اضطرت الابنة الطالبة (س.أ) التي تدرس بالرباط إلى إخفاء اغتصابها حتى انتهاء السنة الجامعية، بعد أن أفشت إحدى صديقاتها الخبر لوالدتها. لم تصدقها الأم في البداية، وواجهت ابنتها بما حكته لها والدة صديقتها. لم تتمالك (س.أ) نفسها وخرت باكية وهي تحكي لوالدتها كيف عادت مساء إلى الحي الجامعي بعد الانتهاء من امتحان كتابي. وقبل الاقتراب من بوابة الحي الجامعي العرفان شعرت بشخص يعدو خلفها ليضع نصل سكين على ظهرها ويطلب منها أن ترافقه بهدوء دون مقاومة، ليغتصبها قرب سكة القطار المحاذية لحي القامرة. تقول الأم بنبرة ممزوجة بالحزن والأسى: «أخبرتني ابنتي بما حصل لها ولفظاعة ما جرى لها لم أتمالك نفسي وسقطت أرضا مغمى علي. استفقت بعدها مصدومة بعد أن وعيت أن ابنتي تعرضت للاغتصاب، لتتغير حياة أسرتي إلى الأبد». سرعان ما علم باقي أفراد الأسرة بما جرى للابنة، وانفجر الأب غضبا لصمتها طيلة تلك المدة. فقد الجميع شهية الأكل وبدا إخوة (س.أ.) مهمومين لما أصاب شقيقتهم، ولم يتوان الأب في إخبار ابنته التي تدرس في المرحلة الثانوية أنها ستدرس بإحدى المدارس الموجودة في مكناس بعد الحصول على شهادة الباكالوريا، ولن تنتقل للدراسة في مدينة أخرى بعيدا عنهم لكي لا تتكرر مأساة أختها مرة أخرى. تعلق الأم قائلة: «بمجرد ما يعلم الناس بوقوع حادث الاغتصاب ينظرون إلى الأسرة والضحية بطريقة سيئة وكأنهم المجرمون، وهو ما جعلنا نخشى التبليغ عما حدث وتقاسم الصبر على مصابنا، وهي في نهاية الأمر فلذة كبدي وسنقف إلى جانبها دائما». تدخل المغتصبة حسب الأخصائيين في مرحلة التوتر والاكتئاب والضيق والعصبية، وهذا الاكتئاب يجعلها تفقد شهيتها للطعام، ويبدأ وزنها في التراجع، وتصبح عرضة لأحلام وكوابيس مزعجة واضطرابات في النوم، وبالتالي يلاحظ انخفاض مستواها الوظيفي أو الدراسي، بينما تشعر المرأة المتزوجة بأنها ملوثة وتحس بالخزي والعار من زوجها، وقد تخشى معاشرته لارتباط الجنس بالألم. الخوف من تجريم الضحية وطرح التساؤلات عن سبب تعرضها هي بالذات للاغتصاب أحد أسباب إحجام الضحايا عن التبليغ عن الجريمة والمطالبة بمعاقبة الجاني. لم تستطع (س.أ) إتمام دراستها الجامعية في القانون، فقد كانت تحلم بأن تصبح محامية، وهو الحلم الذي وأدته حادثة واحدة غيرت مجرى حياتها، لتعود إلى كنف عائلتها في مدينة مكناس. غابت ضحكتها ولم تعد تلتقي بصديقات الطفولة. «بدأت ابنتي تعزل نفسها خوفا من أن تخرج من المنزل وتفزع من أي صوت عادي مفاجئ كصوت جرس الباب أو الهاتف»، تتابع الأم. تعترف ناشطة جمعوية في محاربة العنف ضد المرأة ل«المساء» بأن ضحايا الاغتصاب لا تأتين مباشرة للاعتراف بأنهن تعرضن أثناء طفولتهن لحادث اغتصاب، وإنما لسرد الشكوى من بعض الحالات المرضية التي يعانين منها مثل قلة النوم أو عدم القدرة على التركيز أو القلق أو الإحساس بالذنب أو الشعور بأنهن أقل من باقي الناس.