خلال الشهر المقبل، ستبدأ المفاوضات بين الحكومة السودانية والمعارضة المسلحة التي من شأنها وضع حد للحرب الأهلية السودانية التي كانت قد اندلعت في دجنبر 2013. وهذه الحرب، التي هي الحرب الأهلية الثالثة التي تعيشها السودان منذ أن تحرر من الاستعمار البريطاني سنة 1955، تسببت في مقتل أكثر من 50 ألف سوداني وترحيل مليوني شخص. وبدون شك، فإن تفاقم الأوضاع في جنوب السودان سنة 2013 يعتبر من أهم أسباب تدهور الوضع الأمني في العديد من جهات السودان، وبالخصوص في مناطق «النيل الأزرق» و»جنوب كردوفان» و«دارفور». وكان العديد من الفاعلين الدوليين يعتبرون أن تنظيم استفتاء في جنوب السودان سنة 2011 قد يأتي بالاستقرار السياسي والسلم الاجتماعي، إلا أن انفصال جنوب السودان عن شماله، الذي أعلن على إثر الاستفتاء، لم يحسّن الأوضاع في البلدين. وغداة الإعلان عن الاستقلال، دخل رئيس دولة جنوب السودان، سلفاكير ميارديت، في صراع مع نائبه رياك مشار، وهو الصراع الذي أخذ طابعا عرقيا بعد اصطدام «النوير» مع «الدينكا» داخل الجيش والأجهزة الأمنية، مع العلم بأن حكومة الخرطوم تدعم القوات المتمردة الموالية لمشار، في حين يدعم الجيش الأوغاندي القوات النظامية التابعة لحكومة جوبا. ولا يمكن الخروج من الحرب الأهلية المندلعة في كل من السودان وجنوب السودان إلا إذا استطاعت الحكومة السودانية أن تعيد النظر في علاقة الدولة المركزية بالساكنة الموجودة في المناطق البعيدة عن الخرطوم، حيث إن هذه الأخيرة تعيش حالة تهميش على مستوى الاستفادة من الخدمات العمومية الأساسية ولا تستفيد من مداخيل النفط الذي تنتجه السودان. وتبدو الخرطوم غير مستعدة لأنْ تمنح الحكم الذاتي لمناطق «جنوب كردوفان» و»النيل الأزرق» و»دارفور» كما تطالب بذلك الحركات المتمردة، إلا أنها ستضطر إلى أن تمنح العديد من الصلاحيات وسلط الدولة المركزية للجهات إن هي أرادت بالفعل أن تضع حدا للحرب وتكرس السلام بشكل مستدام، كما سيكون من اللازم عليها أن تشرع في مصالحة وطنية تحدد قواعد التعايش السلمي بين العرب وغير العرب. والتحديات التي تواجهها دولة جنوب السودان هي مرتبطة، كذلك، بمدى قدرة النخب على أن تتوصل إلى اتفاق سياسي يحدد قواعد التعايش السلمي بين «الدينكا» و»النوير» ويضمن توزيعا عادلا للثروات الوطنية، وبالخصوص منها الثروات النفطية. وبالنسبة إلى المغاربة والمغاربة الصحراويين، فإنه يجب استخلاص العبر من الحروب الأهلية السودانية من أجل تجنب الأخطاء التي ارتكبتها النخب السودانية وأدت إلى تفاقم الأوضاع عوض إصلاحها، فالإعلان عن استقلال الصحراء لن يساهم في حل النزاع مع المغرب، بل يمكن أن يزيد الأوضاع الأمنية والاقتصادية تدهورا كما يؤكد ذلك الصراع بين السودان وجنوب السودان. وإذا أراد الطرفان التوصل إلى حل نهائي لنزاع الصحراء المفتعل، فإنه سيكون من الواجب، فضلا عن الاستمرار في احترام حقوق الصحراويين، التوجه نحو المستقبل اعتمادا على إطار سياسي يتجاوز الوطنية الضيقة.