يقع هذا أمام أكبر مسجد بمدينة ابن سليمان وعلى بعد أمتار من الشارع الرئيسي بها، وفي فصل لا يرحم طقسه العاري والمريض والجائع... معاقون أهملتهم أسرهم وأقاربهم وتنكر لهم المجتمع، وغفلت عنهم عيون المحسنين، فكان مصيرهم المرض والجوع والتعفن الذي أدى إلى إصابتهم بالشلل الكلي والدخول في دوامة انتظار القدر المحتوم أمام أعين المارة والمصلين والمنتخبين والمسؤولين. لم تشفع لهم إقامتهم ليل نهار في العراء أمام باب مسجد القائد العربي الذي يلجه يوميا المئات من المصلين، وتزحف إليه الآلاف لأداء صلاة الجمعة... فوق أغطية مبللة بمياه الأمطار ورطوبة الأرض، وأغطية لم تعد تحجب عنهم لسعات البرد والتسربات المطرية، بل إنها أصبحت غير كافية حتى لستر عوراتهم أثناء محاولتهم اليائسة للتقلب يمينا أو يسارا... معاقون يحتضرون نتيجة الجوع والمرض اللذان ينخران أجسادهم، وحسرة الإهمال والتهميش تزيد من اضطراباتهم النفسية. مبادرات خجولة قدر الإمكان من بعض أصحاب المحلات التجارية والخدماتية بالجوار، يقدمون لهم طعاما أو ماء أو يساعدونهم على تغيير طريقة نومهم لكي لا يتضاعف شللهم، أو ينظفون بين الفينة والأخرى الأفرشة والملابس المتسخة التي يقضون حاجاتهم من براز وتبول داخلها. قال أحد الشبان إن الروائح الكريهة أزكمت الأنوف، ومنعت المواطنين من الاقتراب من المسجد من أجل الصلاة أو التبضع من المحلات التجارية المتواجدة بمحيط المسجد. وأضاف أن معاقين من بين المشردين الذين لا يفارقون باب المسجد يحتضرون وأن الطقس البارد سيعجل بوفاتهم في حال عدم الإسراع بنجدتهم. «المساء» التي زارت المعاقين وقفت على هول ما يعيشونه من معاناة، شبان تتراوح أعمارهم ما بين 30 و40 سنة، قضوا سنوات يمتهنون التسول فوق كراسيهم المتحركة إلى أن أصبحوا عاجزين على قيادة تلك الكراسي، وبما أن مهنة التسول لم تدرج بعد ضمن المهن التي يمكن أن تمنح لأصحابها تقاعدا مريحا. فإنهم تركوا حياتهم وراحتهم للقدر، آملين أن يكون مكوثهم أمام باب المسجد فرصة للحصول على حياة أفضل يهبها لهم بعض المحسنين أو المسؤولين عن المدينة. لم يعد بإمكانهم طلب المساعدة بعد أن فقدوا التحكم في ألسنتهم، يكتفون بمتابعة كل مار بجانبهم بعيون دامعة وحزينة، بعضهم يدعو دون كلام، بالصحة والعافية عبر مد أكفهم إلى الله، لكل من رق لحالهم بحركة أو نظرة حزينة أو مد يده من أجل إطعامهم. منهم من يرسل حركات بطيئة بيده من أجل طلب المعونة التي لم يكتب لها أن تطرق بابهم. رقت لحالهم قلوب فقيرة ليس بإمكانها تغيير مسارهم، وتساءلت عن سبب عدم تدخل المحسنين والمسؤولين بالمدينة من أجل إسعافهم، فحالتهم تستدعي تحويلهم مباشرة إلى العناية المركزة.