مثل كل سنة، التأمت، في شهر شتنبر المنصرم، الجمعية العامة للأمم المتحدة التي شارك فيها ممثلو جميع دول العالم، الغنية منها والفقيرة، الديمقراطية والسلطوية. وفي ظل أوضاع دولية مضطربة جدا، وبالخصوص في الشرق الأوسط، يتساءل البعض عن جدوى الحفاظ على منظمة الأممالمتحدة التي تبدو وكأنها غير قادرة على ضمان الأمن والسلام في العالم. أكيد أن هيكلة منظمة الأممالمتحدة لازالت تعكس واقع سنة 1945، حينما اتفقت الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية (الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد السوفياتي والصين والمملكة المتحدة وفرنسا) على بناء نظام دولي يحمي العالم من الوقوع في حرب عالمية ثالثة. لكن العالم تغير والبلدان التي انهزمت بالأمس، مثل اليابان وألمانيا، لم تعد تشكل خطرا على الأمن الدولي، بل أصبحت في مقدمة الدول الأكثر تمويلا لميزانية الأممالمتحدة. وفي عالم ينتهي فيه ببطء عهد القطبية الأحادية الأمريكية ويدخل تدريجيا مرحلة تعدد القطبية، تحتاج الأممالمتحدة إلى إصلاح مجلس الأمن وإعادة النظر في كيفية اتخاذ القرارات كي يعكس التحولات التي عرفتها الإنسانية منذ سبعين سنة خلت، بما فيها انتهاء الاستعمار والحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي. وإذا كان عدم تمثيل إفريقيا وجنوب أمريكا في مجلس الأمن للأمم المتحدة أمرا مقبولا أيام الاستعمار الأوربي وهيمنة الولاياتالمتحدة المطلقة، فقد أصبح مرفوضا اليوم، والعديد من الدول مثل البرازيل وتركيا ونيجيريا والهند، بفضل قوتها الديمغرافية والاقتصادية، يمكنها أن تلعب دورا أهم في اتخاذ القرارات الأممية، بالخصوص إذا ما رأى مشروع إصلاح مجلس الأمن النور. وبغض النظر عن القضايا الأمنية والمرتبطة بالحفاظ على السلم والأمن العالميين، فإن هناك العديد من التحديات التي يواجهها العالم والمعروفة بتعبير «المشكلات التي بدون جواز سفر»، مثل الحفاظ على البيئة ومحاربة الأوبئة والهجرة الجماعية، والتي لا يمكن أن يوجد لها حل إلا على المستوى العالمي وباتفاق وتعاون وتنسيق بين جميع الدول. ومن المؤكد أن الأمر ليس بالهين لأن الإنسانية لا تملك تجربة كافية في تدبير شؤونها اعتمادا على مقاربة جماعية في مواجهة التحديات الكونية في إطار مؤسسات عالمية تتطلب تشريعا مكثفا ومستمرا. ومنظمة الأممالمتحدة تحتاج إلى مزيد من المجهودات والمساهمات المالية من طرف الدول الأعضاء لإنجاح إصلاحها، لأنها، في نهاية المطاف، تمثل جميع دول العالم. وبالرغم من نقائص هيئة الأممالمتحدة، فإن العالم يحتاج إليها أكثر من أي وقت مضى، لكنه يجب عليها أن تنجح في إصلاح نفسها وتحسين أدائها وتقوية مشروعيتها عند أمم الجنوب كي تطوي صفحة الهيمنة الغربية وتعكس واقع القرن الواحد والعشرين وتحظى بتمثيلية لدى جميع الشعوب.