قبل أيام ودعنا سنة جديدة، ودعناها بآهات الجراح وذكريات الأفراح. كانت الأيام تمر تباعا، نبحث فيها عن الأمل البعيد ونتشبث بخطى الأماني في لحظات الخيبة والانكسار. كنت أحلم أحلاما كثيرة أن نمنح لصحافتنا الكثير من الحرية، ونقول للصحافيين: «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، طلقاء في الحرية والقدرة على الوصول إلى الخبر، وطلقاء أيضا في المسؤولية والانضباط لقواعد المهنة. كنت أحلم بأن نكون قادرين على رسم ما يحدث حولنا دون خوف أو تخوف ممن يتربص بنا وينتظر الأخطاء الحقيقية أو الملفقة، وقادرين على احتواء هوامش الاختلاف بين الصحافيين. كنت أحلم بدرجة أقل عاطفة بأن أستفيق يوما وأسمع عن تنظيم مناظرة وطنية حول المسرح المغربي، ترسم واقعه بكل جرأة، وتقول بكل الصراحة الممكنة: «لماذا هجر عشاق الخشبات المسرحية ما تبقى من شيء اسمه مسرح؟ مناظرة تسائل المسرحيين بصدق: «هل غادر المسرحيون الحقيقيون مسرحهم؟ أم إن من تعلق بالحلم المسرحي إلى حد الآن، رغم الخلل المادي والإبداعي هو المسرحي»؟ كنت أحلم بأن ندقق في صيغة الدعم المسرحي، ونبحث عمن يستفيد منه، ونقيم مدى انضباط بعض الفرق المسرحية لشروط الدعم المفترض، ونسائل المسؤولين عن الجهة التي تقف وراء الإساءة إلى المسرح المغربي. كنت أحلم بأن نفاجأ في يوم ما بمشروع غنائي راق في مستوى المشاريع التي تخلد الشعوب والحضارات، ينسينا العبث الذي يقدم باسم الفن الشعبي دون ضبط معرفي أو إيقاعي.. أحلم بأن نتغنى بوطننا الحبيب الذي يستحق منا كل الوفاء والاعتراف، كما يتغنى به فنانو الدول التي ظهرت في منتصف القرن الماضي فقط !.. كنت أحلم بسينما واقعية ترقى بذوق المتلقي ولا تدخله في عقد مخرجين عاشوا المشاكل «الجنسية» فأفرغوها في أعمال «سينمائية» تمول من أموال دافعي الضرائب، أحلم بمدينة البيضاء بيضاء وسوداء، وأحلم بالتجريب الحقيقي، وليس التعذيب الذي أدخلنا فيه ابنا حكيم النوري في فيلم «الرجل الذي باع العالم». كنت أحلم بأن أسمع كلمة واحدة تجمع محمد الدرهم، رئيس الإئتلاف المغربي للثقافة والفنون بمصطفى بغداد، رئيس اتحاد النقابات الفنية حول كلمة سواء اسمها مصلحة الفنانين أولا وقبل كل شيء، تلغي حالة الشتات النقابي وتوحد مطالب الفنانين وتقي الفنان، ولو نسبيا، من آلام التهميش والتفقير.. كنت أحلم بمحمد الزيات وسعيد الإمام ومحمد الغاوي يعانقون أحمد العلوي، نقيب نقابة المهن الموسيقية، ومبدع أغنية «أمري لله» و«يا داك الإنسان»، ويدعون له بكثير من الرشد وبالإنصات إلى مطالب الفنانين الحقيقية.. كنت أحلم بأن أسمع بمشروع صندوق للفنان، يلجأ إليه المغني والممثل والتشكيلي والمصور... في لحظات الحاجة والاضطرار. كنت أحلم بأن تنهي سنة 2009 آخر دقائقها ونحن نتابع قنوات وطنية مواطنة، تنصت للرغبة الملحة لمنتظري الخبر وقربه ومصداقيته، وتقدم رؤية مجتمعية في الأعمال الدرامية والكوميدية التي تنتج، وأحلم بقنوات غير افتراضية تسوغ خلقها. كنت أحلم وأحلم بالكثير، دون أن يجد الحلم من يحققه في انتظار أن تحقق سنة 2010 ولو القليل من كل هذه الأماني وبأقل قدر ممكن من الانكسارات والخيبات...