ابراهيم الحيسن، فنان تشكيلي، من مواليد الطنطان بجنوب المغرب سنة 1967، أستاذ مادة التربية الفنية بمركز تكوين المعلمين سابقا. ويعمل حاليا مفتشا لنفس المادة، باحث في الثقافة الصحراوية والأدب الشعبي الحسّاني. صدرت له مجموعة من الأبحاث والدراسات في الفن والتراث. وحاز على عدة جوائز تقديرية في البحث التشكيلي وله معارض متعددة في جل المدن المغربية وخاصة الجنوبية منها. أدرك الفنان ابراهيم الحيسن، أهمية الفن في الحياة في سن مبكرة، غير أن هذا الإدراك لم يتأسس بصورة واضحة إلا بعد الانخراط في التخصص ومراكمة التجربة بشكل تدريجي ومتنامي. من ثم، نما اهتمامه بالمجال التشكيلي وبعالم الأصباغ والألوان وتصوير المشاهد وتجسيد الأفكار على اللوحة.. كانت الصحراء وبكل تأكيد، هي المنبع والأصل.. وقديما قيل : «الفنان ابن بيئته». لذلك لا يمكن له بتاتا أن ينكر فضل الصحراء كفضاء في تكوينه وتشكله الإبداعي والبيولوجي حسب قوله. الصحراء هي الرحم الواسع الذي خرج منه وتنسم رائحة الإبداع فيه.. الصحراء، هذا المكان الحميمي الرحب.. الواسع والممتد من الرمال والقيظ والغبار والعوسج.. امتداد جغرافي ضارب في أعماق المدى.. وذاكرة منفتحة على تاريخ عريق يختزل أشكالا متنوعة من القيم والخبرات الإنسانية الموغلة في القدم.. إن المكان في الصحراء له دلالته ومكانته الخاصة.. فهو لا يكتسب أهميته القصوى والضرورية.. ولا يحمل أي معنى، ولا يعبر عن أية دلالة إلا من خلال العلاقة التي يربطها الإنسان معه.. والصحراء..هي بلا شك فضاء جغرافي ضارب في أعماق المدى.. ومجال بيئي شاسع يحتضن الإنسان الصحراوي في رحلته الأبدية وسط هبوب الرياح.. ترتبط اللوحة المعروضة باهتمام الفنان الحيسن لفترة معيَّنة، بالموروث البصري الصحراوي ممثلاً في اللباس التقليدي، سيما لباس المرأة، أي ملاحف النساء التي تعد أداة تعبير عن الفرح، الغيرة، الحياء، الاحترام، الرغبة.. إلخ. وفي رأي ابراهيم الحيسن أن المرأة الصحراوية تدرك بأن الأنوثة سلطة، لذلك فهي لا تتوان في التعبير عن هذه «الميزة» التي حباها بها الخالق عن طريق اللباس، ليس فقط لإثارة حواس الرجل، بل ليقينها بأن الأنوثة «سر الجاذبية الخلقية في المرأة». حكاية هذا الاهتمام بدأ مع طقس شعبي معروف في الصحراء يسمى «تْكَالِيعْ البَنْدْ»، وهو تجاذب أطراف القماش خلال اليوم الأول من أيام الزفاف بين عائلتي العريس والعروس. فكان حضور الفنان الحيسن ضمن هذا الطقس في عدة مناسبات مناسبة لتأمل أجساد فتيات متأنقات ملفوفات ومختفيات وراء الملاحف بألوانها المتنوعة والشفافة. إنها خطاب أيقوني يعتمد الحجب والستر.. فاختفاء العُري يزيد رغبة في اكتشاف أسرار الجسد ومفاتنه.. والملحفة في هذا المضمار «ستار يسمح بالحميمية»، كما تقول صوفي كاراتيني S. Caratini في مؤلفها «أطفال المزن» الصادر عام 1993.. زد على ذلك معتقد شعبي سائد في الصحراء يُعرف باسم « گْلِيبْ الطَّرْفْ» تبرز فيه ملحفة الأم كتميمة لتحصين الجسد. فهو يتمثل في تعرُّض الفتاة (أو الفتى) للضرب سبع مرات من قبل الأم بواسطة أطراف من ملحفتها، أو تمرير الصبي المصاب سبع مرات من داخل مشابك ومطاوي ملحفة الأم. إلى جانب معتقد آخر يتعلق بلجوء بعض النساء اللواتي يرغبن في الزواج إلى قطع جزء من ملاحفهن وتركه بجوار ولي صالح يزرنه رغبة في طرد النحس وكسب ود رجال يعشقنهن!! من ثم تجسَّد هذا الاهتمام والولع بالملاحف عند ابراهيم الحيسن، من خلال اتخاذ هذه الأردية النسائية سنداً للاشتغال بدمجها مع القماش والورق المقوى والخشب الرقيق إدماجاً جمالياً وتعبيرياً في آن واحد، وحصيلة هذا الاهتمام إنتاج سلسلة لوحات صباغية أطلق عليها تعبير «غنائية الأثر» باعتبار التقنية التلوينية التي استعملها في التنفيذ كما صرح بذلك، هي نفسها تقريباً التقنية التي يعتمدها الحرفيون التقليديون المحليون في تلوين الملابس والأردية «تقنية الصَّر» وهذه التقنية قريبة الشبه بالباتيك Batik، وهو من الفنون الصباغية التي تمارس بشكل شعبي في آسيا خصوصا في الهند والصين وباكستان وبعض دول إفريقيا الجنوبية حيث يقوم ممارسوه هناك باستخلاص الأصباغ والمساحيق الملونة من بعض النباتات التي تتميز بالمقاومة وطول البقاء بهدف إبراز مواضيعهم وتجسيد شحنات أفكارهم المستمدة غالبا من الثقافة الشعبية والمعتقدات الدينية والميثولوجية.