أفرز النظام السياسي المغربي خلال سنة 2009 وقائع وأحداثا تسمح بقياس مظاهر التقدم والتراجع فيه، وتقييم درجة التطور في العلاقات بين الفاعلين فيه، وتشخيص سلوكاتهم السياسية وكيفية استعمالهم للأنظمة القانونية المتاحة ولأدوات الضبط والتدبير للقضايا التي يفرزها الجسم الاجتماعي في لحظات هدوئه واحتجاجه. ويمكن قياس هذا التقدم والتراجع من خلال ثلاث علامات كبرى، لتحديد مساراته، تحدياته وأفقه. هذه العلامات هي الإنتاج القانوني الضابط للعبة السياسية خلال سنة 2009، حالة المؤسسات ووضعية الديناميكية السياسية (العلاقة بين الفاعلين ودرجة تجديد اللعبة السياسية). 1 - صدر خلال سنة 2009 نص الميثاق الجماعي، الذي رغم طريقة إعداده «التشاورية» مع رؤساء الجماعات القدامى، فإنه لم يحسم الصراع حول خيار النظام الجماعي «البرلماني» مقابل النظام الجماعي «الرئاسي»، مقابل حفاظ النص على مسألة استمرار تعايش المؤسسات القديمة والجديدة في العمل المحلي. ولم تفرج الأمانة العامة في جريدتها الرسمية عن النص إلا بعد مرور مدة على التصويت البرلماني عليه، فسرت من طرف بعض الفاعلين بالتخوف من مبادرة بعض الفرق البرلمانية إلى تقديم تعديلات والنص لازال لم يدخل بعد مجال التطبيق. وأثارت مدونة الانتخابات نقاشا حول صيغة التمثيلية النسائية، وحول درجة تأسيس مبدأ «عدم الإفلات من العقاب» في المادة الانتخابية، واستعملت المدونة نفسها في مرحلة ثانية كحجة قضائية (نص خاص) لإلغاء قرارات السلطات العمومية في منع بعض المرشحين من الترشيح بحجة «الترحال»، وهو الصراع الذي استعملت فيه المادة الخامسة من قانون الأحزاب، واتضحت فيه مخاطر توافقات الأحزاب في البرلمان بإنتاج مقتضيات قانونية غير دستورية، وتمريرها في قوانين عادية لتحال إجباريا على المجلس الدستوري. أضف إلى ذلك مخاطر تفاعل وزارة الداخلية مع مطالب حزبية قد تكون انفعالية أحيانا. ولم تحترم السلطة التشريعية (الحكومة والبرلمان) القاعدة الممارساتية التي أسستها في إنتاج الميثاق الجماعي، إذ إنها بادرت إلى طرح نص مشروع القانون التنظيمي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي دون اعتماد «منهجية التفاوضية»، وأثار الإعلان عن نية تفعيل هذه المؤسسة وبداية مناقشة مشروعه التنظيمي، ظاهرة «حرب المواقع»، مما أثار تساؤلات حول الغاية من هذه المؤسسة داخل إحدى الفرضيات الثلاث: حل مشكل التمثيلية، الخروج من السلطوية، استيعاب نخب الانتظار. وحملت انتخابات 12 يونيو درجة من التعبئة غير العادية قامت بها الدولة بهدف الرفع من معدلات المشاركة، وأفرزت الانتخابات ظواهر جديدة مثل بروز جسم جديد يمكن تسميته بأعوان الانتخابات، مقابل تقدم زبونية الأعيان على زبونية الأحزاب بظهور زبونية المنافع كمحدد (الزبونية هنا تستعمل بالمفهوم السوسيولوجي). ولوحظ أن الملكية العقارية لم تعد هي المحدد في الانتخابات، إضافة إلى ظاهرة ارتفاع تكلفة السياسة. وأعادت انتخابات تشكيل المجالس الجماعية النقاش حول الفعل السياسي المعتمد على»المؤامرة» إلى الواجهة، وحملت خطابا سياسيا لبعض الفاعلين الحزبيين تضمن شحنة تشاؤمية، كما كشفت الانتخابات عن صراع بين مشروعين هما: حزب الأصالة والمعاصرة وحزب العدالة والتنمية. 2 - حالة المؤسسات، يبدو خارج صراعات الفاعلين داخل العملية الانتخابية أن أثر انتخابات سنة 2009 (الجماعية والتشريعية) على مسلسل التطور المؤسساتي لازال محدودا على مستوى إدخال مناهج جديدة في التدبير (حالة انتقال المعارضة إلى قيادة مجلس المستشارين)، مقابل وجود تحول في مضمون الخطاب حول المؤسسات (حالة بعض العينات من الأسئلة البرلمانية). وأوضحت انتخابات رئاسة مجلس المستشارين صعوبة تحديد الهوية السياسية في البرلمان، فلا المعارضة هي المعارضة ولا الأغلبية هي الأغلبية، وهو وضع يثير نوعا من القلق النفسي ويخلق حالة الترقب من طرف الحكومة. وعاد النقاش خلال سنة 2009 حول إصلاح القضاء. ورغم حماسة الفاعلين (الحكومة - بعض التنظيمات الحقوقية - الأحزاب السياسية)، فإن موضوع إصلاح القضاء يفتقر إلى «نقطة الصفر»، بمعنى نقطة البداية: هل هي المدخل السياسي (المرتبط بالأمن القضائي في الدولة) أم المدخل التنظيمي (إعداد نصوص قانونية)؟ أم مدخل الفاعلين (هل يريد القاضي الاستقلالية؟) أم المدخل الاجتماعي (بناء تمثل جديد للمجتمع حول القضاء). 3 - الديناميكية، حيث توضح التفاعلات السياسية بين الفاعلين خلال سنة 2009 العناصر التالية: أولا، عنصر مؤسساتي مرتبط بالدولة، حيث يلاحظ أن تطور مؤسسة الدولة توازيه صعوبات على مستوى المقدرات التوزيعية للثروات، الشيء الذي يفسر في سنة 2009 نقاشات حول «بروفيل رجل السلطة» بين الأمني والمهتم بالتنمية، كما يفسر الدعوة إلى إعادة بناء تصورات جديدة للامركزية وعدم التركيز وإنشاء عمالات وأقاليم جديدة. وهما تفسيران يعكسان الحاجة إلى إعادة توزيع السلطة من المركزي إلى المحلي لضمان توازن وظيفة الدولة. ثانيا، عنصر سياسي مرتبط بالفاعل الحزبي، استمرارية ضعف أدوار آليات الوساطة، ومحاولات حزب الأصالة والمعاصرة إعادة بناء التعبئة من خلال الدعوة إلى بناء التزامات جديدة وتجميع الفاعلين والمجموعات داخل حركة اجتماعية وسياسية (استعمال خطاب مرجعية تقرير الخمسينية)، وهي محاولات لإعادة بناء المخيال لتجنب خطر احتباس الحماسية، قادت إلى خلق انتظارات، على الأقل لدى الكتلة الناخبة التي صوتت على الحزب في انتخابات 12 يونيو، لكن هذه الانتظارات بقدر ما هي نقطة قوة، فإنها يمكن أن تتحول إلى مخاطر. وداخل هذه الديناميكية، كشفت سنة 2009 عن ظاهرتين: الأولى، مرتبطة بمشاكل التدبير، فمن ملف تنصيب جامعة كرة القدم لأربعة مدربين لقيادة المنتخب المغربي لكرة القدم إلى لوحة الدعاية التلفزية للتلقيح ضد «أنفلونزا الخنازير» «صحتنا سلوكنا» يتضح مشكل الخبرة والمهنية في سنة 2009. الثانية، مرتبطة بالمكونات السوسيولوجية للنخبة خلال سنة 2009، بالعودة إلى تناول ظاهرة النخب الفاسية في مراكز القرار التي انتقلت في أواخر سنة 2009 إلى النقاش البرلماني (سؤال لأحد أعضاء فريق الاتحاد الدستوري حول معايير التعيين)، وهي ظاهرة تعيد النقاش حول درجة تعددية النخب في مراكز القرار. ولتجميع مكونات العلامات السياسية (إنتاج القانون، وضعية المؤسسات والديناميكية)، يبدو أنه في سنة 2009 كان المغرب السياسي يبحث من خلالها عن التوازنات، وقد وظف لبناء هذه التوازنات القانون والزوايا وبعض أدوات الإعلام الرسمي وحزب الأصالة والمعاصرة. ويبدو أن نتائج الانتخابات تبين أن هناك توازنا جديدا، لكن إلى حد الآن درجة توفر شروط اشتغال هذا التوازن لازالت غير واضحة. ومقابل البحث عن هذه التوازنات، تستمر العروض الإصلاحية للدولة وتستمر ظاهرة الاحتجاج (احتجاجات التنظيمات الحقوقية)، احتجاجات تنسيقيات الأسعار (الأسعار وتكلفة العيش وفواتير الماء والكهرباء)، احتجاجات حركات حملة الشهادات المعطلين (الشغل والوظيفة)، احتجاجات بعض الأرياف والحواضر المهمشة (الخنيشات...) حول السياسات العمومية المحلية، احتجاجات مستخدمي قطاع النقل الخصوصي (الاحتجاجات على فيوليا في الرباط)، احتجاجات إسلاميي السلفية الجهادية (السجناء والعائلات)، احتجاجات إسلامية أخلاقية (المهرجانات - الأفلام السينمائية...)، إلى جانب ظاهرة جديدة وهي الاحتجاج على مشاريع القوانين (الاحتجاج على مدونات السير). ويبدو داخل هذه الاحتجاجات أن الفجوة بين تدخل السلطات العمومية المحلية للاستجابة للمطالب قد تزايدت، خلال سنة 2009، إذا ما قوبلت بانتظارات وحجم المطالب الاجتماعية المحلية. إن المغرب السياسي يدخل سنة 2010 بثلاثة أنواع من التحديات: تحديات من أعلى وتتمثل في تغير سلوكات الفاعلين في المحيط الدولي وتحديات من الداخل (ظاهرة انفصاليي الداخل) وتحديات من الأسفل (الانتقال القيمي ونتائجه). ويبدو أن قراءة صراعات ومبادرات الفاعلين السياسيين خلال سنة 2009 (بحث الأحزاب عن التحالفات البينية - الصراعات الحزبية الداخلية - صراع النقابات حول الإضراب - مواجهات الصحافة والقضاء - إصلاح القضاء - الديناميكية التواصلية غير المعهودة في الصندوق المغربي للتقاعد...)، تخفي نوعا من القلق السياسي يمكن أن يفرز ظواهر إيجابية في سنة 2010.