هذه أحوال الطقس لهذا اليوم الأحد بالمملكة    سويسرا تعتمد استراتيجية جديدة لإفريقيا على قاعدة تعزيز الأمن والديمقراطية    وزير الخارجية الأمريكي يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    ترامب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما على خلفية النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين    هجوم ماغدبورغ.. دوافع غامضة لمنفذ العملية بين معاداة الإسلام والاستياء من سياسات الهجرة الألمانية    الجيش الباكستاني يعلن مقتل 16 جنديا و8 مسلحين في اشتباكات شمال غرب البلاد    "سبيس إكس" الأمريكية تطلق 30 قمرا صناعيا جديدا إلى الفضاء    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    بيدرو سانشيز: إسبانيا تثمن عاليا جهود جلالة الملك من أجل الاستقرار الإقليمي        تفكيك أطروحة انفصال الصحراء.. المفاهيم القانونية والحقائق السياسية    مجموعة بريد المغرب تصدر طابعا بريديا خاصا بفن الملحون    الأستاذة لطيفة الكندوز الباحثة في علم التاريخ في ذمة الله    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    المجلس الأعلى للدولة في ليبيا ينتقد بيان خارجية حكومة الوحدة ويصفه ب"التدخل غير المبرر"    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    توقع لتساقطات ثلجية على المرتفعات التي تتجاوز 1800 م وهبات رياح قوية    مسؤولو الأممية الاشتراكية يدعون إلى التعاون لمكافحة التطرف وانعدام الأمن    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    ال"كاف" تتحدث عن مزايا استضافة المملكة المغربية لنهائيات كأس إفريقيا 2025    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة بطنجة تقدم توصياتها    التقلبات الجوية تفرج عن تساقطات مطرية وثلجية في مناطق بالمغرب    مدان ب 15 عاما.. فرنسا تبحث عن سجين هرب خلال موعد مع القنصلية المغربية    الدرك الملكي يضبط كمية من اللحوم الفاسدة الموجهة للاستهلاك بالعرائش    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    توقيف شخص بالناظور يشتبه ارتباطه بشبكة إجرامية تنشط في ترويج المخدرات والفرار وتغيير معالم حادثة سير    علوي تقر بعدم انخفاض أثمان المحروقات بالسوق المغربي رغم تراجع سعرها عالميا في 2024    جلسة نقاش: المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة.. الدعوة إلى تعزيز القدرات التمويلية للجهات    نشرة إنذارية: تساقطات ثلجية على المرتفعات وهبات رياح قوية    بطولة انجلترا.. الإصابة تبعد البرتغالي دياش عن مانشستر سيتي حوالي 4 أسابيع    دراسة: إدراج الصحة النفسية ضمن السياسات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ ضرورة ملحة    مهرجان ابن جرير للسينما يكرم محمد الخياري            اصطدامات قوية في ختام شطر ذهاب الدوري..    بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    مراكش تحتضن بطولة المغرب وكأس العرش للجمباز الفني    طنجة: انتقادات واسعة بعد قتل الكلاب ورميها في حاويات الأزبال    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    البنك الدولي يدعم المغرب ب250 مليون دولار لمواجهة تغير المناخ    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    المستشفى الجامعي بطنجة يُسجل 5 حالات وفاة ب"بوحمرون"    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نقاش الإرث.. «برميل البارود» الذي حركه مجلس اليزمي
نشر في المساء يوم 26 - 10 - 2015


محمد أحداد
ألقى المجلس الوطني لحقوق الإنسان بكرة نار حارقة في الأيام القليلة الماضية، حينما أوصى بالمساواة بين الرجل والمرأة في الإرث، ولم تفتأ كرة النار تكبر وتشتعل بعد ظهور ردود فعل قوية ضد أو مع التوصية.
موضوع المساواة في الإرث ليس موضوعا جديدا، كما يعتقد الكثيرون، فقد سبق أن كان موضوع سجال حاد في مصر بين أتباع جمال الدين الأفغاني وبين تيار مضاد تأثر معظه بفلاسفة الأنوار، وقد كان النقاش منصبا وقتئذ حول حدود الدولة الدينية والمدنية. تجدد الخلاف بصيغ مختلفة، ووصل في بعض الأحيان إلى منزلة كاد يتصارع فيها فسطاطان كبيران: الأول مع تطبيق أحكام القرآن الكريم كما نزلت والثاني يدعو إلى إعمال الاجتهاد في زمن يتطور بشكل متسارع.
والحال أن الغلبة كانت دائما لصالح المدافعين عن تطبيق أحكام القرآن الكريم. في المغرب، أثار إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية جدلا كبيرا خاض به صراعا عنيفا مع تيارات كثيرة، وصل مداه حينما أهدر دمه من طرف الشيخ أبو النعيم.
ما لا يريد أن يعترف به جميع الفرقاء أن النقاش حول الإرث والإجهاض، هو في الجوهر نقاش حول قضايا هوياتية من الممكن أن تؤدي إلى اصطدامات عنيفة، مثلما حدث يوم قدم سعيد السعدي الخطة الوطنية لإدماج المرأة، حيث وجد الشعب المغربي نفسه منقسما انقساما حادا استدعى تحكيما ملكيا وقتئذ. الانقسام المستتر الآن، يبدو أكثر عرضة للاشتعال لأن التيار الموالي للإسلاميين تقوت شوكته أكثر في الشارع، وقد كان واضحا الرد القوي الذي صدر عن حزب العدالة ضد المجلس الوطني لحقوق الإنسان متهما إياه بالسعي وراء إشعال الفتنة، بل إن الاتهامات اتخذت طابعا سياسيا عند عبد العزيز أفتاتي، الذي لم يتوان عن التأكيد أن المجلس لا يعدو كونه أداة في أيادي الدولة العميقة.
مثل هذه الاتهامات التي وجهها قياديون من حزب المصباح إلى «رفاق» اليزمي في المجلس الوطني لحقوق الإنسان، قد تفضي إلى ردود فعل حادة وقاسية، وقد يدعو البعض مرة ثانية إلى تحكيم ملكي كما حدث في موضوع الإجهاض. الإسلاميون ومعهم بعض العلماء يقولون إن توقيت طرح التوصية مريب ويدفع إلى الشك في مقاصده بينما يعتبر المجلس التوصية جزءا لا يتجزأ من الصلاحيات الممنوحة، مسايرا بذلك الالتزامات الدولية لحقوق الإنسان التي تعهد بها المغرب.
إلى حدود اللحظة، يبدو وكأن الصراع منحصر بين حزب العدالة والتنمية والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والحال أن هذا النقاش ينبغي أن ينخرط فيه الجميع، وأن يكون محط حسم أو تداول بين كل مكونات المجتمع، وإذا كان تيار واسع يؤكد أن هذا النقاش لا يتخذ طابع الملحاحية في الوقت الراهن، فإن جزءا آخر يدعو إلى فتح نقاش وطني تتدافع فيها الأفكار دون اللجوء إلى لغة السب.
الغريب في كل فصول هذا النقاش أن الأحزاب السياسية المغربية ومؤسسات الإفتاء خاصة المجلس العلمي الأعلى ظلت صامتة، ولم تصدر موقفا واحدا مما يجري. بالنسبة للأحزاب السياسية سواء الحاملة لمشروع المحافظة أو الحداثة، كان عليها أن تبلور موقفا صريحا من توصية المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وعدا حزب العدالة والتنمية الذي اتهم مجلس «اليزمي» بنشر الفتنة، استكانت باقي الأحزاب إلى صمت يبعث على الريبة.
أما المجلس العلمي الأعلى المخول له وفق القانون أن يكون مؤسسة للفتوى والحسم في القضايا الدينية، فبقي هو الآخر صامتا غير قادر على بلورة موقف واحد، الأمر الذي يعيد إلى الواجهة أدوار هاته المؤسسة الغائبة عن النقاشات المصيرية للمجتمع المغربي، فبينما كان مطلوبا منها أن تدلي برأيها في قضية أخرى هي الإجهاض، لم تساير ولو بعدا واحدا منه، ولولا التدخل الملكي لسار السجال في منحى آخر.
المجلس الوطني لحقوق الإنسان يرفض رفضا قاطعا أن تحمل توصيته أكثر مما تحتمل، ويرفض أيضا أن يتمسك معارضوه بنظرية المؤامرة، غير أن الذين هاجموه بشدة خلال الأيام الماضية عابوا عليه- إذا صح هذا التعبير-، صرف النظر عن ملفات حارقة في مقدمتها توسيع هامش الحريات والدفاع عن النشطاء الحقوقيين في مواجهة السلطة. بين هذين الرأيين تختفي حقيقة واحدة لا يريد أحد أن ينبش فيها: إذا استمر الجدال على هذا النحو في القضية الهوياتية، فإن المغرب سائر إلى تدافعات كبيرة تعيد إلى الأذهان صراع مدونة الأسرة في بداية حكم الملك محمد السادس.
في كل النقاشات التي حملت ميسم الهوية من قبيل الأمازيغية ولغة التدريس والإجهاض واقتسام الإرث، كان دائما هناك تيار قوي يدعو إلى تأجيل الحسم في هذه النقاشات، بدعوى أن المجتمع المغربي لا يزال في حاجة إلى نقاشات أخرى تهم صميم معيشه اليومي المدموغ بالمعاناة، بيد أن هذا التأجيل يزرع الكثير من حقول الألغام في المسار السياسي والثقافي المغربي، خاصة في القضايا ذات العلاقة المباشرة بالدين. المغرب بلد إسلامي بقوة الدستور، مصادق على المواثيق الدولية لحقوق الإنسان بقوة الدستور أيضا، حداثي ومحافظ، سلفي وتقدمي..إنه بلد محاصر بالثنائيات لكنها ثنائيات لا تفلح كل مرة في حقل مليء بالألغام.
أعبوشي: المجلس يتصرف أحيانا كفاعل سياسي وكسلطة وليس كمؤسسة
عادل النجدي
أدخلت التوصية الصادرة عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بشأن تعديل مدونة الأسرة كي تمنح حقوقا متساوية للمرأة والرجل في مجال الإرث، علاقة المجلس بحزب العدالة والتنمية، المتشنجة أصلا، إلى منعطف جديد يعزز بيئة المواجهة.
ويبدو لافتا، من خلال المواقف المعبر عنها إلى حد الساعة، أن المواجهة بين الطرفين مفتوحة على كل الاحتمالات، خاصة بعد أن سارع حزب عبد الإله بنكيران إلى جمع أمانته العامة وإصدار بلاغ ناري هاجم فيه توصية المجلس، معتبرا إياها «دعوة غير مسؤولة تتضمن خرقا سافرا لأحكام الدستور»، و«تجاوزا لمؤسسة إمارة المؤمنين ومنطوق الخطاب الملكي السامي في افتتاح السنة التشريعية لسنة 2003 الذي أكد فيه الملك أنه بوصفه أميرا للمؤمنين لا يمكن أن يحل ما حرم الله أو يحرم ما أحل الله»، كما تفتح جدلا عقيما حول مواضيع تنظمها نصوص قرآنية قطعية الثبوت والدلالة كموضوع الإرث.
ولئن كان تقرير المجلس قد اعتبر أن المقتضيات القانونية غير المتكافئة المنظمة للإرث، تساهم في الرفع من هشاشة وفقر الفتيات والنساء، وتتعارض مع مقتضيات الدستور المغربي الجديد، ما يحتم «ضرورة تحقيق مبدأ المناصفة بين المرأة والرجل»، فإن توصية مجلس إدريس اليازمي تطرح أسئلة كثيرة حول مستقبل العلاقات بين المجلس والحزب الذي يقود التجربة الحكومية الحالية.
ليس سرا أن العلاقات بين المجلس بتركيبته الحالية والحزب الإسلامي، تسبح في بحر من التشنج والتوتر، إذ ليست المرة الأولى التي يتواجهان فيها منذ وصول الإسلاميين إلى سدة الحكم. ولعل من أبرز محطات المواجهة بين الطرفين كانت بمناسبة تشكيلة المجلس الصادرة في الجريدة الرسمية في 29 شتنبر 2011، حيث اتهم قياديو العدالة والتنمية، وعلى رأسهم مصطفى الرميد، المجلس بممارسة إقصاء منهجي ومدروس للإسلاميين في مؤسسات وهيئات حماية الحقوق والحريات والحكامة الجيدة والتنمية البشرية والمستدامة والديمقراطية التشاركية، وذلك بعد إبعاد عبد العالي حامي الدين، عن منتدى الكرامة، الذراع الحقوقي للحزب، عن تشكيلة المجلس مقابل تمثيل هيئات ذات مرجعية علمانية يسارية وأحزاب الاتحاد الاشتراكي والاستقلال والأصالة والمعاصرة بطرق غير مباشرة.
صحيح أن توصية المجلس أعادت موضوع المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة إلى حلبة الصراع بين المحافظين وخصومهم من اليساريين بالمجلس على وجه الخصوص، بيد أن المواجهة بين الطرفين امتدت خلال السنوات الأربع الماضية لتشمل مواضيع ذات حساسية في المجتمع المغربي من قبيل الإعدام والإجهاض.
وبالنسبة للحسين أعبوشي، أستاذ القانون الدستوري وعلم السياسة بجامعة القاضي عياض بمراكش، فإن التوتر الحاصل حاليا بين مؤسسة دستورية لها صلاحياتها واختصاصاتها المرتبطة بحقوق الإنسان، وحزب سياسي ينظمه الدستور، هو توتر متجدد ودائم، مشيرا إلى أن هناك مداخيل عدة لفهمه، من بينها أن حزب رئيس الحكومة يرى أن هناك هيمنة وحضورا قويين لليسار ولبعض المكونات الحزبية (خاصة الأصالة والمعاصرة) في تركيبة المجلس على المستويين الوطني والجهوي، يجعل ذلك المجلس يهيمن عليه توجه معين.
وفي معرض تشريحه لمداخل فهم أسباب التوتر بين المجلس والحزب الإسلامي، يرى أعبوشي أن المجلس وجد نفسه، خلال السنوات الأخيرة، في تماس واحتكاك ليس فقط مع حزب سياسي، بل حتى مع بعض المؤسسات الدستورية كالمؤسسة التشريعية، مشيرا في تصريحاته ل«المساء» إلى أن المجلس يتصرف أحيانا كفاعل سياسي وأحيانا كسلطة وليس مؤسسة، وينظر إليه على أن فيه فاعلين سياسيين يؤثرون في المواقف التي يتخذها والقرارات والتقارير التي يصدرها. وبرأي المحلل السياسي، فإن المجلس، يبدو في بعض الأحيان، وكأنه يصدر قراراته وعينه على حزب العدالة والتنمية، من خلال تركيزه في بعض التقارير على الأمور المرتبطة بالعنصر الديني والتي يمكن أن تستفز الحزب كالإعدام والإجهاض، وهي قضايا خلافية حتى في أعرق الديمقراطيات الغربية، مشيرا إلى أن الأمر يتكرر اليوم مع توصية المساواة في الإرث.
وفي الوقت الذي يعتبر فيه أعبوشي أن البلاغ الصادر عن حزب بنكيران كان قويا، بعد أن اعتبر التوصية تجاوزا للخطوط الحمراء وتطاولا على إمارة المؤمنين، يرى المتحدث ذاته أن على المجلس أن يكون حذرا، لأن بمثل تلك التوصيات يمكن أن يؤجج ليس غضب حزب بعينه وإنما كذلك مؤسسات حساسة من قبيل إمارة المؤمنين والمجلس العلمي الأعلى. وقال: «أتساءل لماذا أثار المجلس توصية المساواة في الإرث الآن وفي هذا التوقيت بالذات؟ وما الهدف؟ وما المسكوت عنه، خاصة أنه يفترض في مؤسسة دستورية أن تحترم الدستور الذي ينص على أن المغرب دولة إسلامية فيها أمير للمؤمنين؟».
ويرى عبوشي أنه لا يتعين تبخيس دور المجلس كمؤسسة دستورية محترمة تعنى بحقوق الإنسان والنهوض بها وحمايتها، بيد أن التركيز على ملفات حساسة كملف الإرث يجعله يسهم في خلق بعض التوترات، معتبرا أن المأزق الذي وضع المجلس نفسه فيه حاليا بإثارته لأمور دينية محسوم فيها، يقتضي فتح نقاش عمومي حول تدبير تلك المؤسسة الدستورية ومسؤوليتها وعلاقتها بالحكومة والبرلمان وحدود صلاحياتها، وكذا توضيح الحدود ما بين السياسي والحقوقي والديني.
الأكيد أن توصية المجلس، التي جاءت في الوقت الميت من عمره، تفتح من جديد باب المواجهة مع الحزب الإسلامي والمحافظين ومع بعض مؤسسات الدولة، لكنها تضع أكثر من علامة استفهام حول قدرة المجلس في نسخته القادمة على تجاوز بعض أعطاب التجربة المنتهية صلاحياتها.
سكنفل: نصوص الإرث قطعية ولا يجوز تغييرها وهناك حالات ترث المرأة أكثر من الرجل
بنحمزة: مطالب المساواة بالإرث محاولة للعودة بالمغرب إلى حالة التوتر والاحتقان
خديجة عليموسى
أثارت دعوة المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى مراجعة نظام الإرث من أجل المساواة بين المرأة والرجل عددا من ردود الفعل، إذ خلفت غضبا في صفوف العلماء الذين لم يصدروا بعد أي موقف باستثناء بعض المواقف الفردية التي صرحوا بها.
لحسن سكنفل، رئيس المجلس العلمي المحلي لعمالة الصخيرات تمارة، تحدث عن رأي الشرع في الإرث قائلا «إن نظام الإرث في الإسلام رباني، فلم يكل الله تعالى قسمة التركة لأحد وإنما تكفل بها هو سبحانه وتعالى والنصوص القرآنية صريحة في ذلك ومنها الآية 11 إلى 14 من سورة النساء والآية الأخيرة من سورة النساء، إضافة إلى قوله الرسول صلى الله عليه وسلم «الحقوا الفرائض بأهلها» وكذلك قوله «من قطع ميراثا قطع الله ميراثه من الجنة»، فالنصوص القرآنية قطعية الثبوت والدلالة، والأحاديث النبوية قطعية الدلالة في تحديد أنصبة الورثة فلا يجوز بحال تغييرها أو تبديلها فهي من القطعيات والمحكمات.
وأوضح سكنفل، في تصريح ل«المساء» أنه ليس في كل الأحوال الرجل يرث ضعف ما ترثه المرأة فهناك حالات كثيرة ترث المرأة أكثر من الرجل، فمثلا إذا توفيت امرأة وتركت بنتا وزوجا وأخا شقيقا، فالبنت ترث النصف والزوج الربع وما تبقى للأخ الشقيق، ففي هذه الحالة فإن المرأة ورثت أكثر من الرجلين، إلى جانب وجود حالات تتساوى فيها المرأة مع الرجل مثل الإخوة للأم ذكورا وإناثا إذا اجتمعوا أو انفردوا فإنهم شركاء في الثلث.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يطفو فيها هذا الموضوع على السطح، بل سبق أن تمت إثارته من لدن بعض المحسوبات على الحركة النسائية، وهو ما دفع الدكتور مصطفى بنحمزة، عضو المجلس العلمي الأعلى رئيس المجلس العلمي بوجدة، إلى كتابة مقال مطول في الموضوع اعتبر فيه أن المطالبة بالمساواة بين المرأة والرجل في الإرث هي «محاولة للعودة بالمغرب من جديد إلى حالة التوتر والاحتقان التي طوتها المدونة بصدورها»، مشيرا إلى أن هذه المطالبة تواجه نصوصا قرآنية واضحة وجلية حسمت قضية الإرث، ولم تفوضها إلى أي إنسان كائنا من كان».
وأوضح بنحمزة أن رفع شعار مساهمة المرأة في الإنفاق على الأسرة لفرض المساواة في الإرث، يظل قولا لا تسنده شواهد من الواقع القانوني ما دام هذا التوجه غير مقنن في نصوص المدونة نفسها، إذ لا يزال الزوج فيها هو المطالب بكل الأعباء المالية ابتداء من دفع الصداق ومرورا بالإنفاق والإسكان والعلاج، وانتهاء إلى دفع مستحقات الطلاق والحضانة، وبسبب هذا الوضع لم نجد في المحاكم دعوات يرفعها الأزواج ضد الزوجات بسبب عدم الإنفاق على الأسرة، ولم نجد في قرارات السجون نساء يعاقبن على عدم الإنفاق، وهذا يبين أن البون بين النظري والواقع بون شاسع».
مقال رئيس المجلس العلمي لوجدة، الذي يحمل عنوان «إرث المرأة – الحقيقة الشرعية والادعاء»، اعتبر أن مطالب مراجعة الإرث «تأسست على جهل كبير بأحكام الإرث، وعلى توهم خاطئ لإمكانية العبور إلى إلغاء نصوص قطعية من القرآن، كما أنها قد انبنت على جهل كبير بالذهنية المجتمعية التي لا تعدم حلولا لإجهاض أحكام تراها معتدية على أحكام الشريعة الإسلامية».
وأضاف مصطفى بنحمزة أنه «من الغريب أن تكون المدونة طافحة بالكثير من الأحكام التي تنفرد بها النساء دون الرجال أو ينفرد بها الرجال دون النساء، ومع ذلك لا يقع التركيز إلا على قضية الإرث بالذات. وليس لهذا من تفسير إلا أن تكون الدعوة إلى المساواة في الإرث مؤسسة على الإغراء بالحصول على المال في حال الوصول إلى تغيير حكم الشرع في الإرث، ومن قبل هذا ركزت بعض الدعوات على المطالبة باقتسام الثروة المكتسبة حال الزواج اعتمادا على ما يحققه التلويح بالمال من استقطاب وتجميع للمناصرين، وكأن في هذا إشعارا بأن المرأة لا تحرك بالمبادئ بقدر ما تحرك بالوعد بتحقيق المنافع وبملامسة الرغبة في الحصول على المال من خلال علاقات الأسرة التي هي علاقات إنسانية وغير تجارية بالأساس».
وقال عضو المجلس العلمي الأعلى: «إن الملاحظ أن المطالبة بتسوية المرأة بالرجل في الإرث بهذا الإطلاق هي في حد ذاتها تعلن عن جهل كبير بمقتضيات الإرث في الإسلام، لأن المطالبة توحي بصيغتها بأن المرأة في كل الأوضاع ترث نصف ما يرثه الرجل، وكأن هذا هو الحكم المبدئي والنهائي في القضية، وهو ما ييسر الاسترسال في الوهم إلى درجة ادعاء انحياز الإسلام للرجل في قضية التوريث»، ليوضح أن الواقع العملي يفيد بأن الحالات التي يفضل فيها الرجل المرأة في الإرث لا تتجاوز في مجموعها 16,33 في المائة من أحوال الإرث، وفي باقي الحالات قد تتساوى المرأة مع الرجل، وقد تفضله، وقد ترث هي ويحرم الرجل».
بنعبد السلام: «المغرب ملزم بتطبيق الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها»
مصطفى الحجري
رغم أن مطلب المساواة بين المرأة والرجل في الإرث ليس جديدا على المغاربة، وتم إشهاره في أكثر من مناسبة من طرف جمعيات حقوقية، وفعاليات نسائية ضمن محطات مختلفة، كان أبرزها مرور خمس سنوات على العمل بمدونة الأسرة، إلا أن صدور توصية من المجلس الوطني لحقوق الإنسان بذلك خلق الفرق، وصنع ضجة يبدو أن صداها لن يتوقف بين مدافع ومعارض.
ردود فعل كثيرة أعقبت الإفراج عن هذه التوصية بين من تساءل عن أسباب نزولها في الوقت الميت من عمر المجلس، وبين من ربطها بمحاولة جر المغاربة إلى نقاشات هامشية على حساب القضايا المصيرية والحساسة، وبين من اعتبرها محاولة مفضوحة من أطراف محددة تختبئ وراء تيار الحداثة والحريات وتتحكم فيها انتماءات سياسية معينة.
هذه الردود رأت فيها عدد من الفعاليات الحقوقية، التي انبرت للدفاع عن المجلس وتقريره، اتهامات جاهزة، قفزت على مضمون التقرير، وركزت بالأساس على المسألة المتعلقة بالإرث لإفراغ عمل المجلس من أي محتوى، وإظهاره كهيئة تسعى لشيطنة المجتمع، في مقابل الجهة الهادفة لأسلمته، وهو نفس السياق الذي ذهبت إليه الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب التي انتقدت ما وصفته بمحاولة تغليط الرأي العام، واعتبرت الهجوم على تقرير المجلس بمثابة «ترهيب فكري من قبل جهات تنصب نفسها متحدثة باسم الدين، رغم وجود مؤسسة دستورية عهد إليها دور الإفتاء» .
كما أن المدافعين عن توصية المجلس الوطني لحقوق الإنسان يرون أن ردود الفعل التي أعقبت الإعلان عن موقف هذا الأخير تتعامى عن حقيقة أساسية، وهي أنه لا يمكن للمغرب أن يتعامل بانتقائية مع الاتفاقيات الدولية، وفي هذا السياق أكد عبد الإله بنعبد السلام، عن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أن المغرب صادق على الاتفاقية الدولية لإلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة، و«بالتالي لا يمكن لنا أن نأخذ بجزء من الاتفاقية ونلغي جزءا آخر، لأن الأمر يتعلق بمبادئ كونية وعالمية ومنظومة متكاملة».
واعتبر بنعبد السلام أن موقف المجلس الوطني تماشى مع حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، وأضاف أن التوصية الصادرة تستحق التنويه وتأتي انسجاما مع المطالب التي رفعتها عدد من الجمعيات الحقوقية في وقت سابق بما فيها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وأشار إلى أن الحديث والخطاب الرسمي عن كون المغرب منخرطا في الديناميكية العالمية لحقوق الإنسان يفترض تجاوز ردود الفعل المتشنجة التي أعقبت صدور التوصية.
وعلاقة بالانتقادات شديدة اللهجة التي صدرت في بلاغات بعض الهيئات السياسية، عقب صدور توصية المجلس الوطني، والاتهامات التي وجهت له بمحاولة زرع الفتنة من خلال إصدار توصية في الوقت الميت من عمره، والتطاول على صلاحيات إمارة المؤمنين، قال بنعبد السلام إن مواقف الهيئات السياسية تخصها، وأن مواقف الجمعيات الحقوقية من هذا الموضوع معروفة كما هو الشأن بالنسبة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، مضيفا أن رفع مثل هذه الانتقادات يتناقض مع مصادقة المغرب على اتفاقيات دولية أصبحت ملزمة له، كما أصبح جميع المغاربة معنيين بها، ولم تعد محصورة على جهة دون أخرى، وأضاف أن المغرب بمصادقته على اتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ملزم بتفعيل مضمونها.
واستدرك بنعبد السلام بأن صدور توصية بمساواة المرأة مع الرجل في الإرث لا يعني قطع الطريق على الرأي المخالف لها، وقال: «نحن كحقوقيين نعبر عن مواقفنا، وهناك من يتفق كما أن هناك من يختلف معنا، وهذا مجال يمكن أن يفتح فيه حوار ونقاش على أساس الاستماع لكل الأطراف في إطار مجتمع يتعين عليه أن يقبل بالاختلاف».
وعن الاتهامات التي وجهت لبعض الجمعيات والجهات بمحاولة جر المغاربة لقضايا هامشية لإلهائهم واستهداف قيمهم، قال بنعبد السلام «لقد سبق أن طالبنا بفصل الدين عن الدولة حتى لا يقع أي توظيف أو استغلال للدين خارج إطاره كما يسعى البعض لذلك، وهناك من يعتقد بأنه من حقه احتكار تفسير الأشياء بمنطق واحد، وفرضها على المجتمع، وهذا ما نلاحظه من طرف بعض من يعطون لأنفسهم صلاحية تقدير الملفات الحقوقية ومدى أهميتها في قائمة الأولويات، علما أن حقوق الإنسان منظومة مرتبطة ببعضها وغير قابلة للتجزيء إذا كنا نسعى فعلا لتحقيق العدالة الاجتماعية وكرامة الإنسان».
وقال بنعبد السلام إن «إشهار خصوصية المجتمع المغربي في كل مرة تثار فيها ملفات حقوقية يفضح استغلال هذه الكلمة من أجل تعويم النقاش ومحاولة تسفيه عدد من المطالب المشروعة في ظل استمرار توظيف الدين من قبل بعض الجهات بالطريقة التي تحقق مصالحها ولا تراعي مصلحة الإنسان وكرامته».
ودعا بنعبد السلام إلى تجاوز الطريقة المتحجرة في التعاطي مع الشأن الديني وأضاف أنه «من حق الجميع التعبير عن آرائهم، والوقت كفيل بأن يكشف حقيقة عدد من الأشياء، شرط أن يتم إحداث قطيعة مع الصوت الواحد، ومحاولة فرض بعض الآراء على الناس على أساس أنها حقيقة مطلقة غير قابلة للنقاش».
أهاروش: الفاعل الحزبي لا يقدر على مناقشة قضية الإرث والمجلس الأعلى مطالب بالحسم
أكد أن باب الاجتهاد يجب أن يبقى مفتوحا دون المساس بالثوابت الشرعية
في هذا الحوار، يؤكد محمد أهاروش، الأستاذ بجامعة سطات أن الفاعل السياسي المغربي لا يزال بعيدا عن النقاش الخاص بتقسيم الإرث بين الرجل والمرأة، موضحا في هذا الباب أن الضرورة أصبحت ملحة للحسم في هذه القضية، إما بالاستناد على النص القطعي أو فتح باب الاجتهاد أو ترك الباب مواربا للقضاء لعلاج الحالات بشكل فردي.
حاوره – محمد أحداد
– كيف تقرأ الموقف الأخير للمجلس الوطني لحقوق الإنسان الداعي إلى المساواة بين الرجل والمرأة في الإرث؟
لا شك أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان أصبح يلعب دورا مركزيا في تتبع الديناميات المتعددة التي يعرفها المجتمع المغربي، سواء على المستوى الكمي أو الكيفي، وذلك من خلال إصدار تقارير والقيام بدراسات تشخص أسباب وكيفية تطور وتراجع المجتمع المغربي، وكذا رصد وتتبع وتقييم مؤشراته العامة. ويندرج الرأي الأخير الذي أصدره المجلس بخصوص المساواة بين الجنسين في الإرث في طبيعة المسارات التي دأب المجلس على رسمها وتحديدها واقتراح توصيات وبدائل بشأنها، لكن لا يمكن من جهة أخرى أن يمر رأي المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي أوصى به دون نقاشات مجتمعية عميقة، سواء من جانب النخبة المثقفة أو من جانب باقي الطبقات الاجتماعية أو من قبل المؤسسات الرسمية لاسيما البرلمان والمجلس العلمي الأعلى. هذا الأخير الذي يمتلك سلطة دينية قوية حاسمة تحت وصاية الملك، ومن الأكيد أن هناك قوى حزبية ومدنية وحقوقية (حزب الاتحاد الاشتراكي، المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، الجمعية المغربية لحقوق الإنسان …) قد خاضت في موضوع المساواة بين الجنسين في الإرث وطالبت بفتح نقاش عمومي مجتمعي لتأطير هذه الوضعية المختلة بين الجنسين، لكن مثل هذه المواضيع لم يستمر فيها النقاش طويلا وبشكل مستمر، لكن بعد أن أعاد المجلس الوطني لحقوق الإنسان هذا النقاش، سيتم إخضاع بالضرورة هذا الموضوع لسجال عمومي مجتمعي، لكن وفق أي مسارات ومنطلقات؟ هل وفق مقاربة شرعية ودينية أم وفق مقاربات سياسية وسوسيولوجية وتاريخية؟ أكيد أننا نحتاج في الوقت الحالي إلى قراء جدد للنص الديني وفق السياقات المجتمعية الحالية ووفق الشروط والخصوصيات المعيشة، إذ يجب دائماً السعي إلى محاولة تكييف النص الديني مع توترات وأزمات المجتمعات الإسلامية، أكيد أن النص القرآني قطعي بهذا الخصوص، لكنه بالمقابل غير مغلق، إذ يمكن أن نجتهد إلى أقصى الحدود لإيجاد منافذ ومخارج قادرة على ضمان حق المرأة في الإرث دون المساس بروح وبمقاصد النص القطعي، كما اجتهدنا في موضوع مدونة الأسرة وأسسنا – عبر النص الديني – لمدونة حداثية وشرعية دون المس بالدين الإسلامي. – هل يمكن أن تحتمل التوصية الصادرة عن المجلس أي قراءة سياسية؟ البعض قال إن السياق الذي جاءت فيه التوصية يطرح أكثر من علامة استفهام، هل تعتقد أن توقيت الإعلان عنها عادي جدا؟ أكيد أن لكل فعل ظروفه وسياقه الزمني، ذلك أن مؤشرات التحليل السياسي تنبهنا دائماً إلى العامل الزمني timing في خلق الحدث، إذ لاشيء يقع خارج سياق زمني عادي، كما يمكن أن تكون هذه التوصية خلاصة عادية لنقاش كان قد بدأ ( كما أشرت إليه سابقا) وأن المجلس الوطني لحقوق الإنسان يبادر دائماً إلى إحياء مواضيع معقدة وصعبة وحساسة (مثل الإجهاض) لكن سواء كان التوقيت بريئا أم لا، فإن هذه التوصية ستجد مكاناً لها وبقوة داخل الوعي المشترك للمغاربة وستخلق مواقف متباينة ليس من جانب رجال الدين فقط، بل أيضاً من قبل رجال القانون والحقوقيين والسياسيين والسوسيولوجيين …لكننا ننتظر بالخصوص وبكل شغف كيف سيتعامل المجلس العلمي الأعلى مع هذه التوصية؟ – الفاعل السياسي الحزبي المغربي ظل دائما بعيدا عن النقاشات المصيرية، كيف يمكن أن تتعاطى الأحزاب السياسية المغربية مع هذه التوصية؟ صحيح أن الأحزاب السياسية بالمغرب لا تمتلك أجوبة كبرى لقضايا المجتمع لأنها لا تمتلك مراكز البحث والدراسات لتتبع حركية المجتمع ورصد مؤشراته وتدبير مخاطره، إذ نجد هذه الأحزاب تشتغل بشكل عشوائي ومغلق وفجائي ليس فقط اتجاه مواضيع صعبة ومعقدة مثل هذه التوصية، بل حول مواضيع عامة مثل الجهوية، وإصلاح التعليم، والتنمية والفقر … إذ غالبا ما تلجأ إلى مكاتب الخبرة والدراسات كلما وجدت نفسها أمام قوة الواقع. – الدعوة الجديدة التي أطلقها المجلس الوطني لحقوق الإنسان أثارت الكثير من الجدل، لكنه جدل ظل حبيس المقاربة الدينية، هل ترى أن الأحزاب السياسية يجب عليها أن تنخرط في هذا النقاش؟ من دون أدنى شك، هذه التوصية ستستفز بعض الأحزاب التي تعتمد المرجعية الإسلامية أو المحافظة، أو التي تعتقد أن الفرصة مواتية للرد على المجلس الذي طالما أحرجها من خلال تقمصه لصفة الفاعل السياسي والديني، كما أن هذه التوصية هي فرصة أيضاً لبعض الأحزاب الحداثية واليسارية- التي كانت سباقة لفتح هذا النقاش- لمعاودة الانخراط فيه والسعي نحو الدفع به إلى أقصى الحدود، لكن هذه التوصية لا تلزم أي أحد وليست لها أي قيمة قانونية ولا معيارية، هي فقط تدخل ضمن التقارير الموضوعاتية، التي يصدرها المجلس بغية الانتباه إليها وإمكانية توظيفها في السياسات التشريعية الحقوقية. فأكيد أن هذه التوصية لا يمكن أن تمر دون نقاشات وندوات ومناظرات سيتقاطع فيها الديني والحقوقي والقانوني والسياسي والفلسفي بغية إيجاد طريقة نحو إما طي موضوع الإرث نهائيا وبشكل قطعي وفق النص القرآني، أو محاولة إيجاد تأويلات من داخل النص القرآني وإما إعطاء للقضاء سلطة تقديرية لمعالجة كل قضية على حدة، هذا دون أن ننسى أن المرأة لا ترث دائماً نصف ما يرثه الرجل، بل هناك عمليات حسابية يختلف فيها النصيب بين الرجل والمرأة حسب الحالات، إذ من خلال هذه الاستثناءات يمكن أن نجد حلولا ناجعة وعادلة لحق المرأة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.