لقد أضحت البطالة ظاهرة المجتمع المغربي بامتياز ، فلا يمكن لك أن تطرق بيتا مغربيا إلا وتجد به شابا عاطلا عن العمل ، هذا إن لم تجده كله يعمل في مناصب من نوع «سلك وعدي»، وفي حرب على هذه الأخيرة أطلت علينا حكومة عباس الفاسي بمشروع «مقاولتي»، وهو مشروع يهدف إلى خلق مناصب شغل من خلال دعم الشباب حاملي المشاريع والمتوفرة فيهم بعض الشروط مثل الجنسية المغربية، والسن المحددة في الشباب المتراوح عمره بين 20 و45 سنة، والذي لم يسبق له أن حصل على سجل تجاري من قبل . من الجيد أن تقوم الحكومة بدعم الشباب العاطل بمنحه قرضا قد يصل إلى 250 ألف درهم للشخص الواحد، و500 ألف درهم للشريكين، إلا أنه ما يطرح التساؤل هو الشروط سابقة الذكر وأيضا طريقة التعامل مع الدعم . فككل القطاعات وليس قطاع التشغيل فقط، لازال المغرب يعاني من مشكل المساطر، إذ ليس المشكل في القوانين في حد ذاتها ولكن في طريقة تنفيذها وتطبيقها ...ليس المشكل في «مقاولتي» كمشروع الهدف منه محاربة البطالة ولكن المشكل في تنفيذه، نتذكر هنا مشروع «المقاولون الشباب» وكم صرفت عليه الحكومة لكي يفشل في الأخير ، ومشروع «مقاولتي« بصيغته الأولية أيضا قيمه البعض على أنه فاشل لسبب بسيط هو أن الدولة لم تدخل في العملية كطرف أساسي، بل ظلت كالمراقب والوصي بدون أن تكون فاعلا في القضية، وهنا نقصد الدخول كراع وليس كضمانة، لأنه عندما تقوم الدولة برعاية المشاريع وتتبعها فإنها ستقيم الناجح من الفاشل، وستنجد الفاشل وتشجع الناجح خصوصا أن المشروع لازال «رضيعا» لم يلق قبول كل القائمين على الشأن الاقتصادي والتنموي الوطني، فالأبناك مثلا تقدم القروض للشباب بفائدة وهو أمر عادي، أي لم تضف شيئا لتساهم في تنمية البلاد بالمنظور التنموي والمشاركة التفاعلية في تنمية الوطن، فيكفي أي شخص أن يقدم ضمانة أو رهنا ويأخذ قرضا أكثر من الوارد ب«مقاولتي»، ويكفي المؤسسة البنكية أن تضمن حقها لكي تمنح لأي شخص قرضا يتناسب والضمانة، والدولة عندما تقدم نفسها على أنها الضامن للشاب حامل المشروع فإنها تعتبر وصياية فقط وليست صاحبة القرار. كان يجب على الدولة أن تدخل كشريك في المقاولة بالتكفل بدعم الفائدة للأبناك أو إرغامها على تقديم قروض للشباب بدون فوائد إذا أرادت نجاح مشروع مقاولتي، لأن الغرض من المشروع ليس هو أن يربح البنك ولكن الغرض منه أن تكسب الدولة جيلا صانعا للعمل والمساهمة ولو بشكل نسبي في القضاء على البطالة. مساطر طويلة وبحث وتنقيب أولي، فمرورا بشباك «مقاولتي» المنتشر بأغلب المدن المغربية، وهذه خطوة مستحسنة، يقوم حامل المشروع بوضع فكرته وأخذ صورة عن الأمر، ويقوم الشباك بدوره بفحص فكرة المشروع وصاحبه وإذا وافق على المشروع مبدئيا يبعثه للوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات لتقوم بدورها بدراسة المشروع بشكل أوسع، وتصوروا هذه الدراسة ومدتها ونفسية الشاب المغلوب على أمره، وإذا وافقت عليه تمرره بدورها للطرف المحوري والرئيسي في القضية وهو الأبناك التي تعتبر الرابح الأكبر، فهي التي تقيم المشروع بشكل نهائي، وهي التي تقرر منح الدعم أم رفض المشروع، وهي التي تكسب إذا ربح المشروع الفائدة، وهي التي تضمن حقها من الدولة إذا فشل، يعني بصريح العبارة هي «مولات الخبزة الكبيرة». إن كل متتبع للشأن الوطني سيجزم بصعوبة المساطر طولها، ومسطرة «مقاولتي» واحدة من هاته المساطر التي تنتهي بمجرد أخد الشاب القرض لينتهي كل شيء ويغرق هذا الأخير في دوامة الربح والخسارة، خصوصا أنه غالبا ما يكون هناك عدم توافق بين دراسة الشاب ومشروعه، كشاب دارس للغة العربية وأدبها وحامل لمشروع مقاولة لإنتاج الجبن...أو شاب خريج فلسفة وحامل لمشروع تربية الغنم ليتيه هو وغنمه في آراء ديكارت وهيجل.... يجب على الدولة تتبع الشباب ومصاحبتهم إذا أرادت نجاح «مقاولتي» وليس تمويل الشباب ونسيانهم بهدف تقديم إحصائيات عند المساءلة أمام البرلمان أو براهين للشرح لمؤسسات الدعم الدولي والاتحادات الشريكة للمملكة لأننا في زمن تخطينا فيه زمن تقديم البراهين للتغطية عن الفشل لشيء أكبر منه يسمى تنمية بمفهوم شامل وبناء. لقد استفاد بعض الشباب من «مقاولتي»، وهي رغم كل الانتقادات التي يمكن أن توجه لها تبقى خطوة جادة لمنح شعاع من الأمل لشباب مغربي لا يجد أمامه سوى الشارع ينتظره من بعد ما كد وجد، لكن بعض الرافضين ل«مقاولتي» من أصحاب الشهادات العليا أمام البرلمان المغربي يرفعون شعار «معاناتي». وإلى أن ترفع المعاناة عن كل الشباب المغربي يبقى السؤال المطروح: من سينجح في الأخير، هل حاملو شعار «مقاولتي» أم «معاناتي» ؟