سمير شاب مغربي في مقتبل العمر، من مواليد 1988، بعد رسوبه سنتين متتاليتين بكلية الحقوق بالدار البيضاء، التحق بمركز للتكوين المهني، وبعد التخرج ذاق معاناة الشباب العاطل، فقرر خوض تجربة إنشاء مقاولة صغيرة، بعد أن شاهد صدفة وصلة إشهارية تدعو الشباب الحاملين لمشاريع جديدة إلى التقدم إلى برنامج «مقاولتي»، من أجل الأخذ بيدهم ومصاحبتهم حتى إنجاح المشروع...بعد تجميع كل الوثائق الضرورية تقدم سمير إلى شباك برنامج «مقاولتي»، وحصل بعدها على «شهادة الانتقاء»، ثم على ملف التمويل من إحدى المؤسسات البنكية، التي طلبت منه رزمة من الوثائق، مثل السجل التجاري وعقد الكراء ورخصة المزاولة والباتانتا، ليفاجأ في الأخير بأن البنك يرفض المشروع جملة وتفصيلا، فيطرح مشكلته بعد ذلك على شباك «برنامج مقاولتي» وعلى الوكالة الوطنية لإنعاش الشغل والكفاءات «أنابيك»، ولحد الساعة لم يتوصل سمير برد من كل هذه الإدارات...هي إحدى معاناة الشباب العاطل الذي كان يمني النفس بإنشاء مقاولة صغيرة يبتدئ بها حياته العملية، لكنه اصطدم بعراقيل إدارية حاولت الدولة منذ عدة سنوات تبسيطها، لكن لا زال هناك الكثير مما يجب فعله، وحسب الطيب أعيس، الخبير المالي والاقتصادي، فإن البرامج التي تقدمها الدولة من أجل تطوير النسيج المقاولاتي بالمغرب تعتبر مهمة لكنها ليست كافية، والتواصل بشأنها قليل جدا لأن الشباب وحاملي المشاريع في أغلب الأحيان لا يعلمون بهذه البرامج إلا عن طريق الصدفة.
90 في المائة من المقاولات عائلية يعرف النسيج الاقتصادي بالمغرب هيمنة المقاولات الصغرى والمتوسطة، حيث تمثل ما يناهز 95 في المائة من مجموع المقاولات، وأزيد من 90 في المائة منها عائلية، وحوالي 20 في المائة توجه أنشطتها نحو التصدير، ويقول رضوان زهرو، أستاذ الاقتصاد بجامعة الحسن الثاني بالمحمدية، إن المقاولات الصغرى والمتوسطة تتميز بطبيعتها بعدة مزايا مالية وتقنية لا تتوفر في غيرها من المقاولات الكبرى، حيث لا يتطلب نشاطها الكثير من الرأسمال ووسائل إنتاجها وبنياتها التنظيمية تمكنها من إدخال الإصلاحات الضرورية والتكيف مع المتغيرات الطارئة بسهولة شديدة وبمرونة كبيرة، لكن من جانب آخر يصطدم تطورها بعدة صعوبات، كقلة السيولة وعدم الاستقرار في التمويل والتردد في إدخال طرق الإنتاج والتدبير الحديثة، والتي بدونها لا يمكن أن نتكلم عن نمو قوي ومستدام، ورغم أهميتها من حيث العدد، فإن المقاولات الصغرى والمتوسطة لا تساهم إلا بنسبة متواضعة في إنتاج القيمة المضافة، كما أنها تنتشر عبر التراب الوطني بشكل غير متوازن، حيث ترتكز بصفة خاصة في الوسط وعلى طول المحيط الأطلسي، فالدار البيضاء الكبرى وحدها تضم 41 في المائة من هذا النسيج، وجهة طنجة- تطوان 9 في المائة، والرباط - سلا 8 في المائة، وفاس- مكناس 9 بالمائة، والباقي أي 33 بالمائة منتشرة عبر 14 جهة أخرى.
7 مقاولات لكل 10 آلاف نسمة فطنت الدولة خلال السنوات الأخيرة، إلى أن التوظيف في القطاع العمومي ليس كافيا لسد الخصاص المتزايد في خلق فرص الشغل، فكان الحل في نظر مختلف الحكومات المتعاقبة هو إحداث مناطق صناعية جديدة والتشجيع على خلق وإنشاء المقاولات الصغرى والمتوسطة، لكن رغم البرامج الكثيرة التي فتحت في وجه الشباب من أجل خلق مقاولات، إلا أن نسبتها في المغرب لا تزال جد ضعيفة، حسب أحمد رضا الشامي، وزير الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة، حيث لا يتعدى المتوسط 7.52 شركات لكل 10 آلاف نسمة، في حين نجد هذه النسبة في تونس مثلا تصل إلى 39 شركة لنفس العدد، وفي فرنسا التي تسجل نسبة 33.8 شركة، بينما بدولة إسبانيا ترتفع النسبة إلى 73 شركة، وقال الوزير الشامي خلال إحدى الندوات التي نظمت، مؤخرا، إن هناك مجموعة من الصعوبات والعراقيل تقف وراء خلق المقاولة، بالإضافة إلى إكراهات متعددة كانت سببا أساسيا في فشل العديد من المقاولات، مما دفع وزارة التجارة والصناعة والتكنولوجيات الحديثة إلى العمل على تبسيط المساطر والإجراءات الإدارية التي تعتبر من العوائق التي تحد من تأسيس المقاولات، كما مدت كل الراغبين في إنشاء شركة أو مقاولة بالإمكانيات المادية من خلال مجموعة صناديق للتمويل، وصلت فيها قيمة الدعم إلى مليون درهم حسب نوعية المشروع، بالإضافة إلى المواكبة والمصاحبة لهذه المقاولات بالنصح والإرشاد تجنبا لأي تعثر. «امتياز» و «مساندة» المقاولة يتضمن «الميثاق الوطني للإقلاع الصناعي» 111 إجراء في العقد البرنامج 2009 - 2015، منها 48 إجراء مخصصا لتنافسية المقاولات خاصة الصغرى والمتوسطة، ويتضمن هذا البرنامج ثلاث مبادرات كبرى تتمثل في تحسين تنافسية المقاولة من خلال برنامج «امتياز»، الذي يروم مواكبة 50 مقاولة ذات مؤهلات قوية خلال السنة عبر تخويلها منحة للاستثمار المادي وغير المادي تمثل20 في المائة من استثماراتها على أساس عقد للنمو، ويهدف البرنامج الثاني الذي يطلق عليه «مساندة» إلى دعم 500 مقاولة في السنة في مسار عصرنتها وتحسين تنافسيتها من خلال أنظمة للتكوين لمساعدتها على إرساء مبادئ حسن الإدارة والجودة والتسويق ووضع استراتيجياتها، وتتعلق المبادرة الثانية بإعادة هيكلة وتقوية النسيج الإنتاجي وتتمثل في دعم إقلاع فاعلين جدد، خاصة صناديق الاستثمار المتخصصة في الاسترجاع والتقويم وإقامة إطار ملائم لعمليات نقل واسترجاع المقاولات، خاصة بفضل أرضيات للتنقيط مع الأبناك المتعاقدة، ويتعلق الأمر بتنقيط المقاولات الصغرى والمتوسطة على المستوى النوعي والكمي حتى يشكل هذا التنقيط قاعدة لاختيار هذه المقاولات، وتهم المبادرة الثالثة إحداث مقاولات صغرى ومتوسطة جديدة من خلال إجراءات متنوعة كفيلة بتطوير التوجهات والكفاءات المقاولاتية في إطار المسالك التعليمية والجامعية، ودعم حاملي المشاريع والمبتدئين في سنواتهم الأولى للتطوير وخلق أحياء للمقاولات الصغرى والمتوسطة تضم حظيرة ومزرعة تتوفر على شروط مثيرة، وهذه البرامج يعتبرها الخبراء الاقتصاديون مهمة، لكن لا تلبي جميع الطلبات، إذ أن الكثير من الشباب الراغب في خلق مقاولة لا يعرف عن هذه البرامج الشيء الكثير. 4 إجراءات جديدة لتطوير المقاولة في 2011 اتخذت الحكومة خلال السنوات الأخيرة، العديد من الإجراءات لفائدة هذه الفئة من المقاولات، لكن النتائج كانت متواضعة، وهو ما جعلها تحيَن استراتيجيتها الوطنية لفائدة هذه الوحدات الإنتاجية، والتي تمحورت حول أربعة محاور تتعلق بتسهيل ومواءمة النظام الجبائي مع طبيعة هذه الوحدات، إذ سبق أن خصص قانون المالية 2011 عددا من الإجراءات الجبائية لفائدة هذه الوحدات، من قبيل تخفيض الضريبة على الشركات من 30 إلى 15 في المائة، وإقرار عفو جبائي بالنسبة إلى المقاولات، التي كانت تنشط في القطاع غير المهيكل وقررت الالتحاق بالاقتصاد المنظم، إضافة إلى تحفيزات جبائية بالنسبة إلى الأشخاص الذاتيين الذين يحولون نشاطهم إلى شركة محدودة المسؤولية، كما تتضمن الاستراتيجية، إضافة إلى التحفيزات الجبائية، إجراءات تتعلق بالتغطية الاجتماعية، هذا ويهدف المخطط الجديد إلى توسيع التغطية لتشمل أرباب هذه الوحدات الإنتاجية الصغيرة، الذين لا تشملهم التغطية في إطار القوانين المعمول بها حاليا، كما ستعتمد إجراءات تحفيزية للانخراط في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، من خلال مراجعة طرق احتساب واجبات الانخراط بالنسبة إلى هذه الوحدات، ويتضمن المحور الثالث تدبير تدعيم آليات التمويل لفائدة هذه الوحدات، إذ يجري التفكير من أجل خلق آليات مؤسساتية لضمان القروض لها بمساهمة صندوق الضمان المركزي، ويهم المحور الرابع آليات مواكبة الوحدات الإنتاجية الصغرى جدا، وعلى رأسها تبسيط إنشاء هذا النوع من الوحدات، من خلال تمكينها من المعلومات الضرورية وإفادة الراغبين في خلق هذه المقاولات بالتوجيهات اللازمة وتمكينهم من معرفة الامتيازات التي سيستفيدون منها داخل المنظومة الجديدة. المقاولات والمغرب الرقمي 2013 حاولت الاستراتيجية الوطنية «المغرب الرقمي 2013» التي انطلقت منذ سنتين، دمقرطة ولوج المعلوميات والتكنولوجيا الحديثة إلى مختلف المقاولات مهما كان حجمها، وقالت منية بوستة، الكاتبة العامة لوزارة الصناعة والتجارة، إن برنامج «انفتاح» الذي يحفز المقاولات الصغرى والمقاولات الصغيرة جدا على استعمال تكنولوجيا المعلوميات، يهدف بالخصوص إلى تسليم 10 آلاف رخصة رقمية للمقاولات المستفيدة في أفق سنة 2013، من خلال منحها حصصا تحسيسية مجانية تحفزها على استعمال تكنولوجيا المعلوميات، وتقديم حزمة الرخصة الرقمية التي تحتوي على حاسوب محمول واشتراك في خدمات الانترنت للجيل الثالث لمدة 12 شهرا، وحل معلوماتي لتدبير الفاتورة، إلى جانب دليل للشراء يتضمن عروضا تفضيلية للمقاولات الصغرى والمقاولات الصغيرة جدا في ميدان التجهيزات المعلوماتية ودورات للتكوين في تكنولوجيا المعلوميات، وللاستفادة من برنامج «انفتاح»، أوضحت بوستة أن جميع المقاولين والحرفيين وكذا الصناع والتجار الذين يتوفرون على شهادة التسجيل في الضريبة المهنية أو السجل التجاري، والذين لا يفوق رقم معاملات مقاولاتهم 3 ملايين درهم، يعتبر برنامج «انفتاح» هو الرخصة الرقمية التي ستسهل الولوج إلى الاقتصاد الرقمي، من خلال الاتصال بأقرب غرفة للتجارة والصناعة والخدمات، والتسجيل مجانا لدى منشط الحصص التحسيسية بالغرفة، ويشمل عرض «انفتاح» كافة فروع الأنشطة كالبناء والنسيج والصناعات الغذائية والخبرة المحاسبية، حيث خصص للبرنامج غلاف مالي سنوي يبلغ 15 مليون درهم، ويمنح دعما من قبل الوكالة الوطنية للنهوض بالمقاولات الصغرى والمتوسطة للحصول على «حزمة انفتاح» المحددة في سقف 1500 درهم لكل مستفيد. مرصد للمقاولات الصغرى والمتوسطة من أجل إنجاز دراسة حول إنشاء مرصد خاص بالمقاولات الصغرى والمتوسطة، الذي لا يتوفر عليه المغرب لحد الآن، وقعت الوكالة الوطنية لإنعاش المقاولات الصغرى والمتوسطة بداية سنة 2011، اتفاقية شراكة مع وكالة دعم الابتكار وتنمية المقاولات الصغرى والمتوسطة الفرنسية، كما أكد الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، الذي يوجد مقره بالكويت دعمه للمشروع، حيث ستكون من المهام الأساسية للمرصد جمع المعلومات التي تصدرها العديد من المؤسسات مثل المندوبية السامية للتخطيط وبنك المغرب، والوكالة الوطنية لإنعاش المقاولات الصغرى والمتوسطة، ومكتب الصرف وعدد من المؤسسات الأخرى، والعمل على معالجتها وتوحيدها ليتمكن أرباب المقاولات الصغرى والمتوسطة والمستثمرون من التوفر على بنك معلومات يهم كل ما يتعلق بهذه الوحدات الإنتاجية، ومن مهامه أيضا إنجاز دراسات قطاعية لتوفير المعلومات الضرورية للراغبين في الاستثمار في هذه القطاعات، كما سيعمل المرصد على إحصاء هذا النوع من المقاولات حسب الجهات ورقم المعاملات، وشكلها القانوني، إضافة إلى دراسة متوسط عمرها وعدد المقاولات التي تفلس، ولن يكون من مهام المرصد تمويل المشاريع، بل سيقتصر دوره فقط على توفير المعلومات الشاملة حول خطوط التمويل المتوفرة، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، وسيتولى المرصد أيضا، تقييم السياسات العمومية المتعلقة بالمقاولات الصغرى والمتوسطة، وتأثيرها الفعلي على النسيج الاقتصادي الوطني، من قبيل معرفة الأسباب التي تجعل قلة من المقاولات الصغرى والمتوسطة هي التي تستفيد من البرامج الحكومية في هذا المجال، مثل «امتياز» و«مساندة» علما أن هذه الوحدات تمثل فيه 90 في المائة.
المقاولة من خلال انتخابات 25 نونبر على بعد أيام قليلة من موعد الانتخابات التشريعية ل 25 نونبر 2011، كشفت العديد من الأحزاب السياسية عن برامجها الانتخابية بتوجهاتها المتباينة، معلنة عن أهداف اقتصادية واجتماعية متنوعة بهدف استقطاب أكبر عدد ممكن من الناخبين يوم الاقتراع، وجاء في هذه البرامج مثلا الرفع من معدل النمو بنسبة تتراوح بين 6 و7 في المائة، وإحداث أزيد من 200 ألف منصب شغل كل سنة أو الرفع من الحد الأدنى للأجور إلى سقف 3 آلاف درهم، وتبدو هذه الوعود في غياب توضيح شاف لترجمة هذه التطلعات على أرض الواقع فضفاضة، وهو ما علق عليه الخبير الاقتصادي، ادريس بنعلي، عندما سألته «المساء» عن برامج الأحزاب السياسية بالمغرب خلال الحملة الانتخابية 2011، بالقول «إن الدستور واضح في هذه المسألة، هل يمكن لحزب معين أن يقدم برنامجا سياسيا أو اقتصاديا؟ الدستور يقول إن القرارات الاستراتيجية للمغرب يجب أن يبت فيها مجلس الوزراء، ومعنى ذلك أنه يجب أن يصادق عليها الملك، فالحزب الذي يعرف مسبقا أن برنامجه سوف لن يعتد به لماذا ينجزه...»، ومن خلال استطلاع أهم ما ستلتزم به الأحزاب بخصوص المقاولات الصغرى والمتوسطة، نجد مثلا بأن «التحالف من أجل الديمقراطية» يهدف إلى تحقيق معدل نمو يتجاوز 6 في المائة، والتحكم في معدل التضخم والعجز في الميزانية في حدود 3 في المائة، ويلتزم بتطوير النسيج الصناعي ودعم المقاولات الصغرى والمتوسطة وإنعاش الصادرات والاستثمارات العمومية خصوصا في المناطق الفقيرة، ووعدت أحزاب التحالف التي يبلغ عددها 8، في برنامجها المشترك بإحداث حوالي 200 ألف منصب شغل كل سنة من بينها 50 ألف منصب اعتمادا على التشغيل الذاتي، ومن أجل تنفيذ ذلك سيعتمد على الشراكات الذاتية من خلال فرض مزايا ضريبية، وتبسيط الإجراءات المتعلقة بخلق المقاولات، أما حزب الاستقلال فإن الأمر يتعلق أيضا بتفعيل الاتفاقات الموقعة بين الدولة والمقاولات العمومية في ميدان إدماج الشباب العاطل من ذوي الشهادات ودعم البرنامج الوطني للتأهيل المهني، وفي غياب أرقام يلتزم الحزب أيضا بتسريع وتيرة برنامج الشباب المقاول، والقيام بمراجعة عمل الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل وإحداث المقاولات، ومن جانبه يعد حزب العدالة والتنمية، بالرفع من الحد الأدنى للأجور إلى 3 آلاف درهم دون إعطاء تفاصيل حول تأثير هذا الإجراء على تنافسية المقاولات المغربية وخاصة منها الصغيرة والمتوسطة.