحكومة مجموعة من الإجراءات لدعم هذه المقاولات، من بينها إعفاء الشركات الجديدة، التي توظف 5 عمال عند إنشائها، من الضريبة على الدخل وتعويضات صندوق الضمان الاجتماعي، فضلا عن مواصلة دعم برامج «امتياز» و»مساندة» الموجهة لدعم مشاريع تطوير المقاولات المتوسطة والصغيرة، من خلال تقديم الدعم المالي لحوالي 600 مشروع تحديث و115 برنامجا استثماريا. وكانت بعثة لصندوق النقد الدولي، اعتبرت، في نونبر الماضي، أن الشركات الصغيرة والمتوسطة، تتوفر على إمكانيات مهمة للنمو في المغرب، داعية إلى توظيفها بشكل يساهم في إعطاء دفعة قوية للاقتصادي الوطني. يوسف الجمل: قانون المالية الجديد جاء بتحفيزات مهمة جدا للمقاولات الصغرى والمتوسطة رئيس لجنة أطر التجمع الوطني للأحرار وصاحب مقاولة صغرى استضافت لجنة الأطر التابعة للتجمع الوطني للأحرار (اتحادية أنفا) لقاء علميا وتواصليا مع وزير المالية والاقتصاد، محمد بوسعيد، خصص لعرض أهم مستجدات قانون المالية لهذه السنة، وقد أخذ الحديث عن المقاولة المغربية في شقها الصغير والصغير جدا حيزا كبيرا من النقاش. حضرت «المساء» اللقاء وأجرت على هامشه حوارا مع يوسف الجمل، بصفته رئيس هذه اللجنة وصاحب مقاولة صغرى. – في لقائك مع وزير المالية، راهنت كثيرا في النقاش على وضعية المقاولة الصغرى والصغرى جدا، لماذا؟ فعلا، أخذ منا النقاش حول المقاولة حيزا مهما، لإيماننا بأن مستقبل البلاد لن يكون إلا عبر قناة تشجيع المبادرة الخاصة وتحسين المناخ الذي تعيش فيه المقاولة، باعتبارها أكبر مشغل في المغرب، وعليها تعول الدولة لتحقيق التماسك الاجتماعي وتحسين الدخل وتأمين دخل ضريبي مهم ينعش خزينتها، لكن الرسالة التي كنا نريد توصيلها، أن الدولة لا زالت لم تقم بعمل فعلي وجاد بخصوص تصنيف المقاولات وإيجاد صيغ قانونية وجبائية تساير هذا التصنيف، فالحاصل مثلا أننا نجد مسؤولي المقاولات الكبرى وحتى المتوسطة متابعين جدا لكل المستجدات المالية والتحفيزية التي تخص مناخ تشجيع المقاولة، لكن المشكل يطرح بالنسبة للمقاولة الصغرى والصغرى جدا، إذ لا يوجد مجهود تواصلي فعلي لشرح كل المقتضيات المطروحة من قبل الدولة لتشجيعها، كما أن الساهرين على القطاع المالي، غالبا ما لا يأخذون وضعيتها بعين الاعتبار ويتعاملون معها كمقاولة كبرى ذات مداخيل هامة، وبالتالي غالبا ما يكون تضريبها مجحفا أو مهددا لحياتها، علما أنها هي النواة المعول عليها في التشغيل وتحقيق فائض القيمة الإنتاجي وتحويل القطاعات غير المهيكلة إلى أخرى مهيكلة ومنظمة. رسالتنا إذن، تصب في قناة تنظيم الإطار المقاولاتي وتأطيره بقوانين تأخذ حجم كل مقاولة بعين الاعتبار، فالدولة لها مؤسساتها وأطرها الذين يؤمنون استخلاص حقوقها من المقاولة الصغرى، في حين أن هذه الأخيرة، لا تتوفر على الإمكانيات البشرية التي تمكنها من الاستفادة من الامتيازات التي تضعها الدولة والدفاع عن حقوقها، الشيء الذي يجعل المقاولات الكبرى والمتوسطة هي المستفيد الوحيد من هذه الامتيازات بالنظر إلى الموارد البشرية المؤهلة التي تتوفر عليها. – أين يكمن الخلل إذن، هل في المقاولة الصغرى التي لا تبذل مجهودا للدفاع عن حقوقها، أم هناك تقصير في التواصل من طرف الدولة، أم أنه لا وجود أصلا لامتيازات خاصة بهذه المقاولات؟ أولا، لا بد من الإشارة إلى أن هناك تحفيزات مهمة جدا وأخرى جديدة في قانون مالية 2016، أتى على ذكرها الوزير في مداخلته أمام أطر لجنتنا وسنعود إليها بالتفصيل، أما فيما يخص تقصير الدولة في التواصل، فنقول نعم، هناك تقصير واضح وهيكلي تجاه المقاولات الصغرى جدا، وعندما تحتج على الأمر لدى مسؤولي الوزارة الوصية، يكون الجواب هو ضرورة زيارة موقع الوزارة للاطلاع على كل التحفيزات، والسؤال: كم عندنا من صاحب مقهى أو حرفة معينة أو دكان له من المؤهلات التكوينية الكافية التي تمكنه من دخول موقع الوزارة، والاطلاع على ما به من معطيات وفهمها واستيعابها قبل إعداد برنامجه الاستثماري لكي يستفيد من الامتيازات. أعتقد أن هذه مفارقة لا تأخذ بعين الاعتبار الواقع السوسيو مهني لأغلب الحرفيين والتجار، الشيء الذي يفوت على الدولة فرصة سانحة لتحفيز كل هذه القطاعات غير المهيكلة، ودفعها إلى تحويل نشاطها إلى الإطار المنظم والمهيكل. مع الإشارة إلى أن هذا المشكل لا يطرح بالنسبة للمقاولات الكبرى والمتوسطة، للأسباب التي سبق ذكرها في السؤال السابق. – وبالنسبة للإطار الجمعوي والنقابي وحتى الحزبي، ألا يعمل في اتجاه النهوض بوضعية المقاولات الصغرى والصغرى جدا؟ سؤال مهم، مع الأسف، في الوقت الذي نجد فيه، خلال زيارتنا لبعض الدول الأجنبية، أن مسائل مثل التنسيق والتشبيك والاتحادات تلعب دورا مهما في توحيد الجهود بين مكونات الأنسجة الاقتصادية، وتجعل منها قوة ضاغطة تجاه الحكومات لإيصال صوتها والدفاع عن مصالحها والمطالبة بحقوقها أيضا، نجد هذا الأسلوب التدبيري الفعال لازالت تعتريه العديد من النواقص في بلادنا، منها أن الإطار الجمعوي في عمومه خاضع لظهير واحد وهو ظهير 1958 الذي لا يأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات المميزة للأنسجة الجمعوية العاملة في المجال الإنتاجي وغيرها من قطاعات مدرة للدخل، كما أن الإطار التعاوني لا زالت تشوبه العديد من العوائق البيروقراطية غير المشجعة، أما بالنسبة للاتحادات الكبرى مثل الاتحاد العام لمقاولات المغرب، فله انشغالات كبرى واهتمامات تطلعية تتجاوز حجم وانتظارات المقاولات الصغرى والصغيرة جدا، لذلك لا نعلق عليه أي انتظارات مع تفهمنا المبدئي لوضعه، بل ونطالب بوضع اتحاد آخر مستقل وخاص بهذا النوع من المقاولات، أخيرا لا بد من الإشارة إلى وجود بعض الجمعيات الحرفية والصناعية العاملة، لكن مشكلها، أنها تعاني من نقص حاد في الخبرة والكفاءة، بحيث تعمل في سياقات منعزلة عن بعضها البعض، وليس بينها أي تنسيق أو تشبيك لتقوية حضورها وتنسيق مواقفها، كما أن غالبيتها لا تتوفر على أطر في المستوى، قادرة على صياغة تقارير دورية وذات صبغة علمية عن نشاطها وإكراهاتها ومطالبها، لتقريب وجهة نظرها أكثر لدى المسؤولين. لذلك فنحن في إطار لجنة الأطر – تنسيقية أنفا، واعون بهذه الإشكالات، ونعمل دائما في اتجاه توعية أصحاب هذه المقاولات بكل المستجدات، ونحاول ما أمكن الانفتاح على غيرنا من مكونات إنتاجية لغاية نشر المعلومة وتوحيد الجهود، ونعتبر ذلك جزءا من مسؤولياتنا ، بل ومن مسؤوليات كل الأحزاب والنقابات والاتحادات المقاولاتية، فضلا عن أن جزءا من المسؤولية يتحمله أرباب هذه المقاولات ذاتهم، فالحقوق تنتزع ولا تعطى، ولا يمكن أن ننتظر من الآخر رعاية مصالحنا إذا لم نبادر نحن برعايتها. – ما هي إذن أهم المستجدات التي ذكرها وزير المالية في إطار لقائه بلجنة الأطر؟ كما أشرت سابقا، فمن مسؤولياتنا طرح القضايا الهامة للنقاش، ومن بينها إكراهات المقاولات الصغرى والصغرى جدا، ومن هذا المنظور، استضفنا السيد وزير المالية للقائنا والاستماع إلى ما يحمله قانون المالية 2016 من مستجدات لصالح هذا المكون الإنتاجي الهام. بالفعل، كان اللقاء مثمرا، حيث وقفنا على كم من التحفيزات التي تحتاج من الجميع بذل مجهود تواصلي كي تصل إلى علم أكبر فئة مستهدفة – هل يمكن أن تذكر لنا بعضا منها؟ سأقتصر على ذكر أهمها، فهناك مقتضى جديد يهم تقوية برنامج دعم المقاولة الصغرى جدا، حيث أشار الوزير إلى أن هذا الدعم سيتم عبر عدة تدابير، منها أولا برنامج « استثمار» لدعم مشاريع الاستثمار والتطوير التكنولوجي بتخصيص منحة تصل إلى 2 مليون درهم لكل مستفيد حامل لمشروع. ثانيا، هناك برنامج «تحفيز» لدعم برامج عصرنة وتطوير الأنظمة المعلوماتية، عبر مساهمة تصل إلى 1.5 مليون درهم لكل مستفيد. هذان البرنامجان يستهدفان المواكبة السنوية لألف مقاولة صغرى جدا (بالنسبة لبرنامج استثمار) و2000 مقاولة صغرى جدا بالنسبة لبرنامج تحفيز. أيضا هناك مستجدات تخص التحفيزات الضريبية، حيث أوضح الوزير أن قانون المالية، يتضمن تدابير تهم تسريع استرجاع فارق مبلغ الضريبة على القيمة المضافة ( Butoir )، تمديد أجل الإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة بخصوص معدات الاستثمار من 24 إلى 36 شهرا، الشيء الذي سيحفز المقاولة على الاستثمار في ظروف مالية مريحة، أيضا هناك مقتضى هام يخص التخفيض من أجل الأداء المتعلق بالصفقات العمومية، فضلا عن تسديد جميع المستحقات والمتأخرات التي هي في ذمة الإدارات العمومية لفائدة هذه المقاولات.