ألح الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالدارالبيضاء على إنزال أقصى العقوبات بالمتهمين فيما يسمى بأعضاء "جماعة الصراط المستقيم"، والمتابعين بقتل "فؤاد القردودي"، وذلك خلال مداخلة له قاربت الساعتين أمام هيئة الحكم يوم الجمعة الماضي. وقد أوقف القاضي أطوار المحاكمة بعدما ظهر العياء على جميع الحضور على الساعة الثامنة مساء من نفس اليوم، ليتم تأجيلها إلى غاية العاشر من الشهر الجاري. وقال الوكيل العام للملك إنه لا بد من ردع هؤلاء المتهمين حتى يكونوا عبرة لغيرهم، لأن في ذلك إنصاف للمجتمع وفعالياته المدنية، وأضاف "إن مثل هذه الجريمة تحصل لأول مرة في هذا البلد الأمين، وأن المرء يقف أمامها مذهولا، وتخجل من سماعها الشياطين، وتقشعر منها الأبدان، حيث خلقت نوعا من الرعب داخل وسط الدارالبيضاء، مما يدل على الخطورة الإجرامية لهؤلاء المتهمين". وقد حاج الوكيل العام المتهمين، فيما يخص أصول الدعوة إلى الله، فقال " إن الدعوة تكون بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة الحسنة، وليست بالرجم بالحجارة فنحن لا نخاطب رجلا سكران في إطار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". وتساءل بقوة أمام من حضر الجلسة: "هل هذا هو تطبيق الشريعة الإسلامية؟" و"هل هذا هو القصاص في ديننا الحنيف، القائم على أساس السن بالسن والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والجروح قصاص"، ليخلص في النهاية إلى أن قتلة القردودي قد اقتصوا لأنفسهم، وحلوا محل الدولة في تطبيق العدالة، وأرجعوا المغرب إلى العهود البائدة، حيث كانت تتولى العشائر تنزيل العقاب على المذنبين بنفسها، وأن ما قام به هؤلاء، جاء في إطار تنظيم معين، ينهج أسلوب العنف، للرد على السلوكات المخالفة لتصوراته. وخوفا من أن يفسر كلامه في سياق التحامل على فكر معين أكد الوكيل العام في بداية مداخلته قائلا: "لا أحمل أفكارا مسبقة، حتى لا يظن البعض أني أطلب إدانة هؤلاء المتهمين انطلاقا من خلفيات معينة، وإنما نريد أن نصل إلى الحقيقة القضائية، وليست الحقيقة البشرية التي هي من علم الله تعالى وحده". وقد ذهب الوكيل العام للملك إلى أن تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار ثابتة في حق المتهمين الرئيسين، وذلك من خلال تصريحاتهم في محاضر الضابطة القضائية، واعترافاتهم القضائية أمام قاضي التحقيق، وتعرف الشهود على بعض منهم وهم يرجمون الضحية بالحجارة، كما أن الشاهد عبد الله الإدريسي، لم تستمع إليه المحكمة إلى شهادته، يعتبر من رفاق المتهمين، سبق له أن أكد سماعه من المتهم " عادل بشر" عبارة "اليوم غادي يموت القردودي"، وأن المتهمين أصروا على تنفيذ القتل دون الالتجاء إلى السلطة. ومن جهة أخرى حاول الوكيل العام في مرافعته إثبات أن جريمة قتل القردردي تتوفر فيها حالة التلبس، وبما أنه وصف عيني يلحق بالجريمة، فإن العقاب يسري على الجميع بما فيهم زعيم الجماعة "الميلودي زكرياء"، وقد استرسل طويلا في إثبات المشاركة في حقه من خلال أنه أصدر فتوى الرجم، ونقلها متهم آخر هو "ابراهيم وشين"، يوجد في حالة فرار، وأشاعها بين "الأتباع"، وكذلك باعتبار الميلودي مؤسسا ل"جماعة الصراط المستقيم"، فهو مرجعها الديني، ويملك سلطة دينية وأخلاقية وأدبية عليهم، وبالتالي، يعتبر حسب القانون المغربي، محرضا على ارتكاب هذا الفعل الجرمي، كما طالب الوكيل العام للملك هيئة الحكم بمتابعة زكرياء الميلودي بالنصب والاحتيال، نظرا لاستعمال تبرعات مالية لبناء مسجد، في شراء بقعة أرضية بسيدي الطيبي. واعتير من جهة أخرى أن جريمة قتل القردودي قد توفرت فيها ظروف التشديد مثل سبق الإصرار والترصد. وقد استمرت محاكمة المتهمين في هذه القضية طيلة يوم الجمعة الماضي، حيث استمعت المحكمة في الصباح إلى شهادة تسعة من الشهود، على رأسهم السيدة حليمة أم "فؤاد القردودي"، وأختيه نعيمة وسميرة القردودي، حيث أكدن أنهن لم يعاين حادثة القتل، وإنما سمعن من الناس أن "أصحاب اللحى"، هم من قتلوا ابنهم، ولم يتعرفن على المتهمين، حينما طلب منهن ذلك. وقد صرحت الشاهدة نعيمة القردودي، أمام القاضي أنها سمعت أمر القتل من الصحافة. وقد استغرقت المحكمة وقتا طويلا في الاستماع إلى الشاهد الرئيسي في هذا الملف، يدعى "سعيد الزيتوني"، الذي أكد أنه رأى المتهم "علي فردوس"، حينما ضرب القردودي بحجرة فأسقطه أرضا، ثم رفع آخر يدعى "عادل بشر" حجرا كبيرا فهوى به على رأس الضحية، صحبة خالد الحنصالي، مرددين عبارة "الله أكبر"، هذه الشهادة جاءت متناقضة مع شهادة "ميلود الزيتوني" الذي قال:"لم أسمع المتهمين يرددون "الله أكبر" مع أني كنت موجودا بعين المكان وسط حشد كبير من الجمهور". وتمت مقابلة الشهود بالمتهمين، حيث تم التعرف على بعضهم، كالمتهم "لطفي محمد"، و"عبد الرزاق الفاتحي"، و"عادل بشر"، و"خالد الحنصالي"، و"خالد العباسي" و"علي فردوس". وأثناء هذه المواجهة، قال المتهم "عادل بشر" إن الشاهد "سعيد الزيتوني" كان صديقا للضحية ويتاجر معه في المخدرات، لذلك شهد ضده. وقد استمعت المحكمة في المساء إلى الشاهد "سعيد فلاح"، على سبيل الاستئناس، بعدما التمس المحامي عبد المالك زعزاع من المحكمة الاستغناء كليا عن شهادته، نظرا لصداقته مع المتهم، واشتراكهما في بيع المخدرات، ووجوده يوم الحادث في حالة سكر طافح، فروى الشاهد بتفصيل حادث مقتل صديقه القردودي، وأنه رأى" اللحايا" يبحثون على الضحية، وتعرف على بعضهم، أثناء المواجهة معهم بالجلسة، وأنه عاين بعضهم وهو يهوي على الضحية بالحجر. وقد جاءت بعض الشهادات متناقضة فيما بينها، كما هو الشأن بالنسبة للشاهد "سعيد الزيتوني" الذي يقول إنه رأى "عادل بشر" يوم الحادث، في حين ينكر الشاهد "سعيد فلاح" ذلك. وحول سؤال عن معرفة الشهود بجماعة اسمها الصراط المستقيم، وبزعيم لها يدعى "زكرياء الميلودي"، أجابوا بالنفي، باستثناء الشاهد "سعيد الزيتوني"، الذي صرح بأنه كان يسمع بهذا الاسم قبل وقوع الجريمة. وحسب القانون الجنائي المغربي، وفي حالة اقتناع المحكمة بتوفر ظروف التشديد كسبق الإصرار والترصد، فإن العقاب على مثل هذا الجرم قد يصل إلى حد الإعدام أو السجن الؤبد، لكن القضاء المغربي، غالبا ما يحكم بعقوبات سجنية سالبة للحرية في مثل هذه القضايا. ومن المنتظر أن تحسم غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بالداربيضاء، يوم الجمعة القادم، بصفة نهائية في هذا الملف، خاصة وأنه وصل مرحلة المرافعة بشأنه، حيث سيتدخل الدفاع، بتقديم الدفوعات الموضوعية ومناقشة وقائع القضية، بعدما تم الاستماع إلى النيابة العامة. وللتذكير فقد سبق للمحكمة أن استمعت إلى 14 متهما في جلسات سابقة، بما فيهم زكرياء الميلودي، المتهم بتزعمه ما يسمى بجماعة الصراط المستقيم، وإصدار فتوى برجم القردودي، تلك الفتوى التي تقول محاضر الشرطة، إن أتباع "الأمير" نفذوها حرفيا، مما ترتب عنه مقتل الضحية، وهو ما ينفيه المتهمون، رغم اعترافات بعضهم، بل صرح بعضهم أمام القاضي، أنهم يجهلون اسم هذه الجماعة، ولا تربطهم بالميلودي زكرياء أية رابطة تنظيمية. ومن جهة أخرى طعن متهمون آخرون في محاضر الشرطة، وبينوا أنهم وقعوا عليها دون الاطلاع على مضامينها، بينما صرح آخرون أنهم تعرضوا للتعذيب، ك"خالد العبوبي" و"الميلودي زكرياء"، هذا الأخير سبق أن صرح أنه تعرض لعملية اختطاف دامت ثمانية أيام بمخفر سري قرب مدينة تمارة. وترجع فصول هذه القضية إلى ليلة عيد الأضحى للسنة الماضية، حيث وجد "فؤاد القردودي"، تاجر في المخدرات ومعروف بعربدته الدائمة، مقتولا بأحد أزقة سيدي مومن بالدارالبيضاء، حيث وجهت تهمة القتل العمد والمشاركة والتستر، حسب محاضر الشرطة، إلى جماعة تدعى "الصراط المستقيم"، بناء على فتوى من زعيمها "الميلودي زكرياء".