تنكب لجنة الخارجية والدفاع الوطني بالبرلمان على مناقشة مشروع القانون رقم 01.09، القاضي بإحداث المؤسسة الوطنية للمتاحف، في أفق إحالته على الجلسة العامة للبرلمان، وقد راهنت الحكومة على تمرير هذا المشروع في أسرع وقت ممكن، غير أن رؤساء الفرق البرلمانية من أعظاء اللجنة، طالبوا بتخصيص حيز زمني كاف لمناقشة المشروع على غرار باقي القوانين لكونه يعد رمزا من رموز السيادة كالعلم الوطني والحدود، لتستمر مناقشتة يوم الخميس المقبل، فهل سيدافع بن سالم حميش عن مشروع لم تساهم فيه وزارته أم ستجنب الوقوف ضد التعديلات وذلك أضعف الإيمان. في نظر المهنيين، تتسم الصيغة الحالية المطروحة على البرلمان، بغياب المرجعية القانونية في صياغتها وتناقضها مع القوانين الوطنية والدولية، كما أنها طبعت بالإستعجالية والسرية، ولم تأخذ بعين الإعتبار التعديلات التي تقدمت بها وزارة الثقافة، ومطالب جمعية خريجي المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، التي سبق وأن أكدت في توصيات صادرة عن يوم دراسي حول «مستقبل المتاحف المغربية في أفق إحداث المؤسسة الوطنية للمتاحف»، على وجوب أن يدخل مشروع إحداث أية مؤسسة (l’Institution) في إطار مقاربة شمولية للتراث الثقافي (المادي واللامادي) لا تعتمد تجزيئا أو فصلا بين مكوناته، ومن ثمة المطالبة بإحداث وكالة وطنية للتراث الثقافي، وبإعادة صياغة القانون المقترح وفق منظور يؤكد على مبدإ الخدمة العمومية لأية مؤسسة، وضرورة إضفاء الصبغة العمومية عليها، وإخضاعها لوصاية الدولة المباشرة، على اعتبار أن الأمر يتعلق بقطاع سيادي بامتياز لا يقبل التفويت ولا الخوصصة ولا التدبير المفوض، وبضرورة إعتماد القوانين الوطنية والمواثيق الدولية كمرجعية قانونية في صياغة أي قانون مقترح لإحداث أية مؤسسة تعنى بتدبير القطاع المتحفي والتراثي بالمغرب. وفي نظر الأستاذ الباحث والقانوني، عبد الكريم الحديكي، فإن عملية تفويت تدبير المتاحف التابعة لوزارة الثقافة لمؤسسة معينة تفتقد إلى العديد من العناصر المشكلة والمميزة للمؤسسات العمومية وله طابع الخطورة، لأن هذا التفويت يتعلق بمؤسسات تكتسي طابعا حيويا واستراتيجيا من حيث تجسيدها للهوية الحضارية الوطنية وتعبيرها عن الذاكرة التاريخية للمغاربة. وتثير المقتضيات القانونية لهذا المشروع العديد من الإشكالات الجوهرية المتعلقة بالتكييف القانوني لهذه المؤسسة وبالطبيعة القانونية لأنشطتها ونظام العاملين بها، إضافة إلى نوعية الرقابة التي ستمارسها الدولة على أعمالها. وبرصد لأهم عناصر المشروع نجد أن النص القانوني يؤكد على تمتعها بصفة الشخصية المعنوية مما يخولها شخصية قانونية مستقلة بذاتها تمكنها من التمتع بالحقوق والالتزام بالواجبات (المادة 1)، التوفر على الاستقلال المالي مما يجعلها تتحكم في نفقاتها وتتمتع بسلطة وضع ميزانيتها، كما أنها تمتلك موارد خاصة بها، وتعمل لحساب الدولة، وتتكون المؤسسة من لجنة مديرية يعين رئيسها بظهير ومن مجلس التوجيه والتتبع الذي تمت إضافته في الصيغة الثانية من المشروع، إضافة إلى عدم خضوع المؤسسة لمقتضيات القانون رقم 69.00 المتعلق بالمراقبة المالية للدولة على المقاولات العمومية ومنظمات أخرى مقابل خضوعها لمراقبة مندوب الحكومة المعين بمرسوم باقتراح من وزير المالية. وعليه تطرح الملاحظات التالية: فالمؤسسة حسب المشروع سيتم إحداثها من طرف الدولة بمقتضى قانون، وتكتسب شخصية معنوية واستقلالا ماليا، ويعين مديرها بمقتضى ظهير، لكن بخلاف المؤسسات العمومية، ومن ضمنها المؤسسات الخاضعة لوزارة الثقافة، لا تخضع لوصاية الدولة، ولا تخضع لمراقبتها المالية المزدوجة من طرف المحاسب العمومي والمراقب المالي للإلتزام بالنفقات، إذ يكتفي النص بتحديد المراقبة من طرف مفتش يعينه وزير المالية. إذن فالمجلس الأعلى للحسابات لا حق له في متابعة نشاطها، مع العلم بأن هذه الهيئة الرقابية لا تقوم فقط بمراجعة وتدقيق الحسابات المالية، بل تتعداها إلى مراقبة التسيير الإداري والتدبير المؤسساتي بموارده المالية والبشرية. فكيف والحال هاته عندما يتعلق الأمر بثروة تاريخية هائلة لا تقدر بثمن؟ وأي دور سيبقى لوزارة الثقافة أمام مؤسسة لا تتوفر على مجلس إداري، بقدر ما تتوفر على مجلس للتوجيه والتتبع على غرار الجماعات الدينية؟ وفي رأي عبد الكريم الحديكي، فوزارة الثقافة لا تتمتع بمقتضى القانون 01.09 بأية سلطة رقابية قبلية أو بعدية على أعمال المؤسسة. وبحسبه فهذا الأمر يثير الاستغراب خاصة إذا علمنا أن معظم النصوص المحدثة للمؤسسات العمومية، وطنية كانت أو جهوية، دأبت باستمرار على إقرار مبدأ وصاية الدولة على المؤسسات العمومية. فكيف يمكن للدولة عامة والسلطة الحكومية المكلفة بقطاع المتاحف خاصة أن توجه أعمال المؤسسة الوطنية للمتاحف على نحو يتماشى مع استراتيجية الدولة وسياستها في هذا المجال في ظل غياب آلية الوصاية ؟ على ضوء ذلك ونظرا إلى المستقبل غير الآمن الذي ينتظر متاحف المغرب والعاملين بها في أفق إحداث المؤسسة الوطنية للمتاحف، فقد وجهت جمعية خريجي المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث رسالة إلى نواب الأمة للتصدي لمشروع قانون 09/01 القاضي بإحداث هذه المؤسسة والمطروح اليوم للمناقشة في البرلمان، وتخبر فيه الرأي العام والبرلمانيين أن مشروع القانون هذا، صيغ من وراء ظهر وزارة الثقافة وفي سرية وإقصاء تامين للممثلين القانونيين لمحافظي المتاحف والمواقع التاريخية. كما أن هذا القانون تغافل مشروع قانون إحداث الوكالة الوطنية لتنمية التراث الثقافي الذي كان قد اقترحه على الأمانة العامة للحكومة محمد الأشعري،الوزير الأسبق، في شهر أكتوبر من سنة 2003. لتسجل بأن المشروع ضرب عرض الحائط بالملاحظات القيمة والوجيهة التي بعثت بها لتعديل المشروع 09/01 إلى الديوان الملكي ثريا جبران اقريطيف، وزيرة الثقافة السابقة. ولذلك تقول الرسالة: «لا يخامرنا شك في أن إرضاء أحد «المرضيين عليهم» هو ما يحرك ملف مشروع قانون 09/01 باستعجالية وسرية وإقصاء للمهنيين، ولا يحركه حب التراث ونية تطوير وتأهيل متاحف المغرب. وتؤكد الجمعية بأنها لا تقف ضد تطوير عمل المتاحف أو ضد تأهيل تراثنا الوطني، مشيرة إلى أنها على العكس من ذلك، ظلت دوما تطالب بتدبير التراث الوطني المادي وغير المادي بعقلية احترافية ووفق منظور براغماتي ونزعة اقتصادية واضحة (marketing et management culturel). غير أن مشروع القانون 09/01، الذي حرر بالفرنسية ثم ترجم إلى العربية «ترجمة بلهاء»تقول الرسالة، جاء بدون مرجعية قانونية وطلع علينا بمؤسسة لا تخضع لأية وصاية للدولة ويهمش وزارة الثقافة بشكل واضح، وسيصعب غدا على عتاة القانون وفقهائه التصدي لخروقات هذه المؤسسة. وعبرت الجمعية عن أنها تنطلق من مبدإ لن تحيد عنه، وهو أن التراث الوطني يدخل ضمن سيادة الدولة والوطن ولا يمكن تحت أية طائلة خوصصته أو تفويته ولو بمنطق التدبير المفوض. فهو مثله مثل الحدود الترابية والعلم الوطني والعملة والقوات المسلحة الملكية وغير ذلك من رموز السيادة.