في ليلة الثلاثين من يناير من سنة 1959 وبعد سنتين من الحكم بالإعدام على عدي وبيهي، يموت هذا الأخير بمستشفى ابن سينا بالرباط، حيث تم نقل جثمانه إلى قرية كراندو. وقد حظيت جنازته بحضور العامل الجديد على تافيلالت، كما خصصت للرجل جنازة مهيبة حضرها عدد كبير من المواطنين والسياسيين، وكان في مقدمتهم المحجوبي أحرضان الذي قال في كلمته التأبينية «إذا مات عدي وبيهي فكلنا عدي وبيهي»، وهو الذي يعتبر من أبرز الموقعين على العريضة التي قدمت في الخامس عشر من أبريل من سنة 1958 لرئيس الحكومة امبارك البكاي والتي تنتقد صراحة حزب الاستقلال، وقد كان من بين الموقعين على هذه العريضة التي تشكل البدايات الأولى لأول قوة سياسية معارضة داخل المغرب كل من محمد حسن الوزاني وعبد الهادي بوطالب ومحمد المكي الناصري والمحجوبي أحرضان وعبد الكريم الخطيب ومحمد رشيد ملين وأحمد رضى اكديرة. ففي هذه السنة ولدت ما بات يعرف بجبهة الحريات الديموقراطية والتي نظمت العديد من التجمعات عبرت فيها عن رفضها لهيمنة الحزب الوحيد، وقد صدر ذلك بصحافة حزب الشورى والاستقلال التي كانت ناطقة باسم المعارضة السياسية الجديدة التي بصدد التشكل، الأمر الذي حذا بوزير الداخلية إدريس المحمدي إلى منع هذه الصحافة لتبدأ قصة الصراع بين الأحزاب والصحافة من جهة، وقضية اسمها وزارة الداخلية التي ستتخذ أشكالا أخرى في ما سيأتي من تاريخ المغرب على عهد الاستقلال من جهة أخرى. فوفاة عدي وبيهي لم تنه الحركات التمردية التي عرفتها مجموعة من مناطق المغرب المختلفة، ففي خريف تلك السنة عرفت منطقة ولماس تمردا تزعمه أحد ضباط القوات المسلحة الملكية الكولونيل بن الميلودي، أحد قدماء جيش التحرير، وقبل ذلك بدأ عصيان قبائل الريف وهي الحركات التي تزامنت مع وضع سياسي غير مستقر على مستوى الحكومة. لقد مات عدي وبيهي، في مقابل ذلك ظل وزير الداخلية الحسن اليوسي، الذي اتهمه عدي وبيهي بأنه صاحب الأوامر التي كان يتلقاها، لاجئا في إسبانيا من سنة 1959 إلى سنة 1962 دون أن يخضع للمحاكمة كما ظلت تطالب بذلك عدد من الأوساط في حزب الاستقلال بتهمة التآمر على العرش، وقد تزامنت عودته إلى المغرب مع حملة الاستفتاء على الدستور وعند عودته إلى الرباط خصصت للحسن اليوسي إقامة بحي السويسي والتي كانت سكنى امبارك البكاي عندما كان رئيسا للوزراء في السنوات الأولى للإستقلال وظل اليوسي بعيدا عن الأضواء إلى أن مات فيما بعد. وقد اغتنمها حزب الاستقلال فرصة لشن حملة من الانتقادات بشأن الإشاعات التي تم تداولها بشأن العفو الذي قد يصدر في حق عدي وبيهي وكتبت جريدة العلم كالعادة تقول :«فما زال الجيش الفرنسي الذي شجع ثورة عدي وبيهي وزودها بالمال والسلاح يحتل أراضينا وما تزال اعتداءاته على الحدود الشرقية والجنوبية تزداد يوما بعد يوم وما تزال مؤامرة لفصل جزء من أراضينا سائرة في طريق التنفيذ وما تزال ألاعيبه الخطيرة هناك تقوم لإثارة الفتنة وإلهاء الدولة عن سيرها نحو الاستقرار» . وفي مقابل ذلك، كانت حركة سياسية جديدة في طريقها للتشكل فرحم حزب الاستقلال كان يستعد لولادة الحزب الاشتراكي للقوات الشعبية، وكان عبد الكريم الخطيب ورفيقه أحرضان على مشارف الإعلان عن الحركة الشعبية الدستورية وكان اكديرة يستعد لإطلاق جبهته وهي الإرهاصات الأولية لمشهد سياسي لم يعد يطيق هيمنة الحزب الوحيد وكانت التحركات والتمردات التي تشهدها من حين لآخر مناطق مختلفة من المغرب وقودا يذكي هذه الحركية لكي تمهد لمغرب متعدد سياسيا ولكنه متوحد حول الدولة المركزية القائمة على الملكية وفي مثل هذه الأجواء السياسية سيدخل المغرب مرحلة سياسية ستسمى في ما بعد بسنوات الجمر والرصاص والتي كان عنوانها الأساسي الخلاف على الشرعية والمواقع السياسية لكن بدون وعي سياسي، الأمر الذي كشفته ستون سنة من الاستقلال والتي أظهرت أن الأطياف السياسية لم تكن مجمعة على النموذج المجتمعي للمغرب الحديث الذي خرج للتو من شرنقة الاستعمار الفرنسي والذي أضاع العديد من الفرص، في مقابل ذلك قطعت بلدان مشابهة والتي كانت في نفس الوضع المغربي أشواطا، لأنها حصلت على نموذجها التنموي المنشود وتم الإجماع بين كل الفرقاء حول هذا النموذج، وسعى الجميع إلى تحقيق ذلك كل من خلال موقعه ولم يتبنوا الشعار المأثور «أنا وحدي نضوي لبلاد» .