عندما اندلعت الأزمة الأخيرة بين الشقيقة الكبرى العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، على خلفية الأحداث الأخيرة المتمثلة في إعدام السعودية ل 47 من المعارضين الشيعة على رأسهم الشيخ نمر باقر نمر، ومقابلة ذلك بإحراق السفارة السعودية بطهران، ثم قطع الرياض لعلاقاتها الدبلوماسية مع طهران، وحذو كل من المنامةوالخرطوم حذو الشقيقة الكبرى الرياض. الكل كان ينتظر أن تعيد الرباط سيناريو حادثة 2009، حين قطعت علاقاتها الدبلوماسية «الهشة» مع طهران، تأييدا وتضامنا مع مملكة البحرين. والحال أن الموقف الأخير المتزن للرباط كان دالا على أن تغييرا ما قد طرأ على تقييم دبلوماسية «حسان» لعلاقتها مع جمهورية العمائم السود والبيض خلفاء آية الله الخميني، وبأن هذه الأخيرة قد بدأت تستفيد من دروس الماضي. وبذلك يمكننا القول بأن مسار العلاقات المغربية الإيرانية منذ 1999، قد عرف مسارين أو نسختين، نسخة القطيعة والانفعال، ونسخة التريث والبراغماتية والاتزان. علاقات يشوبها التسرع والانفعال منذ سقوط الشاه في فبراير 1979، و الذي كانت تربطه صداقات جيدة مع الملك الحسن الثاني أكثر منها علاقات دولة، دخلت العلاقات بين الرباطوطهران في النفق المسدود. ليعقبها طلاق دبلوماسي وسياسي عام 1981، سيما بعد أن طلب الشاه المخلوع اللجوء السياسي بالمغرب. ما ولد سخطا عند طهران في نسختها الخمينية، والتي سعت لاجتثاث الإرث الشاهنشاهي بكل ما أتيت من قوة، وقد زاد الصدع والتصدع بين البلدين نتيجة اختلاف وجهات النظر، خاصة على مستوى ملفات استراتيجية وحساسة مثل ملف الصحراء، حيث كان موقف طهران داعما للطرح الانفصالي، إرضاء للحليفة الجزائر ونكاية في أصدقاء الشاه القدامى. زد على ذلك موقف المغرب الداعم للنظام العراقي البعثي في حربه على إيران، حيث أبدى الملك الحسن الثاني في مؤتمر القمة العربية الثاني عشر المنعقد بفاس عام 1982 عن استعداده، إلى جانب باقي الدول العربية، لتنفيذ التزاماته نحو العراق بموجب معاهدة الدفاع المشترك العربية في حالة استمرار إيران في الحرب. وهو الموقف الذي له علاقة بالموقف السعودي والخليجي والعربي عامة (باستثناء محور دمشق_الجزائر)، الداعم لصدام حسين في حربه على إيران، ومن جهة أخرى نتيجة استياء الرباط من طهران، والتي أعلنت الحرب على الملكيات في العالم العربي، عبر ما عرف بتصدير الثورة، والذي كان أحد أهم أسباب حرب الخليج الأولى بين العراقوإيران. علاوة على الحرب الشرسة التي اندلعت بين نظام الحسن الثاني وحركة محمد عبد الكريم مطيع الحمداوي مؤسس حركة الشبيبة الإسلامية بداية الثمانينيات. كلها عوامل عجلت بانهيار العلاقة بين البلدين. ليعود الدفء من جديد، عقب انتهاء حرب الخليج الأولى بين العراقوإيران، إلى العلاقات بين الرباطوطهران، ومعه عودة التمثيل الدبلوماسي الإيراني إلى المغرب، عبر افتتاح السفارة الإيرانية في الرباط عام 1991. لتدخل علاقة الدولتين مرحلة من الانفراج السياسي بتغير في مواقف إيرانية سابقة خاصة فيما يتعلق بقضية الصحراء، حيث وعدت إيران بسحب اعترافها بما يسمى ب»الجمهورية العربية الصحراوية» عام 1991، متبنية لقرارات المنتظم الأممي من أجل تسوية الملف. وفي المقابل أقر المغرب حق إيران في امتلاك واستعمال الطاقة النووية لأغراض سلمية. ثم جاءت مرحلة ما يمكن تسميتها بمرحلة الانفتاح الجديد، سيما في عهد الرئيسين الإيرانيين محمد خاتمي والذي تزامن وصوله لرئاسة الجمهورية، مع مرحلة حكومة «التناوب»، حيث عرفت الدبلوماسية المغربية بقيادة الحكومة الاتحادية نشاطا غير مسبوق، كانت طهران محطة من محطات الأجندة الدبلوماسية المغربية. وقد استمرت حالة التقارب إلى غاية وصول أحمد نجادي للسلطة. وهو ما تزامن مع سقوط بغداد وتغول الدور الإيراني بالمنطقة. وتزايد نفوذ حركة التشيع بالإيالة الشريفة، والتي يمكن تقسيمها لمرحلتين، مرحلة ما بعد صدمة 16 ماي 2003 حيث غض الطرف نسبيا عن حركة المكون الشيعي الكتوم وغير المرئي، والذي يمكن أن يفهم بأنه كان من أجل إضعاف المكون السلفي_ الوهابي، و الذي أعلنت الدولة الحرب عليه عقب أحداث 16 ماي. ثم مرحلة القطيعة مع تزايد الاختراق الشيعي للملكة، وقد ترجم ذلك من رفض السلطة لأحزاب ذات مرجعية سياسية متبنية أو متعاطفة مع التيار الشيعي، و على رأسها حزب البديل الحضاري وبدرجة أقل حزب الأمة. وبلغت المرحلة ذروتها مع بداية 2008 حين تم حل حزب البديل الحضاري على خلفية ما عرف بخلية بلعيرج، والزج بمؤسسي الحزب، محمد المرواني والمصطفى المعتصم بالسجن إلى غاية اندلاع الربيع العربي، حيث تم إطلاق سراحهما نتيجة إكراهات الواقع الجديد. وليعود التوتر من جديد في فبراير 2009 حين أعلنت الرباط في شخص بيان وزارة الخارجية المغربي على سحب القائم بالأعمال المغربي بالنيابة بسفارتها في طهران للتشاور لمدة أسبوع»، وبأنها طلبت توضيحات من السلطات الإيرانية التي «سمحت لنفسها بالتعامل بطريقة متفردة وغير ودية ونشر بيان تضمن تعبيرات غير مقبولة في حق المغرب إثر تضامنه مع مملكة البحرين، على غرار العديد من الدول، بشأن رفض المساس بسيادة هذا البلد ووحدته الترابية». ليبلغ التصعيد الدبلوماسي المغربي الإيراني أشده في 6 مارس 2009، بإعلان الرباط عن قطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران. وبذلك دخلت العلاقة الهشة بين الرباطوطهران مرحلة القطيعة الثانية بعد قطيعة بداية الخطاب البراغماتي كأفق لمستقبل العلاقات هو بلاغ هادئ ينم عن نوع من الاستيعاب لمجريات الأحداث. ذاك هو الانطباع السائد والحاصل عقب الاطلاع على بيان وزارة الخارجية والتعاون المغربية، الصادر بعد تفاقم الوضع بين الشقيقة الكبرى وإيران. والحال أن هناك عددا من الملاحظات حول البلاغ وحيثياته. ولعل أهم ملاحظة هو توقيت البيان، والذي رأى فيه البعض بأنه كان متسرعا لأنه كان عليه أن يتريث إلى غاية اتضاح الرؤية، ويقصدون باتضاح الرؤية، هو ما ستؤول إليه الأوضاع والتي انتهت بقطع الرياض لعلاقاتها الدبلوماسية مع طهران، ثم اقتداء عدد من الدول العربية بالشقيقة الكبرى، دعما وتقربا لها مثل مملكة البحرين، والسودان. ومن الواضح أن أصحاب هذا التقدير كانوا وما يزالوا يعولون على موقف من الرباط أكثر صرامة وتشددا، قد يصل إلى حد طرد السفير الإيرانيبالرباط أو القائم بالأعمال محمد تقي مؤيد( ما يزال هناك خلط، فإيران تتحدث عن سفير والرباط عن قائم للأعمال !) وطبعا أصحاب هذا التقدير كل ما يهمهم في المقام الأول المزايدة على استرضاء الشقيقة الكبرى. بينما يرى البعض بأن موقف الرباط كان متزنا وبراغماتيا، حاولت فيه الرباط مسك العصا من الوسط، بعيدا عن أي عنترية دبلوماسية، قد تكون غير محسوبة العواقب. لأنه ومهما يكن فالتصعيد الأخير بين طهرانوالرياض ليس بسبب إعدام الشيخ النمر وباقي المعارضة الشيعية، بقدر ما هو مجرد حلقة صراع على رقعة شطرنج تضم عدد حلبات التوتر، بدءا من اليمن والعراق مرورا بسوريا وانتهاء بلبنان. علاوة على أن الموقف الداعم بلا شرط ولا قيد للشقيقة الكبرى مسألة غير قابلة للتشكيك أو المزايدة. زد على ذلك، فقرار الشقيقة الكبرى إعدام المعارضين الشيعة، وعلى رأسهم أيقونة تاريخية ومرجعية سياسية شيعية بالسعودية مثل الشيخ نمر، أمر ليس محل إجماع أو حتى تعاطف القوى الدولية بما فيها أصدقاء الشقيقة الكبرى مثل العم سام ودول الاتحاد الأوربي. ولا أدل على ذلك التهم التي بموجبها أعدم الشيخ النمر ومن معه ! وهو ما من شأنه أن يفرض نوعا من العزلة وعدم التضامن الواسع مع الشقيقة الكبرى. ومن جانب آخر يمكن أن نتفهم مسارعة المنامة لطرد السفير الإيراني كنوع من المجاملة ورد الجميل للشقيقة الكبرى التي لولا تدخلها لدعم العائلة الحاكمة، بعد اندلاع أحداث 2011، لكان آل خليفة قد لحقوا بآل بن علي والقذافي ومبارك . والشيء نفسه قد يقال على نظام البشير المترنح والباحث عن عطف الشقيقة الكبرى، لإنقاذه من ورطته الاقتصادية والسياسية التي يتخبط فيها نظام الخرطوم العسكري. الشيء الذي لا ينطبق لا من قريب ولا من بعيد على الإيالة الشريفة، والتي لا يمكنها أن ترهن مستقبل علاقاتها الدبلوماسية بتقلبات الحسابات السياسية للشقيقة الكبرى، والتي طال الزمن أو قصر ستعيد الدفء إلى علاقاتها مع طهران كما جرت العادة في كل مرة. التريث وعدم التسرع العنوان البارز للمرحلة .. محطات التقارب و التطبيع بعد سنوات من الجمود، احتضنت مراكش يومي 15 و16 ربيع الأول 1435 ه، الموافق ل 17 و18 يناير 2014 م، الدورة العشرين للجنة القدس، برئاسة الملك محمد السادس بصفته رئيسا للجنة القدس، وبحضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وبمشاركة وزراء 15 بلدا إسلاميا وعربيا، والأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، علاوة على مشاركة مبعوثين، يمثلون الدول الأعضاء الدائمة بمجلس الأمن، والاتحاد الأوروبي، و الفاتيكان، والأمم المتحدة والجامعة العربية. ويبقى اللافت في الدورة، هو الدعوة الموجة للجمهورية الإسلامية الإيرانية للمشاركة في الدورة، والتي وجهها وزير خارجية المغرب صلاح الدين مزوار عبر بوابة منظمة التعاون الإسلامي. وهو ما عد حينها مؤشرا من الرباط إلى نظيرتها طهران على إمكانية عودة العلاقات بين البلدين ولكن بشروط صارمة من الرباط حتى لا تتكرر سيناريوهات الماضي. لتنتظر الرباط بعدها رد طهران على دعوة المشاركة. خاصة على مستوى التمثيلية الإيرانية، والتي تعكس مدى جدية إيران في محاولة عودة الدفء للعلاقة بين البلدين. والحال أن الرباط قد استاءت بعض الشيء من مستوى تمثيلية الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الدورة، والتي اقتصرت على تمثيلية السفير والمندوب الدائم لإيران لدى منظمة التعاون الإسلامي حميد رضا دهقاني، حيث يبدو أن الرباط كانت تعول على مشاركة إيرانية أكثر تمثيلية، مجسدة في شخص وزير الخارجية، لاعتبارين اثنين، الأول من أجل إنجاح القمة العشرين بعد سبات طويل من التعثر والجمود، والثاني لجس نبض الطرف الإيراني في استئناف العلاقات بين البلدين، سيما بعد المتغيرات الكبيرة التي عرفتها المنطقة العربية ككل، عقب موجة الربيع العربي! ومن الواضح أن إيران قد التقطت الرسالة المغربية وأرادت بدورها أن ترد عليها برسالة مفادها أن إيران لا تمانع في عودة العلاقات ولكن بضوابط جديدة حتى لا تتكرر أحداث الماضي! فطهران تدرك جيدا حجم العلاقات المتينة بين الرباط ودول التعاون الخليجي خاصة محور الرياض_ أبو ظبي، وبالتالي فالتطبيع بين البلدين لا بد أن يمر حتما عبر الشقيقة الكبرى العربية السعودية. المكالمة الهاتفية التي أحيت العلاقات من جديد وفي مقابل الدعوة التي وجهها المغرب عبر منظمة التعاون الإسلامي لإيران من أجل المشاركة في القمة العشرين للجنة القدس، ردت إيران التحية بتحية أكبر منها تجسدت في مهاتفة وزير الخارجية الإيراني لنظيره المغربي. حيث نقلت وسائل الإعلام الإيرانية بأن حسين أمير عبد اللهيان مساعد وزير الخارجية المكلف الدول العربية، قوله أنه أثناء «محادثة هاتفية حديثة» بين وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف؛ ونظيره المغربي صلاح الدين مزوار «أكد الجانبان ضرورة إعادة العلاقات الدبلوماسية». مضيفا بأن «سفارتي البلدين ستفتحان أبوابهما مجددا عما قريب»، ومعتبرا حضور ممثل إيراني الاجتماع الأخير في مراكش للجنة القدس يناير 2014، مؤشرا على تحسن العلاقات بين البلدين. وفي الضفة الأخرى، تناقلت عدد من وسائل الإعلام المكتوبة والإلكترونية المغربية تعليقات حذرة لمسؤولين مغاربة مفادها بأن خبر إعادة العلاقات بين البلدين صحيح، بيد أنه يتطلب بعض التوضيح! كما أن عودة العلاقات بين البلدين يجب أن تتم في إطار الاحترام المتبادل للمقومات الدينية والحضارية لكل منهما. وقد بدا جليا بأن استئناف العلاقات بين البلدين سيكون في حده الأدنى متمثلا في القائم بالأعمال وليس السفير، ريثما تتكشف الأمور. وهو ما يمكن اعتباره منزلة ما بين المنزلتين، فلا هي بالقطيعة التامة، ولا هي بالعلاقات الطبيعية السوية! و هي الصيغة التي كان من المفترض أن تغدو صيغة دائمة وليس مرحلية انتقالية، وذلك لأن كل المؤشرات تدفع للقول بأن العلاقات بين إيران ودول الخليج وعلى رأسها الشقيقة الكبرى الرياض ومعها أبوظبي بدرجة ثانية ليست على ما يرام، وبأنه في أية لحظة وحين قد تندلع أزمة بين الطرفين. فمحاور الصدام في تصاعد في عدد من الملفات الإقليمية مثل اليمن وسوريا والعراق ولبنان… من نجادي إلى روحاني: ويبقى الحال على ما كان عليه ! ومن الواضح أن أصحاب القرار بالرباط لم يكونوا يراهنون على التغيير على مستوى القيادة الإيرانية، بعد مغادرة أحمد نجاد وانتخاب حسن روحاني، لحلحلة العلاقات الدبلوماسية المترهلة بين البلدين. والدليل هو عدم بعث الرباط لتهنئة للرئيس الجديد حسن روحاني عقب انتخابه في 15 يونيو 2013. وهو ما قرأ في حينه على أنه استمرار لموقف التوتر وعدم استعداد الرباط لفتح صفحة جديدة أو حتى ترميم الصفحة القديمة على الأقل في حينه. وفي المقابل سارعت جبهة البوليساريو في شخص زعيمها محمد ولد عبد العزيز إلى تهنئة الرئيس الجديد حسن روحاني، خاطبة ود أصحاب العمائم البيض. ويبدو أن المغرب قد حاول استدراك هذا، بحيث تحرك ملف التطبيع بين البلدين عقب انعقاد المؤتمر 20 للجنة القدس ودعوة الرباططهران للمشاركة، وهو ما تجسد في حضور حميد رضا دهقاني إلى مراكش، ليختتم عام 2014 بعودة العلاقات بين البلدين حيث أعلنت إيران عن تعيين سفير لها في الرباط بعد قطيعة دامت لخمس سنوات. وكما جرت العادة، فقد كانت الخارجية الإيرانية سباقة لنشر الخبر، إذ أوردت وزارة الخارجية الإيرانية في بيان لها يفي 19 دجنبر 2014 عن تعيين محمد تقي مؤيد سفيرا في الرباط. وفي المقابل لم تبادر الرباط إلى تعيين سفير لها بطهران ليبقى الغموض حول من سيتولى مهام السفير بطهران سيد الموقف! على الرغم من كلمة وزير الشؤون الخارجية صلاح الدين مزوار أثناء عرضه لحصيلة عمل وزارته في السنة المنصرمة، وتقديمه مشروع ميزانية السنة المقبلة، في لجنة الخارجية والدفاع الوطني، حيت أعلن حينها أن الرباط قد فتحت القنوات الدبلوماسية مع إيران، وستعين سفيرا لها في أقرب الآجال مع سفراء آخرين في إطار تصور وهيكلة جديدة للبعثة الدبلوماسية والبروفيلات المناسبة لكل بلد. تهنئة ملكية مفاجئة ! وكان لافتا تهنئة الملك محمد السادس في 11 فبراير 2015 لنظيره الرئيس الإيراني حسن روحاني بمناسبة العيد الوطني لإيران، والذي صادف الذكرى 36 لقيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية (الثورة الإيرانية )، وهو ما عد نقلة نوعية بين البلدين في أفق التطبيع الدبلوماسي الشامل بإفصاح الرباط عن اسم من سيتولى قيادة سفارة المغرب بطهران، بدلا من حالة الانتظار والترقب! أكثر من ذلك، فقد حوت التهنئة رسائل واضحة، تجمع بين حرص المملكة المغربية على توطيد العلاقة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ونيتها الصادقة في ذلك:» «وأغتنم هذه المناسبة، لأعرب لكم عن حرصي الأكيد على العمل سويا معكم من أجل إعطاء دفعة جديدة للعلاقات التي تجمع بين بلدينا في شتى المجالات ذات الاهتمام المشترك». ولكن شريطة أن لا تكون على حساب أمن واستقرار المنطقة العربية، حيث نقرأ:» بما يخدم مصالح شعبينا الصديقين، ويسهم في دعم العمل الإسلامي المشترك، وتوطيد التضامن بين دول الأمة الإسلامية جمعاء». محطات التجاذب والتصعيد..مشاركة في عاصفة الحزم تلبية لنداء السعودية لم يكد يمر أقل من شهر ونصف على تهنئة الملك محمد السادس لنظيره الرئيس الإيراني حسن روحاني بمناسبة العيد الوطني/ الذكرى 36 لقيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، حتى أعلنت الشقيقة الكبرى العربية السعودية عن انطلاقة ما عرف بعاصفة الحزم في 26 مارس 2015 والتي كانت تروم فيها وضع حد للتمدد والاكتساح الحوثي المدعوم إيرانيا لليمن، وذلك عقب سيطرة الجماعة الحوثية على صنعاء في 21 سبتمبر 2014 ، مدعومة من قوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة اليمنية المرتبطة بعلي عبد الله صالح، ومحاصرتهم للقصر الجمهوري واقتحامهم معسكرات للجيش، ومقرات وسائل الإعلام الحكومية والشركات النفطية، وقيامهم بتعيين محافظين جدد… بمعنى استيلائهم التام على كل مفاصل البلاد! وهكذا سعت الشقيقة الكبرى عبر سيطرة مقاتلاتها على أجواء اليمن وتدميرها للدفاعات الجوية ونظم الاتصالات العسكرية خلال الساعات الأولى من انطلاقة العملية. وبذلك أعلنت السعودية بأن الأجواء اليمنية منطقة محظورة، محذرة (إيران) من مغبة الاقتراب من الموانئ اليمنية. لقد كانت مشاركة المغرب إلى جانب مصر والسودان وباكستان وباقي دول الخليج؛ الكويت والإمارات وقطر والسلطنة والبحرين من باب التأكيد على مكانة ومحورية الشقيقة الكبرى خليجيا وإقليميا وعربيا، ومن جهة ثانية كعنوان لاستمرار التعاون والتحالف الاستراتيجي بقيادة الرياض. والحال أنه لا يمكننا القول بأن مشاركة المملكة المغربية لنظيرتها العربية السعودية في عاصفة الحزم قد عرقلت مساعي عودة العلاقات بين طهرانوالرباط، بقدر ما وضعت النقاط على الحروف، في كون الرباط لا يمكنها أن تغرد خارج السرب الخليجي والعربي عامة، سيما إذا تعلق الأمر بالشقيقة الكبرى ، وأنه على رجال الثورة الإيرانية وخلفاء الخميني بطهران أن يعوا جيدا بأن هذه المواقف هي بمثابة ثوابت للسياسة الخارجية المغربية. فإذا كان الصراع العربي_ الإسرائيلي يمر عبر القاعدة الشهيرة: لا حرب بدون مصر ولا سلام من دونها. فإنه في الحالة المغربية، فالعلاقات المغربية الإيرانية تنطبق عليها قاعدة: لا تطبيع من دون رضا الرياض، ولا تصعيد من دونها. عودة التوتر من جديد على خلفية تقرير وكالة فارس للأنباء بينما كانت الدبلوماسية المغربية تقلب أوراقها من أجل تعيين اسم يملأ الفراغ الدبلوماسي بطهران، حيث السفارة المغربية هناك ما تزال تنتظر اسم سفيرها. خرجت وكالة فارس للأنباء التابعة للذراع الإعلامي للحرس الجمهوري الإيراني بتقرير أقل ما يقال عنه بأنه مسيء للمملكة، ولا يدفع إلى كثير من التفاؤل حول مستقبل العلاقات الهش بين البلدين. التقرير الذي وصف المملكة المغربية بأنها «أسيرة للسياسات الصهيونية «! وهو ما دفع بوزارة الخارجية المغربية ممثلة في الوزيرة المنتدبة لدى وزير الخارجية مباركة بوعيدة، إلى استدعاء القائم بأعمال السفارة الإيرانية في الرباط، والذي راج حينها بأنه كان خارج المغرب! مبلغة إياه «احتجاج المغرب الشديد لمضامين المقال الخطيرة المذكور، ومعتبرة إياها ذات أبعاد غير مقبولة تنم عن نية مبيتة للإساءة المقصودة لبلادنا». ومؤكدة «استياء المملكة المغربية لهذا الأسلوب غير المسؤول الذي يقوض جهود البلدين الرامية إلى إعادة بناء الثقة»، ومطالبة في الوقت ذاته السلطات الإيرانية «بتقديم التوضيحات الضرورية، واتخاذ الإجراءات المناسبة إزاء هذا العمل المسيء للعلاقات بين البلدين». ولم يتأخر توضيح وزارة الخارجية الإيرانية بخصوص التقرير المسيء للمملكة، والذي كان عبارة عن كلام وعبارات فضفاضة من باب تحدث لكي لا يقول شيئا!