مرة أخرى يعود ملف المقاولات الصغرى والمتوسطة إلى الواجهة مع صدور أرقام مخيفة تتحدث عن استمرار إفلاس عدد كبير منها نتيجة الصعوبات التي تواجهها، خاصة بسبب نقص السيولة وتراجع الطلبيات، ليصل عدد المقاولات التي أعلنت إفلاسها منذ بداية السنة الجارية أزيد من 3700 مقاولة ضمنها أزيد من 320 مقاولة أنهت نشاطها مرغمة في شهر غشت الماضي فقط. الأرقام التي كشف عنها مكتب الدراسات «أنفو ريسك» تشير إلى أن الأشهر الثمانية الأولى من سنة 2015 شهدت زيادة كبيرة في عدد المقاولات المفلسة بلغ 22 في المائة، في حين وصل عدد المقاولات التي لجأت إلى المسطرة القضائية، إلى قرابة 3750 مقاولة، رافقه تراجع كبير في عدد المقاولات التي تم خلقها على الصعيد الوطني والذي بلغت نسبته 33.3 في المائة، ما يمثل فقط قرابة 1570 مقاولة. وتعقيبا على هذه الأرقام قال محمد كرين، الخبير الاقتصادي، «إن سياسة التشجيع على خلق المقاولات التي تنهجها الدولة أمر محمود ولكنه غير كاف، وزيادة على كل التحفيزات التي تقدم لخلقها يجب أن يكون هناك مصاحبة للمقاولات الصغرى والمتوسطة ليس فقط في سنواتها الأولى، وبعد ذلك تترك لمواجهة مصيرها ولهذا من الضروري أن تتم مصاحبتها بشكل كامل لأنها تشكل البناء الأساسي لكل اقتصاد يريد أن يصير متطورا إن لم أقل متقدما». كرين أضاف في تصريح استقته «المساء»: «إننا في حاجة إلى مقاربة شاملة تسعى إلى التشجيع والتحفيز على خلق المقاولات وخاصة لدى المقاولين الجدد، ولا أكتفي بالشباب فقط، بل يجب حث المواطنين من كل الأجيال على إنشاء مقاولات، وهذه الإستراتيجية يجب أن تشتمل على كل التدابير التي من شأنها أن تصاحب المقاولات، وأن تعطيها المساعدة الضرورية في الوقت الذي تعيش وضعية صعبة، أما في زمن الرخاء فلا حاجة لها إلى مساعدة لأنها تقدم خدمات إلى الاقتصاد الوطني من خلال الضرائب التي تؤديها وتشغيلها لليد العاملة». وكانت بعض التحليلات ذهبت إلى أن أزيد من 35 ألف مقاولة صغيرة ومتوسطة يتهددها شبح الإغلاق بسبب الصعوبات الاقتصادية التي تعيشها، ما يعني أن 3 مقاولات من أصل 10 تعاني خطر الإفلاس، علما أن المندوبية السامية للتخطيط أشارت في إحصائياتها إلى أن المقاولات الصغرى والمتوسطة تشكل 97 في المائة من النسيج المقاولاتي بالمغرب. وتشير أرقام مكتب «أنو ريسك» إلى أن «عدد المقاولات التي ستلجأ إلى التصفية القضائية مع متم السنة الجارية سيرتفع إلى 5700 مقاولة، وهو رقم قياسي لم يتم تسجيله من قبل». ويقول محمد كرين إن الاستراتيجية التي يفترض أن تعتمدها «يجب أن تتضمن ترسانة من التدابير، وعلى سبيل المثال لا الحصر نجد المقاولات التي تشتغل مع مؤسسات عمومية ومصالح إدارية أو جماعات محلية تواجه صعوبات كثيرة في استخلاص فواتيرها، بل الأغرب من هذا أن مقاولات تحوز فواتير لم تتمكن من استخلاصها لدى الدولة، في حين تتابعها الدولة من أجل الضرائب، ولكي تتمكن من المشاركة في طلبات العروض التي تفتحها بعض مؤسسات الدولة تجد نفسها ملزمة بتقديم شهادة إبراء من الضرائب تسلمها مصالح إدارة الضرائب، وهذه مفارقة غريبة يجب أن يعاد التفكير بخصوصها من أجل عدم حرمان المقاولات من مشاريع تمكنها من الاستمرار، وهذا هو ما يجب أن تتضمنه ترسانة التدابير التي يجب إخراجها والتي ستشمل مشاكل السيولة وكيفيات التعامل مع تراجع الإنتاجية في علاقتها بالمستخدمين، وهذا يفترض توفير تسهيلات على مستوى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي يجب أن يتخلى في بعض الحالات عن دور الدركي..» ما تقوم به الدولة، يقول الخبير الاقتصادي، «أنها تقدم تسهيلات للراغب في خلق مقاولات، ومن بعد تقول له: «اذهب أنت وربك فقاتلا»، وبعدها تكتفي بنشر الإحصائيات عن عدد المقاولات التي تم خلقها، وفي هذا الصدد يجب إعادة هيكلة الوكالة الوطنية للمقاولات الصغرى والمتوسطة، وإعادة النظر في مهامها، وإعطائها الوسائل الضروري لتقوم بدورها كاملا في المصاحبة وخاصة في الوقت التي تعيش فيه المقاولات صعوبات، لأن مساعدتها خلال أزمتها يمكن من المحافظة عليها ما يعني المحافظة على جزء من الناتج الوطني والمحافظة على مناصب الشغل».