قبل بضعة أشهر، بعثت طفلة من طنجة، اسمها هاجر الدبدي فريشي، وهي من ذوي الاحتياجات الخاصة، تقطن بجماعة «تغْرامْت» بإقليم الفحص أنجرة، رسالة إلى رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، تطالبه فيها بالتدخل لإنقاذ قريتها من مخاطر التلوث والغبار الذي تحدثه المقالع بالمنطقة، وهو التلوث الذي قضى على النبات والحجر والطير والشجر، إلى درجة أن أنواعا كثيرة من الطيور هجرت المنطقة بشكل نهائي، وانقرضت تربية النحل تماما، وتحولت الفلاحة إلى كابوس، وتضررت رؤوس الماشية بشكل لم يسبق له مثيل، وأصيب الناس بأمراض السل وأوبئة جلدية خطيرة، وأكثر من كل هذا، أن الشاحنات العملاقة التي تعمل ما بين ميناء طنجة المتوسط وبين عشرات المقالع خلفت أعدادا كبيرة من الضحايا ما بين أطفال رضع وشيوخ في خريف العمر. ما يجري في عمالة «فحص أنجرة» هو مزيج ما بين التنمية والموت، ما بين الأمل واليأس المطلق، ما بين بصيص النور والظلام الحالك. رسالة الطفلة، مع هذه الصور المحيطة بها، تلخص الكثير، رغم أنها لا تلخص كل شيء، لأن المأساة الحقيقية أكبر من الرسالة.. وأكبر من الصور. نص الرسالة التي وجهتها الطفلة، هاجر الدّبْدي فريشي، إلى رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده السلام عليكم، رئيس الحكومة المغربية، السيد عبد الإله بنكيران أدعو الله لك من كل قلبي أن يسدد خطواتك في إصلاح بلادنا، المغرب الحبيب، حفظه الله لنا، وحفظ ملكنا الحبيب وأعزه الله ونصره وأيده. أنا طفلة من قرية «تغْرامت» بجماعة تغرامت بإقليم فحص أنجرة بشمال المغرب، اسمي هاجر الدبدي فريشي، وأنا من ذوي الاحتياجات الخاصة، وأعطاني الله الجنة إن شاء الله. أردت أن أحكي لك قصة قريتنا التي عانت وما تزال تعاني من مشاكل مع المقالع المتواجدة بالقرية، حيث إنها توجد بالقرب من منازلنا، وتتسبب في انتشار الغبار في كل مكان، وتصدّع منازلنا بسبب المتفجرات. أما شاحناتها فتملأ الطريق في كل وقت، فنحن في خطر داخل بيوتنا وخارجها، فذهابنا إلى المدرسة يشكل خطرا علينا حيث إن أختي خديجة الشهيدة قُتلت عن طريق شاحنة حيث إنها انقلبت عليها في ساحة المدرسة، وهي في الصف الثاني وعمرها ست سنوات ونصف، رحمها الله. نعيش في وضع صعب يملؤه الخوف. أما الغبار فأغلبية السكان يعانون من حساسية العين والجلد، وأنا منهم، وكل هذا يتسبب في تراجع تحصيلنا الدراسي. كل ما أفكر فيه هو أننا لسنا ضدهم، كل ما نطلبه هو المحافظة على حقوقنا كبشر والمحافظة على بيئتنا التي لم تعد قادرة على الصمود أكثر. فقد استنزفوا المياه الجوفية وأهلكوا الحرث والنسل والغابة بسبب الغبار. كل شيء يموت، والحيوانات تكاد تنقرض من القرية مع أنها مصدر عيش أغلبية الساكنة. أصبحنا في أغلبية الوقت نغضب ونعاني من كل هذا وأكثر، حيث إن أمهاتنا لا يجدن أين ينشرن الغسيل بسبب الغبار. لا نرتاح ويهدأ بالنا إلا في فصل الشتاء حين ينزل المطر من السماء الذي تفرح به الأرض فيغسل الغبار ويحيي الأرض من جديد. سامحني لأني أطلت الحديث عليك وأنا أعلم مدى انشغالاتك، لا أعلم لماذا أردت أن أحكي لك؟ لكن كل ما أتمناه أن يصلح الله حال قريتنا لأنني أحبك كثيرا. نريد أن نتمكن من العيش الكريم فيها بكل حقوقنا وأن يرفع الله عنا ظلمهم لنا ولأرضنا. نحن لا نطالبهم بشيء سوى احترام قانون العمل بالمقالع والمحافظة على حقوقنا وحقوق بيئتنا. أتمنى أن تقرأ رسالتي وأن تصلك، وسامحني على إطالة الحديث عليك، لكن لم أتحدث عن كل شيء لأن المشاكل كثيرة، وحتى استنشاق هواء نقي لا نجده أحيانا كسائر البشر لأن الغبار كثيف. سامحني على أغلاطي في الكتابة وفي كل شيء لأني ما زلت أتعلم. أدعو الله أن يوفقك للخير دائما لأننا نرى فيك شعلة الأمل في إصلاح الوطن حفظه الله لنا. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. شاحنة مقالع عملاقة انحرفت عن الطريق وسقطت مباشرة فوق غرفة نوم منزل قروي في منطقة فحص أنجرة «سيبة» شاحنات المقالع التي تحتل الطريق بالكامل، وإحداها تحمل أطنانا من الحجارة بدون حاجز وتصعد في مرتفع. إنه الجنون بعينه. شاحنة ثقيلة محملة بحجارة المقالع انقلبت مباشرة أمام مسجد قرية «وادليان» بمنطقة فحص أنجرة