عرفت منطقة ميناء الجرف الأصفر، خلال الأسبوع المنصرم، أوضاعا استثنائية جراء غرق قارب صيد تقليدي يطلق عليه إسم «بحر الغزال»، وكان على متنه خمسة أشخاص فقدوا منذ ليلة الثلاثاء، 8 دجنبر الجاري. إخبار برج المراقبة أعقبه استنفار وسط السلطات المختصة من درك ملكي وقبطانية ميناء الجرف الأصفر ومندوبية الصيد البحري وعمالة الإقليم وأمن منطقة الميناء. والمثير أن الاستجابة لنداء الإغاثة تأخر لمدة أربع وعشرين ساعة، لأسباب مجهولة، ولم يتحرك مركب «منقذ» التابع لمندوبية الصيد البحري إلا صبيحة اليوم الموالي، حيث قطع طول مسافة أربع أميال قبل العثور على القارب المفقود وهو مجزأ إلى جزأين وشباكه مليئة بالأسماك من نوع «كابايلا» والسردين، وهما نوعان محظور صيدهما بالمنطقة. وبعد القيام بعملية مسح أولية في صبيحة الخميس وتحديد مكان انقلاب القارب عاد «الإغاثة» إلى رصيف الميناء، طالبا تعزيزات إضافية للتزود بمركب صيد ساحلي و«زودياك» تابع للدرك قصد تفكيك القارب المنقلب وإفراغ حمولته من السمك وفك الشباك عنه، مع الإبقاء على إمكانية وجود جثث البحارة الخمسة في مكان الحادث. لكن الرحلة الثانية لمركب الإغاثة انطلقت عند الثانية من زوال نفس اليوم وتطلبت زهاء ست ساعات ما بين الإبحار وعملية التفقد، وقد أشرفت عليها معظم المصالح المختصة ولم تسفر عن أية نتيجة، حيث دفع سوء الأحوال الجوية وارتفاع الأمواج التي دفعت بالقارب إلى عمق يفوق الخمسين مترا مع بقاء جزء منه على سطح المياه، بالإضافة إلى الشباك التي كانت مثقلة بكميات الأسماك، وهو ما دفع رجال الإنقاذ، أمام إشكاليات متعددة، إلى اتخاذ قرار العودة إلى رصيف ميناء الجرف الأصفر بعد تثبيت تنبيهات عبارة عن كرات هوائية راسية فوق موقع تواجد القارب الغارق. البحارة بدون ضمانات اجتماعية عشنا طيلة ساعتين من الزمن وسط مواطنين بسطاء معظمهم ينتمي إلى دواوير قروية تابعة لجماعة مولاي عبد الله أمغار، وهي من أغنى الجماعات المحلية بالمنطقة. كانت عائلات البحارة الخمسة المفقودين محاطة برؤساء الجمعيات الممثلة لقطاع الصيادين وبأصحاب قوارب الصيد التقليدي. ثلة منهم كانت تشتكي قساوة العيش وحيف الإدارة في التعاطي مع أوضاعهم المزرية وثلة أخرى كانت تربط بين حالة القارب الغارق وطاقمه المفقود وبين قوارب الموت التي تعصف بالضحايا في شواطىء الشمال المغربي، معللين ذلك بكون دافع الفقر الذي يرغم صيادا على ركوب قارب تقليدي للعمل في ظروف قاهرة ودون أدنى شروط الكرامة الإنسانية وخارج نظام التغطية الصحية والرعاية الاجتماعية هي نفسها التي تدفع بالكثيرين إلى التفكير في الهجرة السرية، عبر قارب الموت في اتجاه أوربا. رئيس الفدرالية الإقليمية للصيد البحري بالجديدة، عبد الواحد مستعين، صرح ل«المساء» بأن الوضع المأساوي الذي يتخبط فيه الصيادون بالجرف الأصفر بسبب سياسة اللامبالاة التي تنهجها الإدارة يتطلب نضالات مفتوحة، وأعرب عن أسفه لما حدث ويحدث لهذه الفئة وهي تعيش الضياع والمآسي «لقد اتصلنا كفدرالية ليلة الثلاثاء، تاريخ فقدان القارب وطاقمه، بالعمالة وبمندوبية الصيد البحري وبكل السلطات وتمت الإستجابة لمطالبنا بتسخير طائرة خفيفة للقيام بعملية مسح للمنطقة بحثا عن المفقودين، وأمام عدم التجاوب السريع مع مطالبنا للإنقاذ استحضرنا خلال اجتماعنا الطارئ تلك المقولة الشعبية المتداولة بين البحارة «الداخل للبحر مفقود والخارج منه مولود». إن الفدرالية تطالب السلطات بتحمل مسؤولياتها في إخراج هذه الفئة الهامة من المجتمع من وضعيتها الخطيرة، فهي بدون تأمين وبدون ضمان اجتماعي وتعمل في ظروف تنعدم فيها أبسط شروط السلامة ولا تستجيب للمعايير المعمول بها قانونا. وختم تصريحاته ل«المساء» بالتأكيد على تضامن الفدرالية مع أسر الضحايا، أما صاحب القارب الذي غرق وعلى متنه خمسة بحارة فصرح ل«المساء» بأنه اشترى قاربه منذ ثلاثة أشهر وشغل معه الطاقم المفقود المكون من خمسة أشخاص أحدهم برتبة «رايس» والأربعة الآخرون مساعدون له، وفند الادعاءات بأنهم لا يحملون وثائق تثبت صفتهم كبحارة، بل أكد بأن المشكل الوحيد هو انعدام نظام ضماني يوفر الحق في تمتيع فئة الصيادين بالتأمين والتغطية الاجتماعية. معاناة عائلات البحارة بعد أن غادر رجال الإنقاذ وأصحاب مراكب الصيد التقليدية والصيادون المتعاطفون مع الضحايا رصيف ميناء الجرف الأصفر في انتظار الإبحار من جديد بحثا عن المفقودين، توجهنا إلى دوار أولاد ابراهيم على بعد أربعة كيلومترات من الميناء ووجدنا جل الأهالي يعيشون في ظلام دامس وانعدام المسالك الطرقية المؤدية إلى سكناهم، ووجدنا أسر الضحايا في حداد ووسط طقوس عزاء صغارهم وكبارهم يذرفون دموعا. وهو ما يعني فقدانهم لأي أمل في العثور على معيليهم أحياء، فلم يبق لديهم شك في أن المفقودين أصبحوا في عداد الموتى ولا ينتظرون سوى جثثهم التي قد تأتي بعد يوم وقد تغيب سنة وقد لا يظهر لها أثر، كما حصل في حالات غرق أخرى. معظم ساكنة دوار أولاد ابراهيم يحترفون الصيد شتاء وجني الطحالب صيفا. وبين الإبحار بقوارب صيد تقليدية في أعالي البحر والغطس في عمق هذه البحار بأجساد أصحابها شباب في مقتبل العمر، تبقى لا مبالاة الدولة أهم ركن في احتجاجات هذه الفئة التي طالب معظم من التقيناهم بنقل شكواهم ومعاناتهم التي لا حد لها. وتجدر الإشارة إلى أن البحارة المفقودين هم محمد رضيان، أب لبنتين ويونس رضيان، عازب 22 سنة، ورضيان عبد العالي 25 سنة عازب، كذلك وهدان الحسين متزوج وأب لخمسة أطفال وعبد الله الناكوري، متزوج وأب لخمسة أطفال.