لم يختلف معي أغلب القراء حول مصطلح «الفيلم الديمقراطي» الذي نتابع أحداثه في مصر. لكن الخلاف الذي لم يحسم بينهم كان حول طبيعة الفيلم، وهل هو كوميدي أم تراجيدي، إذ ذهب البعض إلى أنه مثير للضحك الهيستيري، وقال آخرون إنه من نوع التراجيديا التي تصدم المشاهد وتصيبه بالغم والكمد. ولأن لكل فريق حججه المقنعة وقرائنه التي لا تخلو من وجاهة، فقد خلصت إلى أنه خليط من الاثنين. والوقائع التي استندت إليها في هذه الخلاصة، كالتالي: حين تم اغتيال الرئيس أنور السادات، شاءت المقادير أن تنتقل السلطة في هدوء إلى نائبه السيد حسني مبارك في عام 1981. وهو ذات الهدوء الذي تم به نقل السلطة بعد الوفاة المفاجئة للرئيس جمال عبد الناصر في عام 69 إلى نائبه السيد أنور السادات. وحين تولى الرئيس مبارك السلطة واستقر له الأمر، توقع المصريون أن يعين نائبا له. ولكن عدة سنوات مرت دون أن يشغل ذلك المنصب الشاغر المنصوص عليه في الدستور. في البدء، قيل إن الرئيس لم يجد في بر مصر الشخص المناسب الذي يمكن أن يكون نائبا له، ولاحقا قيل إن الرئيس لا يريد أن يفرض من جانبه نائبا له على الشعب المصري، رغم أنه شخصيا جاء بهذه الطريقة. لم تكن الحجة الأولى مقنعة. وانتظر الناس أن يحل الرئيس بحكمته موضوع نائبه، لكنه لم يفعل طوال السنوات العشر الأولى أو الثانية، حتى دخلنا في أواخر العشرية الثالثة، وبدا أن الموضوع لم يعد واردا فنسيه الناس أو تناسوه، حتى لم يعد له ذكر في الحوارات الجارية بين النشطاء. لعب مكر التاريخ دوره وأعاد طرح السؤال حين فقد الرئيس وعيه لبعض الوقت أثناء الخطاب الذي كان يلقيه أمام مجلس الشعب عام 2003، الأمر الذي ذكر الجميع بأن الرئيس تقدم في العمر، وأن لكل أجل كتاب، وهي الأجواء التي استدعت أسئلة تجاوزت موضوع نائب الرئيس واستفسرت عن مصير منصب الرئيس ذاته. وهي الأسئلة التي لا بد أن صداها وصل إلى أسماع المقامات العليا، التي تبين أنها بدورها كانت مشغولة بالموضوع وتعد لتوفير الإجابات اللازمة. وهو ما تجلى في التعديلات الدستورية التي أعلنت في سنة 2005، وكان واضحا فيها الالتفاف على ترتيب مستقبل الحكم في مصر، إذ فتحت الباب للتنافس على منصب الرئاسة، في حين أغلقته عمليا على مرشح الحزب الوطني الحاكم. ومنذ ذلك الحين، انفتح ملف الرئاسة القادمة والانتخابات التي ستجرى من أجلها في سنة 2011. وما إن دخلنا في هذه المرحلة حتى بدأ تسويق وتلميع جمال مبارك، حيث جرى تصعيده في الحزب وأصبح أمينا للسياسات في بر مصر. وأدرك الجميع أنه صار لاعبا أساسيا في الساحة ومشاركا في القرار السياسي. بدأ الأمر تلميحا ثم صار تصريحا، استصحب طرحا للسؤال: هل يوجد بديل غيره؟ وكان السؤال مقنعا في ظل الجدب الحاصل الذي أصاب الحياة السياسية بالعقم. التطور الذي حدث في مصر أخيرا لم يكن في الحسبان، إذ تم ترشيح آخرين للرئاسة، على رأسهم الدكتور محمد البرادعي. وكانت تلك مفاجأة أبطلت حجة عدم وجود البديل. ليس ذلك فحسب وإنما أدرك الناس أن الرجل له مواصفات تجُبّ أي ميزة ذكرت لجمال مبارك. وكان ذلك هو السر في أن الأبواق الرسمية أعصابها ووجهت ضده مدفعيتها الإعلامية الثقيلة التي استهدفت هدمه والتشكيك في وطنيته. ولم يبق إلا أن تكفره وتخرجه من الملة. إن الرجل لم يرشح نفسه، وقد قلت من قبل إنه ارتكب جريمة حين دعا إلى الإصلاح السياسي. ولكن تبين أن الجريمة الأكبر التي لم تغفر له أنه نبه الناس إلى أن في الثمانين مليون مصري أكثر من بديل لجمال مبارك، وأكثر كفاءة منه، ومن ثم أجدر بمنصب الرئاسة. إذا اعتبرت أن هذه كوميديا أو تراجيديا فالأمر متروك لك، لكن يظل خيارك بين أمرين لا ثالث لهما: أن تضحك أو تبكي.