أطفال يغتصبون تحت التهديد، وأحيانا تكون قطعة حلوى وسيلة لاستمالتهم، ثم تعاد الكرة مرات متعددة و«بدون حلوى». وسط صمت «مبهم» من طرف الكثيرين انتفضت العائلات في زحمة من الأحاسيس تفرقت بين الرأفة على أطفالهما الذين تولدت لديهم عقد نفسية، وبين الواجب في الدفاع والتصدي لمن هتك عرض «أطفالهم»، وبين هذا وذاك, تبقى السبل ضعيفة والوسائل شبه منعدمة في شق الطريق لمتابعة قضائية عادلة تكون رادعة لكل المغتصبين الذين «تجردوا» من كل الأحاسيس الآدمية وهم يروون عطشهم الوحشي، لذلك لم يجد هؤلاء الآباء والأمهات سبيلا سوى أن ينتظموا في شكل ما «ليتقوى عودهم» لعل صوت حناجرهم المبحوحة يصل إلى كل الجهات المسؤولة لوضع قوانين صارمة تزجر كل المغتصبين كيفما كانت وضعيتهم. «أعطاني قطعة حلوى وذهب بي إلى الخلاء ومارس علي الجنس. هددني بأنه سيقطع رأسي إن أنا نطقت ببنت شفة». «غطاني بلحاف ومارس علي الجنس عدة مرات هنا..» شهادات بريئة لأطفال في عمر الزهور وهم يسردون تفاصيل مدققة عما مورس عليهم من شذوذ جنسي من طرف أشخاص «راشدين» سنا، وهي الشهادات التي أسالت دموع أسرهم التي وجدت نفسها عاجزة عن سلك سبل لإنصاف أطفالها لأسباب عديدة.. مريم، خولة، معاذ وفيصل.. والقائمة طويلة لأطفال آخرين اغتصبت براءتهم في صمت، وفي غفلة من أسرهم مرات ومرات إلى أن كانت الصدمة كبرى بعد إصابتهم باضطرابات نفسية ترجمت على شكل سلوكات عصبية أو التبول أو الخوف أو خلل في التصرفات.. شهادات صادمة من خربة بعين الشق كانت انطلاقة الشرارة الأولى لمعاناة نفسية للطفل معاذ الذي مازالت أسرته لم تستفق مما ألم بطفلها الذي يبلغ من العمر سبع سنوات ويدرس بالسنة الأولى ابتدائي، وفي المقابل كانت شهوة حيوانية تنطفئ نسبيا عند طرف آخر. تحت التهديد كان معاذ ينصاع مضطرا لرغبة متدفقة في ملامسة أجزاء حساسة من جسده الطري، يقاوم، يحاول الانفلات من قبضة جنونية، لكنه سرعان ما يستسلم لأياد خشنة تتسلل إلى كل جسده، بعد وضع قطعة قماش «شيفون» بفمه الصغير حتى يكون أكثر أدبا وصمتا في حضرة (خ.ا)، الذي يبلغ من العمر 33 سنة، قد تطول المدة لتصل إلى الساعة أو نصف الساعة ومعاذ غائب عن أسرته دون أن ينتبه أحد إلى غيابه أو تأخره في العودة إلى البيت، لأنهم يبررون غيابه بانهماكه في اللعب مع أقرانه بالحي، لكن واقع الحال كان غير ذلك، تكرر الأمر مع معاذ عدة مرات، يقول إنه في المرة الأولى فر بجلده بعد أن اشتم رائحة الغدر في نظرات (خ.ا) الذي حاول اللحاق به لكنه استطاع الفرار إلى منزل أسرته، غير أنه في المرة الثانية استسلم إلى قدره تحت التهديد، عاد معاذ إلى البيت سألته الأم بعد أن لاحظت عليه اضطرابا واضحا فأقر لها بتعرضه للاغتصاب وراح يسرد لها كل التفاصيل، خوف الأم على أن يدخل زوجها، الذي يغادر المنزل في ساعات مبكرة في اتجاه عمله، في مشاداة مع الفاعل المعروف بانحرافه جعلها تلزم الصمت ظنا منها أن الأمر لن يتكرر. أكد والد معاذ أن صدمته كانت كبيرة عندما شاهد طفله يخرج بملامح متغيرة من خربة «قندهار» بشارع برشيد بعين الشق، وكان متبوعا ب (خ.ا)، آنذاك علم الأب بأن ابنه تعرض للاغتصاب ليتأكد بعد ذلك أن تلك لم تكن المرة الأولى بل سبقتها سلسلة من الاغتصابات، ومازال معاذ يتذكر يوما تعرض فيه للاغتصاب من طرف الفاعل الأول وشخص آخر. مريم تغتصب بمنزل الجيران دخلت مريم ذات الخمس سنوات إلى بيت أسرتها وبادرت بنزع لباسها الداخلي«التبان» سألتها أمها عن السبب فأجابتها ببراءة «غير متناهية»: «فيه الخنونة دارها لي (م.ا)«. صادف هذا الحادث وجود الأب بالمنزل فانتفض من مكانه للاستفسار عن الأمر، وهو يحمل «المايو» في يده غير أن المعني أنكر علاقته بما وقع لابنته. وتحكي مريم أن )م.ا( عمره 25 سنة، كان يرسل ابنة شقيقته إليها لتجلبها إلى منزله لتشاركها اللعب «لغرض في نفسه»، وليفسح لنفسه مجالا أرحب كان يبعث ابنة شقيقته إلى الطابق العلوي لتجلب له شيئا ما، وهي فترة كانت تكفيه ليشبع رغبته في الطفلة، تقول مريم : «كان يغطيني «بمانطة» ويضع شيئا بحجم كبير هنا، كنت أحس بألم كبير في كل مرة». أقرت الأم بأنها لم تكن تمانع في أن تدخل صغيرتها إلى منزل الجيران، لأنهم كانوا أناسا طيبين، لكنها لم تكن تعلم أن طفلتها كانت تتعرض لاستغلال بشع بهذا الحجم، لهذا أصيبت بصدمة كبيرة. تقول مريم إن لا أحد كان يوجد في منزل «المغتصب» سوى الصغيرة (ر) التي تستجيب في كل مرة لرغبة خالها في الصعود إلى الطابق العلوي لجلب شيء ما من وحي خياله، ونظرا لحداثة سن الطفلة فإنها كانت تستغرق وقتا طويلا لتعود بما طلب منها، وهي مدة كافية ليفرغ مكبوتاته الجنسية. حمل الأب الطفلة ودليل الاعتداء الجنسي الذي تعرضت له في يده وتوجه إلى الجهات المختصة غير أن صدمته كانت أكبر عندما أهملت شكايته، ولم تحرك إلا في الشهر الجاري، كما أن القضية اتخذت منحى آخر.. واعتبرت تهمة وباطلا لا ينطوي على حقائق، وأن الأمر لا يتعدى انتقاما من (م.ا) بعدما تقدم الأخير بصورة تحمل آثار ضرب في الرأس، وهو ما صرح الأب بأنه لا يمت للواقع بصلة وأنه لا يتعدى تمثيلية محبكة لإسقاط التهمة عنه. ضحية سلسلة من الاغتصابات حكاية الطفل فيصل، الذي تعرض للاغتصاب قبل أن يبلغ سبع سنوات، أكثر تراجيدية من حالة معاذ ومريم. فيصل واحد من بين عدد كبير من الأطفال الذين تلتزم أسرهم بالصمت خشية العار وشراء «الصداع» وقطع روابط القرابة والدم مع أسرة الفاعل الذي ينشط في هذا الإطار، والغريب أن أغلب الضحايا، الذين يتوزعون بين الذكور والإناث، تجمعهم به روابط الدم. لا يتذكر فيصل عدد المرات التي اغتصب فيها من طرف)ع.ع( لكثرتها، التزم فيصل الصمت ولم يجرؤ على الاعتراف لأمه بما وقع له، والأم بدورها لم تفطن إلى وجود شيء غير عادي، غير أنه مع توالي الأيام والشهور، وبالضبط عندما خرجت الطفلة خولة، ابنة خال فيصل، ذات الأربع سنوات، عن صمتها معلنة للجميع أنها تعرضت للاغتصاب على يد )ع.ع(، آنذاك توالت شهادات أطفال آخرين كانوا يئنون في صمت وقد تعرضوا لاغتصاب مماثل على يد نفس الشخص، وكان فيصل واحدا من هؤلاء. فيصل كان يلبي على الدوام رغبة )ع.ع (وكانت الوجهة إما «براكة» عائلته، عندما يكون أفراد الأسرة غير موجودين، أو إلى «براكة» أخرى مهجورة. يحكي فيصل كيف استسلم للمرة الأولى والثانية والثالثة.. وتوالت الاغتصابات التي نتجت عنها أضرار جسدية في «الدبر» وتوالت معها الاضطرابات النفسية والسلوكية. اضطرابات نفسية وسلوكية كانت مريم وخولة ومعاذ وفيصل، الذين كانوا في ضيافة «المساء»، يحملون جروحا نفسية وجسدية لم تندمل بعد، وكان خوف الأسرة وهلعها على أن يظل أطفالها رهيني ترسبات نفسية مرضية بسبب الاغتصاب الذي تعرضوا له المسيطر على كل تفكيرها، تقول أم فيصل :» حصص العلاج النفسي التي يخضع لها ابني لم تستطع أن تحد من الاضطرابات والنوبات العصبية التي تصيبه، بل إنها أصبحت تزيد من معاناته بسبب إصابته بمرض الربو»، وأضافت الأم « أصبحت مضطرة إلى التنقل إلى المستعجلات على الأقل أربع مرات أسبوعيا إن لم تكن يوميا، وهذا يشكل بالنسبة إلي عبئا نفسيا وماديا كبيرا، لأني أحيانا أقضي الليل بكامله إلى جانب ابني خشية حدوث الأسوأ». لاحظت أم فيصل، الذي أصبح سلوكه عصبيا إلى حد كبير، أنه بالإضافة إلى نوبات الاختناق والتبول اللا إرادي التي أصبحت تلازم طفلها، أصبحت بعض السلوكات الشاذة تظهر عليه من قبيل تحسس بعض المناطق الحساسة بجسده، وأضافت وهي تذرف دموع الحسرة والخوف على ابنها «أخاف أن يفقد ابني رجولته». وأضافت الأم أنها علمت بحادث اغتصاب ابنها عندما كان سنه ست سنوات ونصف وهو الآن يبلغ ثمان سنوات، في حين تجهل منذ متى وابنها يتعرض للاغتصاب، فربما تصل المدة إلى سنتين أو أكثر. معاذ، وإن كان يبدو أكثر هدوءا، إلا أن نفسيته مازالت مضطربة، حيث إنه يهذي أثناء نومه بكلام يبين أنه مازال يعاني من تبعات ما كان يتعرض له من قبيل «هاهو جاي لي..» وهو كابوس، يؤكد والده، أنه يتكرر يوميا، بالإضافة إلى التبول اللإرادي، كما أن الخوف أصبح يلازمه ولم يعد يجرؤ على مغادرة المنزل إلا برفقة شخص آخر، وأصبح محروما من التمتع بطفولته واللعب إلى جانب أقرانه بالحي. مريم، ذات الخمس سنوات، التي تستقر بدوار اولاد أحمد بدار بوعزة، حكت ما وقع لها بتفصيل دقيق، غير أن الخوف مازال يلازمها باستمرار، فبمجرد ما تهددها شقيقتها الكبرى بأن (م.ا) قادم تدخل إلى المنزل وأنفاسها تكاد تتوقف من شدة الخوف، بالإضافة أيضا إلى التبول، أما الحالة النفسية لخولة فلا تختلف عن باقي الأطفال، والفرق الوحيد أن خولة صرحت بتعرضها في أول اعتداء جنسي عليها في حين صمت باقي الأطفال بسبب التهديدات. تهديدات مستمرة لم تتوقف معاناة الأسر عند الاغتصاب الذي تعرض له أطفالها بل تجاوزه للاعتداء عليها وتهديدها بسبب الشكايات التي تقدمت بها، تقول أم فيصل، التي تعيش وحيدة رفقة طفليها لأن زوجها مهاجر بالديار السعودية، إنها «تعرضت للضرب والتنكيل على يد المتهم باغتصاب ابنها، ومن طرف بعض أفراد عائلته الذين تدخلوا لمنعها من تقديم شكاية ضده»، لأن الفاعل، تؤكد والدة فيصل، لا يبعد عن منزلها سوى بخطوات قليلة، كما أنه هددها بالاغتصاب إن هي تمادت في إلحاحها. وفي المقابل وجدت الأسر أن الشكايات التي تقدمت بها نحت منحى غير طبيعي، وعوض أن يزج بالمعتدين في السجون وجهت لعائلات الأطفال تهم تبادل الضرب والجرح لإسقاط التهم عن المغتصبين، تؤكد عائلات الأطفال. وأكد والد الطفلة مريم أنه يتلقى تهديدات باستمرار بأن ما وقع لابنته الصغرى سيحدث أفظع منه لابنتيه الأخريين اللتين تقطعان مسافة طويلة للانتقال إلى المدرسة، وهو ما يجعله يعيش في دوامة من الخوف، غير أن رغبته في استرجاع حق صغيرته جعله يتشبث بمطلبه رغم كل العوائق التي تحاول طمس الملف. وطالبت العائلات بفتح تحقيق في ملفاتها للتأكد من صدق ما يصرح به أطفالها الذين لا يمكن أن يحرفوا كلامهم أو يزيفوه بالكذب والبهتان نظرا لحداثة سنهم. يتعاطفون مع المغتصبين أكدت نجية أديب، رئيسة جمعية «ما تقيش اولادي»، أن بعض القضاة يتعاطفون مع مغتصبي الأطفال، وهو ما يثير الحيرة والاستغراب، تقول: «هناك تعاطف ملحوظ وملموس من بعض القضاة مع المتهمين»، وتساءلت أديب عن سبب هذا التعاطف؟ ولماذا لا تطبق فصول المتابعة والقانون عليهم؟ وقالت أديب: «المتهم إن لم يخل وكيل الملك سبيله يخليه قاضي التحقيق»، وأضافت أن ما يشجع على استمرار المغتصبين في أفعالهم الإجرامية ضد الأطفال هو أن الأحكام، حتى وإن أدانت المغتصبين، فهي تكون غير صارمة ومخففة، وغالبا ما تخفض فيها سنوات الحبس بالنصف أو الربع في مرحلة الاستئناف، علما أنها غالبا ما لا تتجاوز الثلاث سنوات، تضيف أديب، لأن المتهمين يواجهون الأسر بالتهديد وبالقول « ديتكم في شكارتي، وهذا سائر به العمل». وأكدت أديب أن الجمعيات الحقوقية الفاعلة في مجال حقوق الطفل تصطدم بوقائع يصعب استيعابها، مؤكدة أنه يجب وضع قوانين رادعة تنزل بصرامة على كل من سولت له نفسه هتك أعراض أطفال وتحطيم حياتهم الخاصة وخلخلة توازنهم واستقرارهم النفسي لأن أغلب الأطفال المغتصبين تتولد لديهم أمراض وعقد نفسية، حيث إن العلاج النفسي لا يعطي أكله وهنا يكون الطفل ضحية بالدرجة الأولى للمجتمع الذي تساهل إلى حد كبير في وضع قوانين لحمايته من أنياب «المرضى».. غياب وسائل الإثبات يعيق متابعة مغتصبي الأطفال صرح حسن الباز، محام بهيئة مكناس، بأن ظاهرة اغتصاب الأطفال أخذت منحى تصاعديا وهو ما يؤشر على وجود شيء غير مطمئن، ونرى أن المغتصبين أصبحوا أكثر شجاعة على ارتكاب فعلهم الإجرامي، وهو شيء لم نعتد عليه في مجتمعنا المغربي. واعتبر الباز أن القانون المغربي يجرم فعلا اغتصاب الأطفال ويضع عقوبات مشددة لذلك، غير أن العائق الأساسي ينحصر في البحث عن وسائل الإثبات التي تفتقر إليها الأسر في الغالب، باستثناء الشهادة الطبية، في حين يغيب الشهود، وهذا ما يعيق فعلا متابعة المغتصبين وإنزال أحكام توازي ما اقترفوه من أفعال. واعتبر حسن الباز، في ظل غياب الشهود في مثل هذه الحوادث، أن يتم الاكتفاء بشهادة الأطفال المغتصبين وشهادة طبية تثبت ذلك، في حين يمكن لشهادة الشهود أن تكون تكميلا ولا يعتمد عليها كشرط لإثبات الاغتصاب لصعوبة ذلك. كما اعتبر المحامي نفسه أن تمييز القانون بين القاصر المغتصب بالعنف والقاصر المغتصب بدون عنف لا ينبني على أسس منطقية لأن الطفل غير عاقل لا يعتد برضاه، وكيفما كان الاعتداء عليه جنسيا فهو يدخل في خانة الاعتداء بالعنف، وعليه ينبغي اعتبار اغتصاب الطفل بوجه عام، برضاه أو بعدمه، اعتداء جنسيا، نظرا لضعف قدرته على المقاومة وهو في جميع الحالات سيستغل سواء تحت التهديد أو في غيابه. وأضاف الباز أن ربط اغتصاب الطفل بالعنف أو بعدمه يشكل عائقا أمام متابعة قضائية مشددة للمغتصب، إذ في ظل صعوبة تأكيد الاغتصاب بقرينة الإكراه أو تحت التهديد بالسلاح أو بغيره، يتم تغيير طبيعة ملف المتابعة، حيث تتحول من جناية إلى جنحة، وهذا ما ييسر على المغتصبين الاستمرار في ممارسة شذوذهم على فئة الأطفال التي غالبا ما تفضل الصمت خوفا مما قد ينزل بها من عقاب من الأسرة أو حرمانها من مغادرة المنزل أو أشياء أخرى.. وأكد حسن الباز أن «القاضي يحكم باقتناعه الصميم»، إذ إن إصدار أحكام في حق المغتصبين، وبالنظر إلى المعيقات التي تم ذكرها، لا يتحكم فيها القانون بالدرجة الأولى بقدر ما تخضع لاقتناع وواقعية كل قاض، فإن كان القاضي لا يحس بالجرم الذي اقترف في حق الطفل أو الطفلة اعتبارا لأن «فاقد الشيء لا يعطيه»، يؤكد الباز، فإنه سيحكم بما يمليه عليه فكره وإحساسه، وهذا ما يفسر تباين الأحكام من قاض إلى آخر ومن مدينة إلى أخرى.