حكايات تكتنفها المعاناة والألم وذكريات كوابيس لحوادث اغتصاب نالت من الضحايا وغيرت حياتهن. تتحول الحياة بعد الاغتصاب إلى صراع لنسيان الندوب النفسية والجسدية للحادث. الاغتصاب هو الجريمة التي لا يمحو آثارها الزمن، تظل جروحها ماثلة في ذاكرة الضحية تعيش التي كوابيسها دون توقف.. تبقى الصدمة النفسية والعصبية الناتجة عن الاغتصاب راسخة مدى الحياة ولا يمكن للمغتصبة أن تنسى هذه الصدمة الكبيرة، التي لا يمكن تجاوزها والتعايش معها، لأن صدمة الاغتصاب تععوق التكيف النفسي والاجتماعي للمغتصبة التي تحتاج إلى تأهيل نفسي واجتماعي ومساعدتها وتمكينها من استعادة تكيفها من جديد. «المساء» التقت بضحايا حوادث اغتصاب، وفتحوا قلوبهم ليحكوا عن المعاناة التي يعيشونها في حياتهم اليومية التي لم تعد كما كانت في الماضي.. لحظة عنف عابرة غيرت حياة العديد من الأشخاص تاركة خلفها آثارا نفسية وجسدية لا تنمحي. للاغتصاب آثار وعواقب وخيمة على الضحية، سواء كان ذلك في المدى القريب أو البعيد. وتختلف ردات الفعل من شخص إلى آخر، فبعض النساء يتعرضن لأزمات نفسية مزمنة لا تختفي أعراضها أبدا، بينما هناك فئات أخرى تتأثر بصورة نسبية وسرعان ما تزول تلك المخلفات.. تتوقف درجة التأثر على طبيعة الحادث نفسه، وشخصية المغتصب وقدرته على تحمل مخلفات تلك التجربة ومرارتها، والوسط الذي يعيش فيه ونوعية المساعدة التي يتلقاها. تتزايد مخاوف آباء الأطفال ضحايا الاستغلال الجنسي من أن يصبح أبناؤهم الذكور شواذا في المستقبل، لأن العديد من المؤشرات تدل على ذلك، ومنها أن العديد من الشواذ تعرضوا لهتك العرض في طفولتهم، لكن في غياب دراسات تدل على ذلك، يبقى كلامهم بمثابة خوف آباء على فلذات أكبادهم الذين تطاردهم جريمة هتك العرض طيلة حياتهم. تدخل الضحية المغتصبة حسب الأخصائيين في مرحلة التوتر والاكتئاب والضيق والعصبية، وهذا الاكتئاب يجعلها تفقد شهيتها للطعام، ويبدأ وزنها في التراجع، وتصبح عرضة لأحلام وكوابيس مزعجة واضطرابات في النوم، وبالتالي يلاحظ انخفاض مستواها الوظيفي أو الدراسي، بينما تشعر المرأة المتزوجة بأنها ملوثة وتحس بالخزي والعار من زوجها، وقد تخشى معاشرته لارتباط الجنس عندها بالألم. أما على المستوى الجسدي، فأكدت الدراسات أن حوالي ثلثي النساء المغتصبات عانين من خدوش وندبات وكدمات متفاوتة، وتقرحات في الجهاز التناسلي، وجروح داخلية أو كسور في الجمجمة والعمود الفقري أو في الأسنان. وأغلب الضحايا تلقين تهديدات بالقتل والتنكيل في حالة الإبلاغ عن الحادث، خاصة من الأشخاص المقربين، وفي الحالات القصوى تتعرض الضحايا إلى القتل من قبل الجاني أو الجناة لإخفاء الجريمة الأولى. كما يتعرض الضحايا لخطر الأمراض الجنسية المعدية كمرض السيدا والسيلان والعقم الذي يسببه عدم الرغبة في الحمل وعدم التداوي خوفا من ردة الفعل وكنتيجة للصدمة النفسية. كما قد تعاني النساء ضحايا الاغتصاب من صعوبة وآلام في العملية الجنسية مع أزواجهن، ومن نزيف دموي متواصل تصاحب تلك العملية.. تحس المرأة التي تعرضت للاغتصاب أيضا بالظلم والذنب والعار، وفقدان الرغبة في الأكل والأرق المزمن والإحساس بالوحدة والضعف والوهن وقلة الحيلة وفقدان الثقة في النفس والحزن الشديد الذي قد يصل إلى حد الاكتئاب الزمن. كما تكون مشاهد الاغتصاب الأليمة حاضرة دائما في الذاكرة وتتواتر على شكل ومضات رجعية. وتنخفض الرغبة الطبيعية لديها في ممارسة الجنس، وقد تتعقد هذا الانعكاسات المرضية لتصل إلى درجة فقدان الشعور باللذة، خاصة في الفترة التي تعقب تجربة الاغتصاب.. وتكون الصدمة أعنف إذا كان الجاني من أقارب الضحية، إذ من الصعب نسيان تلك الحادثة، وبذلك تكون المخلفات النفسية شديدة الخطورة، وقد تدفع الضحية إلى محاولة الانتحار. مازال المغرب لم يصل بعد إلى مرحلة العلاج المتقدمة بإتاحة الفرصة للفتيات لتبادل خبراتهن المتعلقة بتلك المواقف مع الفتيات الأخريات في مجموعات صغيرة لا يزيد عدد المشتركات فيها عن أربع فتيات. ويقول الباحثون إن الفتيات يستفدن من تبادل خبراتهن المتعلقة بتلك المواقف مع نظيراتهن اللائي مررن بمواقف مماثلة. وأثبتت البحوث الميدانية أن الكثير من ضحايا الاغتصاب حاولن أو أقدمن، فعليا على الانتحار، واقترفن جرائم في حق أنفسهن وغيرهن في إطار ما يسمى في علم النفس ب«التحطيم الذاتي»، كما تعاني الضحايا من مشاكل أسرية واجتماعية مردها فقدان الثقة في الناس، والحذر والخوف الشديد منهم، لأن النظرة القديمة للعالم بالنسبة إليهم تغيرت رأسا على عقب وأصبحت نظرة مليئة بالرهبة والتشاؤم وتوقع الخطر في كل وقت، وهذا ما ينعكس سلبا على تصرفات الضحية وسلوكاتها.. تقسم الدراسات النفسية المراحل التي تمر بها ضحايا الاغتصاب إلى مرحلة الحدث، وتتمثل في حالة الصدمة النفسية والعصبية، التي تظهر فيها حالة من البكاء والضبابية والخوف والرعب والعداء للنفس والمجتمع والعصبية الواضحة تجاه محيطها وحالة من الانعزال عن المجتمع. تمتد مرحلة الشفاء من عدة أسابيع إلى 4 أو 6 سنوات، وقد تستمر فيها حالة العصبية والاكتئاب واسترجاع الحدث واضطراب العواطف والأحلام المخيفة واستمرار الانعزال المجتمعي عن المحيط وعدم التركيز والتهيج لأبسط الأمور والخوف من البقاء وحيدة في البيت، وقد تفقد الرغبة في العمل أو الهوايات السابقة وإمكانية الشجار مع الأسرة. التخوفات التي تثير قلق أسر ضحايا الاغتصاب تتمثل في رغبة الضحية في تغيير المكان أو المدرسة والعمل والتفكير في استعمال الأدوية المهدئة والبدء في استعمال المخدرات. وقد تدخل الضحية في مرحلة اكتئاب واضحة مع وجود أفكار ووساوس من الخروج مع الآخرين وعدم الإحساس بالسعادة والخوف من المستقبل والشعور بعدم وجود ما يمكن أن تعيش من أجله، إضافة إلى الخجل من مخالطة الناس والجيران والإخوة. ويمكن أن تصبح بدون إرادة للاستقرار في العمل وحتى في الحياة، وقد تصل إلى درجة فقدانها احترامها لنفسها وثقتها في مؤهلاتها. تبقى الصدمة النفسية والعصبية الناتجة عن الاغتصاب راسخة مدى الحياة ولا يمكن للمغتصبة أن تنسى هذه الصدمة الكبيرة، التي قد لا يمكن تجاوزها والتعايش معها، لأن صدمة الاغتصاب تعمل على عدم التكيف النفسي والاجتماعي للمغتصبة التي تحتاج إلى تأهيل نفسي واجتماعي ومساعدتها وتمكينها من استعادة تكيفها من جديد إلى أن تحقق التكيف السويّ مع ذاتها وأسرتها ومجتمعها. تشير الدراسات إلى أن جرائم الاغتصاب تقع ضحيتها النساء التي تتراوح أعمارهن بين 15 و25 سنة، وهي الفترة العمرية التي تتعرف فيها الفتاة على الشباب مما يرفع بالتالي احتمالات تعرضن للاغتصاب. رغم ظلال الطيف القاتمة لهذه المعاناة الانسانية، فإنها تترك بريقا من الأمل لنساء حاولن أن يجتزن آثار الاغتصاب وتأسيس أسر صغيرة، قادتهن الأقدار إلى لقاء رجال تفهموا وضعياتهن و«ستروهن»، على حد تعبيرهن، ليعشن حياة طبيعية تتميز ببعض المد والجزر كباقي الأزواج.. لكل امرأة حكايتها الخاصة مع أول يوم افتضت فيه بكارتها رغم أنفها عبر الإكراه والتهديد، ما تزال تجتر معاناتها بالرغم من أن «الحظ ابتسم لها»، وتعيش حياة الاستقرار عوض العيش مشردة في الشوارع أو داخل بيوت الدعارة، خاصة أن الاغتصاب لدى بعض الأسر يعد بمثابة عار يلاحق النساء المغتصابات طيلة حياتهن بالرغم من أنهن مجرد ضحايا لا غير.