مصطفى واعراب تجمع التقارير الصادرة عن المؤسسات الاقتصادية العالمية على أن الاقتصاد السعودي مقبل على واحدة من أصعب فتراته، مع استمرار تراجع أسعار النفط منذ منتصف 2014، حيث يتوقع أن تسجل السعودية، التي تعد أكبر مصدر للنفط في العالم، عجزاً قياسياً في الموازنة قد يصل إلى 150 مليارا هذا العام. لكن انخفاض أسعار النفط ليس السبب الوحيد لتضرر الاقتصاد السعودي، فدعم بعض الأنظمة في العالم العربي لوقف صعود الإسلام السياسي (وخصوصا النظام المصري)، وكذا تكلفة التدخلات العسكرية في سوريا واليمن، إلى جانب الإنفاق العسكري الضخم على التسليح، وارتفاع كلفة السلم الاجتماعي الداخلي.. كلها عوامل إلى جانب أخرى، تشكل مجتمعة ضغطًا كبيرًا على الميزانية المالية، وعلى صندوق احتياطي النقد الأجنبي للسعودية. في سياق شرحه لأسباب الأزمة النفطية الحالية، صرح محمد سنوسي الثاني، أمير منطقة كانو في شمال نيجيريا والمحافظ السابق لبنكها المركزي، قائلا إن خطوة المملكة العربية السعودية المتمثلة في إغراق أسواق النفط بإنتاجها اليومي الكبير، هي خطأ ارتكبته المملكة سابقا ولم يستفد منه أحد. جاء ذلك في مقابلة أجراها سنوسي مع قناة CNN، حيث أضاف موضحا: «هذا خطأ، السعودية قامت بذلك مسبقا في السبعينيات والثمانينيات وخلقوا تخمة في أسواق النفط حينها، الأمر الذي دفع بالأسعار للهبوط إلى 10 و15 دولارا للبرميل الواحد، وعانى الجميع من ذلك.»، وأضاف قائلا: «هذا لن يساعدهم وبالتأكيد لن يساعد أحدا. والآن يقومون بتجفيف احتياطياتهم [من المال].»، ملمحا بذلك إلى التقارير التي أشارت إلى قيام السعودية باللجوء إلى احتياطياتها من العملات الأجنبية لتغطية تراجع مداخيلها من عوائد بيع النفط. إن موقف السنوسي يعكس فقط جانبا واحدا من الحقيقة، ويتلاقى بشكل موضوعي مع موقف بلاده نيجيريا (ومعها كل من الجزائروإيران وفنزويلا) الغاضبة من رفض السعودية المتزعمة ل»أوبك»، أي خفض للإنتاج. ويتطلب الأمر الوقوف على وجوه أخرى للحقيقة من أجل فهم أسباب الأزمة النفطية الحالية. لقد أتاح ارتفاع سعر النفط لسنوات طويلة لأكبر مستهلك وهو أمريكا أن تطور بسرعة كبيرة إنتاجها من النفط والغاز الصخري ذو التكلفة المرتفعة. فبدأت حصة دول «أوبك» تتقلص من الأسواق نتيجة لذلك، مع زيادة إنتاج النفط الصخري في السوق الأمريكية، حتى بلغت 31 مليون برميل من أصل 98 مليوناً في اليوم، التي هي مجموع إنتاج النفط العالمي. ورغم انخفاض أسعار النفط ب 60 % منذ 2014 ونزول سعره إلى أقل من 50 دولارا للبرميل،إلا أن السعودية راهنت على أن انخفاض سعر البرميل من شأنه أن يخفض إنتاج النفط الصخري في الولاياتالمتحدة. وبالفعل بدأ يحدث ذلك مع إفلاس كثير من الشركات الصغيرة الأمريكية العاملة في إنتاج النفط الصخري. بيد أنه عندما انخفضت أسعار النفط ابتداء من يونيو 2014، حصل بالمقابل انخفاض سريع في كلفة وسائل استخراج النفط الصخري في الولاياتالمتحدة، فغرقت الأسواق العالمية بالنفط وتوالى هبوط أسعار بيعه. إن استراتيجية السعودية برأي خبراء ناجحة على المدى الطويل، لكنها مضطرة مع غيرها من منتجي المحروقات، على الأمديْن القريب والمتوسط، إلى التعامل مع الانعكاسات السلبية الكبرى التي يفرضها الواقع. وأما رفضها خفض الانتاج فتبرره بمخاوفها من أن أي نقص في حصة دول «أوبك» من النفط سوف تسارع إلى تغطيته روسيا التي تعيش بدورها أزمة اقتصادية خانقة. لكن ضغط الأزمة شديد على السعودية وبشكل غير مسبوق، ولذلك تنبأ محرر إدارة الأعمال الدولية في صحيفة التلغراف البريطانية بأن «المملكة سوف تبدأ الدخول في ورطة في غضون عامين، وستكون معرضة لأزمة وجودية بحلول نهاية العقد الحالي، بسبب رفع إنتاجها النفطي إلى 10.6 مليون برميل يوميًا في محاولة منها لمواجهة الكساد». فإغراق السوق بكميات زائدة من النفط أدى إلى خفض سعره وأضر ذلك القرار كثيرا بالسعودية أكثر مما أضر بمنتجي النفط الصخري في الولاياتالمتحدة، وإن كان الهدف من القرار هو خنق صناعة الصخر الزيتي في الولاياتالمتحدة. وبالنتيجة، فإن المشكلة التي تواجه السعوديين تتمثل في أن الشركات الأمريكية التي تقوم بتكسير الصخور النفطية ليست عالية التكلفة، فأغلبها متوسطة الحجم. قد نجحت خلال الشهور الماضية في بدء تجاوز عقبة تخفيض سعر النفط، حيث خفضت بواسطة التكنولوجيا تكلفة استخراج النفط الصخري، حتى يصبح متناسبا مع سعر النفط الحالي في السوق العالمية، ويصبح ذا جدوى اقتصادية. ويعتقد خبراء نفطيون أن شركات النفط الصخري قد تكون قادرة على تخفيض تكاليف إنتاجها بنسبة 45 % هذا العام، ما يعني قدرتها على مزيد من الصمود في وجه الاستراتيجية السعودية، وبالتالي فإن سوء التقدير السعودي ليس فقط فشل برأي خبراء، ولكنه يكون قد تسبب في المحصلة في الإضرار بصناعة النفط لدول «أوبك»، وبالاقتصاد السعودي. أزمة سيولة وتقشف ونتيجة لذلك، يعاني الاقتصاد السعودي منذ أشهر من أزمة سيولة شديدة نتجت عن تراجع عائدات بيع النفط، وجعلت سلطات المملكة تلجأ إلى مدخراتها في الصناديق السيادية وبيع سندات لجمع السيولة اللازمة. ويرى خبراء ماليون بأن السعودية، التي ترأس منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، لجأت إلى أسواق السندات لأول مرة منذ ثمان سنوات، بسبب تقلص جبل أموال عائداتها من النفط. وفي هذا الإطار، باعت السعودية سندات خلال فصل الصيف الماضي لجمع أربع مليارات دولار على الأقل. وصرح مستشارون ماليون في أوروبا، الأسبوع الماضي، بأن البنك المركزي السعودي حصل على ما يقرب من 50 إلى 70 مليار دولار من شركات إدارة الأصول العالمية على مدى الأشهر الستة الماضية، من أجل تغطية تراجع المداخيل. ويؤشر هذا التحول في طريقة تدبير الثروات السيادية السعودية على مدى استفحال الأزمة، حيث تقدر مؤسسات مالية عالمية عجز الميزانية بنسبة 7.5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، مقارنة بنسبة 20 % من فائض الناتج المحلي الإجمالي خلال العقد الماضي. ولتغطية هذا العجز لجأت الحكومة إلى إصدار سندات بقيمة 20 مليار ريال سعودي (5.33 مليارات دولار)، خصصت لتمويل عجز الموازنة. وإلى جانب ذلك، نقلت وكالة رويترز عن مصادر مطلعة أن وزارة المالية السعودية أصدرت تعليمات للجهات الحكومية لإعادة ما لم تنفقه بعد من الأموال التي كانت مخصصة لمشاريعها في ميزانية هذا العام، وذلك في إطار سعيها لترشيد الإنفاق في ظل الهبوط المستمر لأسعار النفط، في وقت أشارت أخبار إلى احتمال أن تتضمن ميزانية العام المقبل وقفا لدعم المحروقات والكهرباء، وزيادة في الرسوم وفرض ضرائب لأول مرة. والأكثر من ذلك أن صحيفة "الغارديان" البريطانية نشرت الأسبوع الماضي ما قالت إنه رسالة سرية بعث بها العاهل السعودي الملك سلمان إلى وزير المالية في سبتمبر الماضي. وتوجه الرسالة بضرورة اتخاذ إجراءات تقشفية لتقليص الإنفاق الحكومي في الأشهر الثلاثة الأخيرة من ميزانية العام الجاري، من بينها إيقاف جميع مشاريع البنى التحتية الجديدة، ووقف شراء أي سيارات أو أثاث أو تجهيزات أخرى، بالإضافة إلى إجراءات تقشفية أخرى. وإلى جانب ذلك، أوردت وسائل أنباء عربية أنباء عن تجميد محتمل وشيك للبناء في مركز الملك عبد الله بالرياض، الذي كان من المقرر أن يكون أضخم حي مالي في الشرق الاوسط. فاتورة دعم النظام المصري وفي إطار دعم دورها الإقليمي كقوة عربية وإسلامية راعية للمحتاجين إلى المساعدة من أشقائها، دأبت السعودية على تقديم إعانات مالية وعينية لبعض البلدان العربية؛ بلغت بشكل مباشر 85 مليار ريال سعودي، أي ما يقابل (22.7 مليار دولار) خلال الفترة من يناير 2011 إلى أبريل 2014، حسب تقرير صدر أخيرا عن صندوق النقد الدولي. وهذه الدول هي: مصر، والأردن، والضفة الغربية، والبحرين، وعمان، واليمن، والسودان، وجيبوتي، والمغرب. وتتباين قيمة تلك المساعدات وأهميتها من بلد عربي لآخر. فبينما تأتي اليمن في المرتبة الثانية في القائمة بعد مصر، بإجمالي مساعدات مالية سعودية بلغت 4.4 مليارات ريال (1.2 مليار دولار) أي ما يمثل نحو 8.4 % من إجمالي الناتج المحلي اليمني؛ نجدها في حالة المغرب الذي يرتب سابعا على قائمة البلدان المستفيدة من المساعدات السعودية تبلغ 6.1 مليارات ريال (1.6 مليار دولار) خلال الفترة المذكورة، أي أنها لا تمثل سوى نحو 1.5 % من الناتج المحلي الإجمالي المغربي. لكن مصر تبقى البلد الذي يتصدر قائمة الدول التي تتلقى المساعدات المالية من السعودية، حيث بلغت إجمالي 22.3 مليار ريال (5.9 مليارات دولار) خلال الفترة من يناير 2011 إلى أبريل 2014، وهو ما يمثل 2.3% من الناتج المحلي لهذا البلد. وقد مكنت المساعدات السعودية بشكل خاص والخليجية بشكل عام النظام المصري، الذي تولى الحكم بعد انقلاب صيف 2013، من ضمان حد أدنى من الاستقرار. فمن شأن حصول أي اضطرابات عنيفة في مصر أن يضر بالأمن الخليجي. وتعترف بعض الأبواق الإعلامية التابعة للنظام المصري بأنه لولا مساعدات بلدان الخليج (وخصوصا منها السعودية) لحدثت في مصر ثورة جياع. لكن مصادر مستقلة تشكك في أن يكون المواطن المصري البسيط استفاد من تلك المساعدات. ومهما يكن من أمر المصير الذي انتهت إليه تلك المساعدات والتي تلتها لاحقا، إلا أن مبالغها تبقى كبيرة، رغم أن حجمها الحقيقي يظل موضوع خلاف. فحسب مصادر حكومية مصرية، بلغ حجم المساعدات الخليجية (من السعودية والإمارات والكويت) المقدمة لمصر منذ انقلاب 3 من يوليوز 2013 وحتى موعد انعقاد المؤتمر الاقتصادي بمدينة شرم الشيخ في مارس 2015، أزيد من 30 مليار دولار. بينما تقدرها مصادر غير رسمية بما يفوق 47.5 مليار دولار؛ تتوزَّع ما بين منح نقدية مباشرة، ومساعدات نفطية. وفي حين لا توجد أرقام مدققة خاصة بحجم المساعدات المقدمة من السعودية لمصر في فترة ما بعد 2013 بسبب عدم إعلان أي من الدولتين عن هذه الأرقام؛ فإن معطيات غير رسمية تتكهن بكون مصر حصلت على مساعدات سعودية تجاوزت 25 مليار دولار حتى مارس الماضي. وهو بالتأكيد مبلغ ضخم له تأثير على الدولة المانحة، خصوصا بعد تراجع مداخيلها من عائدات بيع النفط. إنفاق عسكري ضخم إن السعودية تشعر بكونها مطوقة من جميع الجهات بعدو مذهبي تكرهه بشدة، لاقتناعها بأنه يتهدد وجودها ونفوذها الإقليمي. وقد لخص الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية جيم ووزلي، وضعها في جملة إذ قال: «لا يدور في عقل السعوديين الآن سوى شيء واحد، وهو: الإيرانيون. إن لدى السعوديين مشكلة خطيرة جدًا تتمثل في أن وكلاء إيران يسيرون كلا من اليمن وسوريا والعراق ولبنان». ولهذا السبب تنفق المملكة عشرات المليارات سنويا من أجل التسلح والرفع من فاعلية قواتها حتى تظهر بمظهر القوة العسكرية القوية في المنطقة. وتذهب بعض التقديرات إلى أن إنفاق السعودية بلغ في العام الماضي فقط 81 مليار دولار، ما يجعل منها ثالث أكبر ميزانية عسكرية في العالم بعد الولاياتالمتحدة والصين. وإلى جانب الإنفاق على التسليح الذي يمتص مبالغ طائلة، يستنزف التدخل السعودي غير المباشر في الحرب الأهلية السورية بدوره أموالا كثيرة لا يستهان بثقلها على المملكة منذ خمس سنوات. لكن الجزء الأكبر من العبء العسكري باتت تفرضه منذ مارس الماضي، الحرب التي تقودها السعودية ضمن تحالف عربي تقوده في اليمن. وفي هذا الإطار بالذات تتوفر معطيات وفيرة، حيث تقدر مصادر غربية مثلا أن تكلفة الحرب على اليمن وصلت بحلول أواسط شهر أبريل 2015، أي بعد أقل من شهر من بدئها 30 مليار دولار. وشملت كلفة تشغيل 175 طائرة تابعة للتحالف العربي بذخائرها (100 منها سعودية)، وتكاليف وضع 150 ألف جندي في وضعية تأهب. ونقلت جريدة الرياض السعودية، مؤخرا، عن تقارير غربية أن كلفة الحرب الجوية في اليمن، خلال مرحلتها الأولى قد تكون بلغت 230 مليون دولار شهريا، متضمنة كلفة تشغيل الطائرات والذخائر المستخدمة وقطع الغيار والتموين وخلافه. أما بالنسبة للتكلفة التقديرية المتوقعة للتدخل على الأرض أو الحرب البرية في حال حدوثها، فتشير التقديرات إلى احتمال أن تتراوح بين 300 إلى 400 مليون دولار شهريا، على افتراض استخدام قوات برية محدودة نسبيا لا تزيد عن 25 ألف جندي، وخلال فترة زمنية لا تزيد عن ستة أشهر، مع الأخذ بعين الاعتبار منطقة الحرب البرية وطبيعة وتضاريس اليمن الجبلية. وفي سياق تفاصيل التكاليف الباهظة للحرب في اليمن دائما، نقلت مصادر إعلامية عربية عن مجلة فوراين بوليسي الأمريكية أرقاما مفصلة خرافية قد تكون دفعتها السعودية منذ شهر مارس الماضي، وهو تاريخ بدء الحرب في اليمن. وهكذا نقرأ بأن نفقات استخدام قمرين صناعيين عسكريين للساعة الواحدة تصل إلى مليون دولار، وأنه بعملية حسابية بسيطة، نجد أن تكلفة نفقات القمرين في اليوم الواحد تبلغ 48 مليون دولار. و هذا يعني أن التكلفة تبلغ في الشهر الواحد 1مليار و440 مليون دولار، ما يعني أنها بلغت 8 مليارات و640 مليون دولار خلال الشهور الستة الماضية. فضلا عن أن استخراج وتحليل المعلومات من الصور والبيانات الملتقطة بالأقمار الصناعية العسكرية، يتطلب مبلغ خمسة ملايين دولار يومية إضافية للقمر الواحد. وبذلک تصل التكاليف إلى 10 مليون دولار يوميا، ما يبلغ شهريا 300 مليون دولار ويصل إلى 1 مليار و800 مليون دولار، خلال الأشهر الست الماضية من زمن الحرب في اليمن. فضلا عن تكلفة استخدام طائرة الأواكس التي تبلغ 250 ألف دولار للساعة، وتكلف عشرات آلاف الصواريخ الذي قصفت بها طائرات التحالف الأراضي اليمنية… وحسب مصادر إعلامية خليجية، فإن تكلفة الحرب تجاوزت 50 مليار دولار في شهر يوليوز الماضي فقط. ويلاحظ موقع «يمن 24» بأن هذه التكاليف تقترب في مجملها من مجموع ميزانية الدفاع السعودية التي بلغت 57 مليار دولار عام 2014، والتي ينتظر أن تصل إلى 81 مليار دولار عام 2015، لتصبح ثالث أكبر ميزانية حربية في العالم هذا العام. هل انتهى زمن «دولة الرفاه» في السعودية؟ تعتبر السعودية أكبر منتج للنفط في العالم بحجم إنتاج يزيد عن 10 ملايين برميل نفط يوميا. ورغم سعيها منذ سنوات إلى تنويع مصادر دخلها، إلا أن عائدات النفط ما زالت تمثل 90% من مداخيل المملكة. وقبل الأزمة الحالية، كانت تحصل من ذلك الانتاج النفطي الضخم على عائدات مالية خرافية، حيث بلغ إجمالي الناتج المحلي السعودي 746.2 مليار دولار أمريكي في 2014. ورغم أن السعودية تعتبر من أكثر البلدان الخليجية سكانا، إذ بلغ تعدادهم 30 مليون نسمة في 2014، إلا أنها تعتبر مع ذلك من البلدان العالية الدخل في العالم. فنصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي بلغ معدل 25140 دولارا برسم العام 2013. وبفضل ذلك تحسب السعودية على دول الرعاية أو الدول الراعية (Etats providence)، التي تسمى كذلك دول الرفاه. وبموجب تلك الصفة استفادت من فترات الطفرة البترولية، منذ عقد السبعينيات من القرن الماضي لتوزيع الريع النفطي بما يجلب لنظامها الاستقرار. ويعني مفهوم الدولة الراعية أن الدولة تلعب الدور الأساس في حماية مواطنيها وتوفير الرفاه الاقتصادي والاجتماعي لهم دون حساب. ونتيجة لذلك لا يدفع المواطنون السعوديون ضرائب على الدخل، ولا تعمل المؤسسات المالية في السعودية بنظام الفوائد. بل لا يتم حتى اقتطاع مبالغ من أرباح أسهم السعوديين، كما هو جاري به العمل عبر العالم. وفوق ذلك يباع البنزين في محطات الوقود بالسعودية بمبلغ زهيد لا يزيد عن 12 سنتا للتر الواحد، وسعر الكيلو واط الواحد من الكهرباء ب1.3 سنتا فقط. فضلًا عن ذلك، تضم المملكة قطاعا عاملا ضخما، يشمل ثلاثة ملايين موظف.. أي أن واحدا من كل عشرة سعوديين هو موظف عمومي. وبرأي (فابريس بلانش)، المحاضرة في جامعة ليون الثانية والخبيرة الفرنسية في قضايا الشرق الأوسط، فإن القطاع العام غير منتج ويعتبر فقط شكلا من أشكال توزيع الريع في السعودية، بينما تقوم العمالة الأجنبية بأهم الأعمال في القطاع الخاص. وتشير دراسة خليجية حديثة إلى أن حجم هذه العمالة الأجنبية النشطة يصل إلى 9 ملايين عامل وافد من مختلف دول العالم، وخصوصًا من الهند وباكستان ومصر والفلبين، حيث يعمل99% منهم في القطاع الخاص. وكشف تقرير مالي رسمي صدر مطلع هذا الأسبوع، أن السعودية احتلت المرتبة الثانية عالمياً من بين أكبر الدول المصدرة لتحويلات العمالة الوافدة خلال الفترة من عام 2008 إلى 2013، بعد الولاياتالمتحدة، بمتوسط تجاوز 105 مليارات ريال (28 مليار دولار) سنوياً. بينما ارتفعت تحويلات العمالة الأجنبية إلى بلدانها في عام 2013 إلى أكثر من 131 مليار ريال سعودي (35 مليار دولار)، فيما قُدرت التحويلات في عام 2014 بأكثر من 154 مليار ريال سعودي. لكن مع اشتداد الأزمة الاقتصادية، يجد العمال الأجانب أنفسهم في مقدمة المستهدفين. وفي هذا الصدد، شبّه رئيس المركز السعودي للدراسات والبحوث الاقتصادية ناصر القرعاوي، تحويلات العمالة الأجنبية الكبيرة للخارج، في تصريحات للصحافة، ب «السرطان الخفي الذي ينهش الاقتصاد السعودي». وتثير إجراءات السعودية الأخيرة مخاوف من احتمال الاستغناء عن أعداد كبيرة من العمال الأجانب مستقبلا، أو على الأقل فرض المزيد من الضرائب عليهم وعلى مشغليهم، وتقييد تحويلاتهم المالية نحو بلدانهم. وفي وقت يقدر صندوق النقد الدولي أن يصل عجز الموازنة في السعودية إلى 20 % من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، ما يعادل 150 مليار دولار، تحاول السلطات السعودية طمأنة مواطنيها بأن الإجراءات التقشفية المرتقبة لن تمس واقعهم المعاشي. لكن لغة الأرقام فيما يخص هبوط مداخيل البلاد من النفط، وكذا ارتفاع حجم الإنفاق الحكومي المثقل بحرب طويلة الأمد في اليمن، هي أهم المؤشرات التي تحمل على الاعتقاد بأن اقتصاد المملكة بات مقبلاً على مرحلة صعبة، لعل بعضا من أبرز مؤشراتها بدأت تطل برأسها منذ أسابيع. فحسب قصاصة عممتها وكالة «رويترز»، فإن السعودية تدرس منذ أبريل الماضي زيادة ضرائب على المياه والكهرباء، بالإضافة إلى فرض ضريبة جديدة على الأراضي غير المبنية، وزيادة أسعار بعض المواد الأساسية في السوق المحلية.