بين فبراير 2002 ومايو 2006، وجدت السلطات العمومية نفسها تسارع الزمن من أجل إعادة صياغة سياستها الأمنية، بهدف مواجهة فاعل ديني جديد أصبح يرمز إلى مختلف التهديدات التي من شأنها أن تمس باستقرار المغرب. فإذا كان مقتل الشاب المغربي «فؤاد القردودي» في فبراير 2002 بالدار البيضاء قد كشف عن وجود مجموعة من السلفيين نسبوا إلى تنظيم «الصراط المستقيم»، وهو أمر دفع إلى إبداء مخاوف حول عدد المجموعات الصغيرة التي تؤمن بالعنف وتمارسه، مما أفضى إلى تفكيك مجموعة «يوسف فكري»، فإن إقدام مجموعة من الشباب ليلة 16 مايو 2003 على القيام بعمليات انتحارية، استهدفت المدنيين بالدار البيضاء، أفضى إلى التعامل مع التهديدات الجديدة بأقصى ما يمكن من الصرامة، خاصة وأنه بين الحدثين: حدث فبراير 2002 وحدث 16 مايو 2003، كانت السلطات الأمنية قد فككت خلية نائمة في مايو 2002 تضم ثلاثة أعضاء في تنظيم القاعدة، مما فرض ضرورة اعتماد فرضية «اليد الخارجية» في استهداف البلاد. إن انخراط المغرب في الحرب الدولية على الإرهاب بعد أحداث 11 شتنبر 2001 وتفكيك مجموعات كانت تمارس العنف أو تفكر في اللجوء إليه، دفع السلطات العمومية إلى إعادة صياغة سياستها الأمنية، صياغة جعلتها تركز أساسا على العمل الاستباقي، من خلال اعتماد مجموعة من التدابير والإجراءات ذات البعد الوقائي. تتأسس السياسة الأمنية المرتكزة على العمل الاستباقي على ثلاثة معطيات: - يتعلق المعطى الأول بإعداد قاعدة من البيانات حول كل المنتسبين إلى تيار السلفية الجهادية أو المشتبه في انتمائهم إليه، إضافة إلى حصر لوائح بأسماء كل المغاربة الذين سبق لهم أن ذهبوا إلى أفغانستان. وقد تم إنجاز ذلك بالرجوع إلى أرشيف «الجمعية المغربية لمساندة الجهاد الأفغاني» التي كان يرأسها الدكتور عبد الكريم الخطيب، كما تمت الاستعانة بخدمات بعض مسؤولي «حركة التوحيد والإصلاح» و«حزب العدالة والتنمية». إن الرغبة في تأسيس قاعدة بيانات حول المنتمين إلى تيار السلفية الجهادية والتخوف من وجود مجموعات على أهبة القيام بعمليات انتحارية شكلا عامل ضغط على السلطات العمومية، مما يفسر الاعتقالات التي طالت عددا كبيرا من المشتبه فيهم، إلى درجة لم يتمكن معها المتتبعون للملف، بمختلف مواقعهم، من تحديد الرقم الحقيقي للمعتقلين، فهناك من كان يتحدث عن 7500 معتقل وهناك من كان يتحدث عن أكثر من 3500 معتقل. وحتى بالنسبة إلى الذين قدموا إلى المحاكمة، فقد كان هناك تضارب حول عددهم بين وزير العدل السابق «محمد بوزوبع» الذي حصرهم في 2000 شخص ومدير حماية التراب الوطني الأسبق «حميدو العنيكري» الذي حددهم في 1200 شخص. - يرتبط المعطى الثاني باعتماد آلية التنسيق بين مختلف الأجهزة الأمنية. فباعتبار أن الحرب على الإرهاب هي حرب «استخباراتية» بالأساس، فقد اتخذ التنسيق مستويين: على المستوى الداخلي، تكثف التنسيق بين الأجهزة الأمنية المدنية، من جهة، أي التنسيق بين المديرية العامة لإدارة حماية التراب الوطني والاستعلامات العامة التابعة للإدارة العامة للأمن الوطني ومديرية الشؤون الداخلية التابعة لوزارة الداخلية، ومن جهة أخرى، تكثف التنسيق بين المديرية العامة لحماية التراب الوطني والمديرية العامة للدراسات والمستندات. أما على المستوى الخارجي، فباعتبار أن الإرهاب ليس ظاهرة محلية ولكنه ظاهرة دولية عابرة للقارات والحدود، فإن الأجهزة الأمنية المغربية وجدت نفسها ملزمة بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية الغربية والعربية والإفريقية، خاصة على مستوى تبادل المعلومات. - يكمن المعطى الثالث في قيام السلطات العمومية بتطوير وتحديث آليات الاشتغال على مستوى الرصد والمراقبة بتزويد الأجهزة الأمنية المختصة في مكافحة الإرهاب بوسائل تقنية جد متطورة لضبط مسارات التواصل بين الخلايا الإرهابية أو لتحديد أماكن تواجد بعض المبحوث عنهم. كما استفادت الأطر الأمنية المعنية بالإرهاب من دورات تدريبية في الخارج. مرت السياسة الأمنية المرتكزة على العمل الاستباقي والتي شرع في صياغتها منذ 2002 بمحطتين: تمتد المحطة الأولى زمنيا إلى صيف 2006. وتتميز هذه المحطة بخاصيتين: - تتمثل الخاصية الأولى في اتساع دائرة الاعتقالات كلما تعلق الأمر بالإعلان عن تفكيك خلية متهمة بالإرهاب، حيث كان يتم الاعتماد على قرائن واهية لا ترقى إلى تشكيل أدلة دامغة لإدانة أصحابها. - تتجسد الخاصية الثانية في الدور المركزي، بل والمهيمن، الذي لعبته المديرية العامة لحماية التراب الوطني، بحيث كادت تحتكر تدبير هذا الملف بمفردها. وهذا ما انعكس على طبيعة «التحقيقات»، حيث كان يتم التركيز على البعد الداخلي في العمل الإرهابي وتهميش البعد الخارجي. تبدأ المحطة الثانية في خريف 2006. وتتميز بخاصيتين أساسيتين: - تتجلى الخاصية الأولى في تقليص دائرة الاعتقالات، حيث أصبحت الأجهزة الأمنية أكثر حرصا على التحري، ولوحظ أن السلطات الأمنية، حتى عندما تقوم ببعض الحملات التمشيطية في إطار سياستها الوقائية في صفوف بعض المشتبه فيهم، فإنها بعد التحقيق لا تحتفظ إلا بالقليل منهم. - تتلخص الخاصية الثانية في الاهتمام بالامتدادات الخارجية للإرهاب الذي يتهدد المغرب، خاصة بعدما تبين أن عددا من متزعمي بعض الخلايا الإرهابية المفككة في المغرب هم مغاربة مقيمون بالخارج، إضافة إلى الإعلان عن تحول «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» بالجزائر إلى «تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد المغرب الإسلامي» ووضعها المغرب ضمن دائرة استهدافها. إن الاهتمام بالبعد الخارجي، حيث أصبح الاعتقاد راسخا بأن أمن المغرب ينبغي الحفاظ عليه انطلاقا من أوربا والجزائر وموريطانيا، سيجعل من «المديرية العامة للدراسات والمستندات» محور السياسة الأمنية في هذه المحطة. تميز الأداء الإعلامي للسلطات العمومية في ما يتعلق بالتعريف بالتدابير الأمنية المتخذة لمواجهة الخطر الإرهابي بالخصائص التالية: أولا: تضخيم الخطر الإرهابي بالمغرب. وهذا التضخيم عبر عن نفسه من خلال العدد الكبير من المعتقلين والموقوفين قبل وبعد اعتداءات 16 مايو 2006. واستغلت الاعتداءات التي استهدفت العاصمة الإسبانية مدريد يوم 11 مارس 2004 وتورط بعض المغاربة فيها لمحاولة تكريس هذا التضخيم، حيث أصبحت كثير من الأجهزة الأمنية في الخارج وكثير من وسائل الإعلام العالمية تعتبر المغرب بلدا منتجا للإرهاب، وتعتبر أن عددا كبيرا من المغاربة منتمون إلى التنظيمات الإرهابية، بل إن كثيرا من الجهات الاستخبارية والأمنية في الغرب، وخاصة في الولاياتالمتحدةالأمريكية، أصبحت تعتقد بأن المغاربة يشكلون خزانا للمقاتلين في العراق، قبل أن يتبين بعد ذلك خطأ هذه المعلومات. وجدير بالتذكير أن تضخيم الخطر الإرهابي كان يخدم أجندة بعض الأمنيين والسياسيين والإعلاميين، من خلال توظيف ورقة الإرهاب لإضفاء المشروعية على المقاربة الأمنية وتهميش باقي المقاربات. ثانيا: تأكيد الإدانة القطعية المسبقة للمتهمين. فالأداء الإعلامي للسلطات العمومية بهدف إطلاع الرأي العام على حقيقة تفكيك الخلايا الإرهابية تجاهل تمام التجاهل قاعدة «المتهم بريء حتى تثبت إدانته». ففي كل الأساليب التي اعتمدتها السلطات العمومية، كانت صيغة الإدانة هي الحاضرة، حتى قبل أن تعرض الملفات على أنظار القضاء، بدءا بتفكيك الخلية النائمة صيف 2002 ومرورا بتفكيك تنظيم «أنصار المهدي» صيف 2006 وانتهاء بتفكيك «شبكة عبد القادر بليرج» في فبراير 2008. وقد لوحظ في تعامل السلطات العمومية إعلاميا مع شبكة عبد القادر بليرج عدم الاكتفاء بالإدانة المسبقة لوزير الداخلية، خلال ندوته الصحافية يوم 20 فبراير 2008، إذ تمت الاستعانة، أكثر من ذلك، بخدمات الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، ليلة 23 فبراير، ليعبر في برنامج إخباري في القناة الأولى عن إدانته المسبقة باسم الدين للمتهمين. ثالثا: عدم تماسك الروايات الرسمية وتضارب معطياتها. فعندما تم الإعلان عن تفكيك جماعة «الصراط المستقيم»، صدر أكثر من بيان عن وزارة الداخلية، تعتبرها تارة ممثلة لتيار التكفير والهجرة، وتارة أخرى ممثلة للسلفية الجهادية. كما لاحظ المتتبعون، في البلاغ الذي أدلى به الوكيل العام للملك بالدار البيضاء عقب الإعلان عن تفكيك الخلية النائمة للسعوديين الثلاثة، حجم التناقض بين الأهداف المعلن عنها، والمتمثلة في محاولة مهاجمة الأسطول الأطلسي في مياه البحر الأبيض المتوسط، وطبيعة المحجوزات. وانتبه المراقبون كذلك إلى التناقض الموجود بين انتماء «حسن الخطاب» إلى السلفية الجهادية والدلالات الشيعية للتنظيم المنسوب إليه، وهو «تنظيم أنصار المهدي». وأخيرا، وليس آخرا، رصد المتتبعون التضارب بين روايتي وزير الداخلية حول الموقع الذي يحتله محمد المرواني ضمن شبكة عبد القادر بليرج. الرواية الأولى، أوردها في ندوة صحافية يوم 20 فبراير 2008. والرواية الثاني تضمنتها تصريحاته بعد ذلك لمجلة «jeune afrique».