كثيرا ما حدثني أصدقائي عن مدينة دبي، التي وصفها كثير منهم بكونها مدينة الأحلام. نعتوها لي بأحلى الأوصاف ولقبوها بأجمل الألقاب حتى خلتها أجمل المدن، وإن اختلفت معايير الجمال من واحد إلى آخر فينا. حان موعد هبوط الطائرة بمطار دبي، وكلي توق إلى معانقة تلك المدينة التي شحنت شوقا لاحتضانها. مطار كبير وموظفون بابتسامات باهتة لزوار المدينة الذين كانوا، في غالبيتهم، مغاربة ومغربيات. مررت عى مكاتب الجوازات، فطلبت مني الموظفة الاستغناء مؤقتا عن نظارتي لالتقاط بصمة عيني، وبعدها امتطيت المترو المتجه نحو الضفة الأخرى كي أغادر المطار. كنت أصارع الوقت، وإن كان الليل قد كسا سماء دبي، لأتنفس هواء بطعم آخر. استنشقت ذلك الهواء طويلا حتى خلتني حبيبا يبحث عن عطر حبيبته المفقودة، لكن خاب ظني.. لا رائحة.. وجدت أمامي صفا من ممثلي مكاتب الفنادق، يتحدثون الإنجليزية في انتظار زوارهم. بحثت بدوري عن ممثل الفندق حيث سأنزل.. نقلني السائق إلى حيث إقامتي، وطيلة الطريق ظللت أبحث عن رائحة دبي لعلني أجدها هنا أو هناك، أقوم بعملية استنشاق عميقة، لأجد نفسي أردد: أين عطر المدينة؟ أمعقول أن تكون هذه دبي التي أسرت القلوب؟ لا تتضمخ بعطر وهي تستقبل زوارها؟ هي المعروفة بأجود أنواع العطور وأغلاها، وخاصة منها «ريحة العود». لم أستنشق «عود القماري» ولا رائحة التربة، ولم أشاهد غير فنادق وأبراج يتعب الإنسان من النظر إليها لعلوها. حينها بدأ اليأس يتسرب إلى دواخلي، فلم أجد بالمدينة ما يفرح قلبي: لا وجود لرائحة ولا لطعم، هي كالماء، بل كالسراب، وذلك ما تأكد لي بعد طلوع الشمس التي اخترق وهجها غرفتي لتبعد النوم عن جفنيَّ المتعبين من طول السفر جوّا لما يزيد على ست ساعات. غادرت سريري، وأطللت من الشرفة، لا وجود لشيء يميز النهار عن الليل في دبي، اللهم حرارة مفرطة وجنسيات عديدة ولغة وحيدة، هي الإنجليزية. وجدت نفسي طيلة رحلتي في مدينة دبي أبحث عن شيء غير موجود، فأنا لم أكن أريد إقامات عالية ولا أبراجا ولا شركات ولا فنادق من صنف سبع نجوم، وإنما كنت أريد أن أستنشق رائحة التربة وأتذوق طعما خاصا للمدينة.. أهو حلو أم «شلوقي»، وأسمع لهجة أبناء البلد الأصليين، فلم أجد غير قلة. وجدت خليطا من الأجناس من كل البلاد العربية والآسيوية والأوربية، وعرفت حينها لم دبي بدون طعم ولا لون ولا رائحة، إذ اختلطت فيها الروائح حتى فقدت هويتها العربية والإسلامية. بحثت قدر جهدي وعلى مدى هامش الزمن المسموح به في زيارتي لدبي عن طبق مميز للمدينة، فلم أجد شيئا؛ بحثت عن حي شعبي يسكنه فقراء المدينة وبسطاؤها من سكانها الأصليين، فلم أجد أحدا. الفقراء هنا هم العاملون من مختلف الجنسيات، وهم الذين يسكنون في أحياء بعيدة، الشيء الذي جعلني أستنجد بأبناء لبلدي الذين نقلوني إلى حيث توجد رائحة بلدي «المغرب» لأحتسي شايا منعنعا بأياد مراكشية. عدت وفي حصيلتي صورعن مدينة يجوز وصفها بكونها تلك المرأة الشقراء التي تغري باحتساء قهوة تركية في حضرتها لأجل توقيع اتفاقية أو عقد عمل لا أقل ولا أكثر، أما الباحثون أمثالي عن جمال من نوع آخر فغير مرحب بهم، على ما يبدو، من قبل السيدة دبي.