تعلمنابمجرد أن ولجنا أسلاك التعليم،وحتى الأولي منه، حيث قدر لنا لسوء الحظ أو لحسنه أن نتتلمذ على أجنبية، أن الذين ينتمون إلى هذا الغرب أنا س من طراز آخر في الحزم،والتنظيم،والجمالية، والنظافة،وطبعا فإن بصر الطفل يمكن تشبيهه إلى حد بعيد بكاميرا أمينة تنقل كل شيء إلى القلب بأمانة، وترسخه في الوجدان رغم بعض المقاومات النفسية الدينية التي تجذرت لترفض كل ماهو أجنبي، مطعمة بصور الاستعمار الفرنسي،والإسباني المشينة، المحكية ،تجاه المقاومين المغاربة. من تلك المقاومات النفسية الدينية رفضنا لأكل حلوى من يد معلمتنا لأنها غير مسلمة رغم ما تبذله من جهد كبير في تعليمنا مقارنة مع بعض أبناء جلدتنا الذين كانوا يفضلون النوم وقت القيلولة في حصة النحو. وبعد ذلك ،ومع توالي سنوات تعليمنا ، من أجانب آخرين ، استطاعوا أن يدخلوا في روعنا ،ومن خلال حسن التعامل ،واقتحام مواضيع حساسة ،و في كل الميادين حتى السياسية منها،أن الغرب يمثل النموذج، وأن الاستعمار ربما كان نعمة ولم يكن نقمة،مادام فيه مثل هؤلاء المربين،الإنسانيين الذين لايميزون بين هذا وذاك إلا بالعمل. "" لاننكر أن تصورنا الإيجابي للغرب النموذجي ظل مصاحبا لنا مدة ليست بالهينة جعلنا (جيلا بأكمله) نتشوق لأن نكون معلمين أو أستاذة أو أطباء ،عازمين على التأسي بأساتذتنا الأجانب في الجدية، والإخلاص في العمل، كما لاأنكر انني أدركت مؤخرا،وقد سنحت لي فرصة زيارة إحدى البلدان الغربية، أن تعاملاتهم تلك لم تكن مصطنعة،ولكن هي سجية غربية ترسخت بفعل معاناة طويلة أدت إلى عصر أنوار وإلى ثورة صناعية،وإلى مجتمع مدني راق. لقد وفق الموظفون الأجانب في بلادنا العربية ،وخاصة المعلمون والأساتذة إلى حد ما ، قاصدين أو غير قاصدين، إلى محو صورة الغرب الاستعماري، ونذكر أنه عندما كان يتم فتح نقاش في موضوع فلسطين ،نلمس منهم تعاطفا كبيرا وثورية ربما أكثر منا، مآسي بل أصبحنا نعتز بهذا الغرب(الجميل) لتبنيه قضايا حقوقية وديموقراطية في بلداننا العربية والإسلامية التي لم تستوعب روح دينها،واعتمدت التقاليد،والأعراف في إدارة شؤونها،مع تكريس المطامع الشخصية والعائلية. كانت المعادلة لدينا تجاه الغرب،رغم المخفي من النيات، أنه مرادف للرفعة،ونحن مرادف للسقوط على الأقل دنيويا. لكن، وبكل المقاييس ،وبعدما أدرك الجميع ونحن منهم حقيقة الصراع العربي الإسرائلي، وحقيقة،غزو العراق،وحقيقة اعتقال أناس أبرياء في اغوانتا نامو، وغير ذلك من صور الغطرسة المعتمدة على القوة والآلة العسكريتين، أن هذا الغرب أملت عليه ظروف الحرب الباردة(فقط) انتهاج طريق الدفاع عن الحريات الفردية،والسياسية،والتعبيرية لكسب تعاطفنا وربما دمنا.... مقابلا الاتحاد السوفياتي الاشتراكي السالب للحرية الفردية في نظره لصالح الحرية الجماعية.إذن القيم الغربية كانت استراتيجية ومنهجية للنيل من الاتحاد السوفياتي، ولم تكن مبدأ ثابتا لديه تجاه كل شعوب الأرض، لانشك في مصداقية شعورجل أبنائه(الشعوب) وسلوكهم الإنساني لكن لم نجد رفضا صارما وقويا ضد خروقات حقوق الإنسان التي تقوم بها حكوماته(الغربية) مما يجعلنا نراجع تقييماتنا ونقول إنه ليس في الغرب ديموقراطية تمكن عولمتها، بل فيه (ديموكتاتورية) مادامت أن شعوبهم غير قادرة على تقييد سلوكات الحكومات رغم سيرها في الاتجاه الخطأ، وليس هناك خطأ أكبر من دق عظام أنا س أبرياء، أو الإجهاز على حريتهم من أجل مجال حيوي مفترض. بقدر ما ارتفع قدرالغرب،ولمدة وجيزة في حساب التاريخ،حتى غاص أخلاقيا،في نظر اللآخرين(وحتى الغيورين من الغربيين) إلى دركات لاقاع لها من الاعتداء على حقوق الشعوب الضعيفة،لقد كرس منظر سامي الحاج ،وهو محمول على نقالة،أو وهو يقبل ابنه،مقولة غربية جديدة( المتهم مدان ولو لم تثبت إدانته)،وعوض الاعتذار عن هذا الاقتراف الشنيع أتبعه الناطق الأمريكي ،بأن حكومة أمريكا أخذت ضمانات من الحكومة السودانية بألا يكون سامي الحاج (المريض المنهك) مصدر تهديد للبلاد الأمريكيةوالغربية. وهنا السؤال المركزي،ما التهديد الذي كان يشكله،هذا الرجل وغيره من المعتقلين، سوى تصوير، انتهاكات أمريكا للحقوق الإنسان،مفهوم التحذير الأمريكي هو دعونا نفعل بكم ما نشاء،دون أن يعلم أحد بما نفعل بكم. الرفعة الإسلامية كانت عندما دخل النبي (ص) إلى مكة ،وهو القوي،وهو الذي أودي،ووصف بالساحر ،والشاعر من طرف القريشيين، قال ماذا تظنون أني فاعل بكم قالوا أخ كريم وابن أخ كريم اذهبوا فأنتم الطلقاء،فمن عفا وأصلح فأجره على الله). إنها قمة الرفعة الإسلامية على مدى 15 قرنا ،وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، في مقابل رفعة غربية لم تعمر طويلا حتى انحدرت إلى مهاوي سقوط مدوي ، ناتج عن استراتيجية مدروسة لسحق مسحوقين ذنبهم أن الله حباهم بشيء من البترول،ولعودة دهاليز الإجهاز على حقوق الإنسان، لايعلم أحد مداها.